صبحة بغورة تكتب: دلع الأزواج في مرضهم

أن يصاب أبناء آدم وحواء بالأمراض فهذا شيء طبيعي وأسباب الإصابة بمعظمها ليست غامضة، وطرق الوقاية منها معروفة، وأودية العلاج معلومة متوفرة، وحالات الشفاء من أخطر الأمراض كثيرة ومبشرة، ولكن ما هو غير طبيعي أن يتصابى الرجل وخاصة المتزوج عندما يصاب بالمرض؛ فيمسي هلعا ويصبح جذعا فتكثر شكواه وتزيد طلباته بالليل أكثر من النهار، كأنه يتحول إلى طفل صغير يحتاج إلى دفء ورعاية أمه.

غالبا ما يصاب الناس مثلا بنزلات البرد والزكام والانفلونزا شتاء وصيفا، وكلهم يعلمون جيدًا السبب المباشر لإصابتهم بالمرض، وقد يعلمون كذلك نوع العلاج المناسب لمرضهم ويدركون ما يتوجب عليهم فعله في هذه الحالة.

ولكن مع ذلك يسعى بعضهم بكل الطرق إلى شد انتباه زوجته في كل وقت وحين ويحاول استدرار عطفها لمنحه المزيد من الاهتمام والكثير من العناية ويطالبها بفائق الرعاية الصحية، فتراه يتمادى في الشكوى المستمرة من وجع ما ألم ببدنه وأحباله الصوتية، ويبالغ في إظهار شدة وطأة المرض عليه مع عبوس وجهه وكثرة آهاته حتى يبدو أنه غير قادر على فعل أي شيء.

ومنهم من لا يرى حرجا في أن يتدلل بعض الشيء على زوجته في حالتي الصحة والمرض وأنه لا عيب أو سوء في ذلك وأنه ما دامت المحبة متبادلة بينهما فلماذا لا يتدلل عليها؟ ثم تراه يحمد الله كثيرا أن وهبه زوجة إنسانة ولطيفة تلبي له كل طلباته وتنفذ كل ما يقال لها دون أن تنزعج منه أو تضيق من كثرة رغباته، ثم تراه يعترف بأن إظهار دلعه عليها هو سبيله لطلب حنانها ومزيدا من حبها فقط لا غير وليس أبدا لإتعابها بما لا تطيق أو تحميلها أمورا ترهقها.

في المقابل يعتبر البعض الآخر أن الزوج الذي يرهق زوجته بالمبالغة في طلباته الخاصة خلال مرضه هو مريض نفسي؛ لأنه يعتقد أن زوجته وقت مرضه لن تشعر به وتقدر حالته أو تتفهم وضعه، وأنها لن تشعر بصعوبة ظروفه الصحية ولن تلتفت إليه بل وستهمله، وإذا لم يقم بما يفعله فإن زوجته ستصرف النظر عنه وتتركه يعاني آلام المرض وحده؛ فيشعر بالخوف الدائم الذي يسكن قلبه أثناء فترة المرض لذا تزيد طلباته حتى يُبقي زوجته إلى جواره 24 ساعة.

ويؤكد أحدهم أن دلال الرجال في فترة مرضهم يخص فئة منهم لا يعملون كثيرا في اليوم، فالإنسان العامل طوال النهار لا يجد الوقت الكافي ليتدلل على زوجته ويرهقها بطلباته، الرجل المشغول لا يمكنه الاعتياد على أن يمارس هذا السلوك مع زوجته لأنه سيعود إلى منزله مرهقا وغير مستعد حتى للحوار أو النقاش أو التمتع بالدلال، وبرأيه أن الزوجة يمكنها أن تدلل زوجها في كل وقت تراه مناسبا دون أن يطلب هو منها ذلك.

من جانب الزوجات، تؤكد زوجة ثلاثينية أنها لا تحب الزوج الذي يتدلل في وقت مرضه؛ فالمرض بلاء ومعاناة وهو كرجل عاقل عليه أن يصبر ولا يشتكي وأن يتحمل آلامه حتى تزول ويشفى بدلا من أن يطلب من زوجته القيام بالمستحيل، ويرهقها كالطفل الذي يتعب والديه، بالفعل هناك الكثير من الرجال بهذه النوعية فهم أحيانًا يبكون كالأطفال عندما تشتد آلام مرضهم حتى أنه قد يقوم أحدهم بتوبيخ زوجته واتهامها بأنها سبب إصابته بالمرض.

واشتكت إحدى الزوجات تجاوزت الخمسين من عمرها من هذا الأمر تحديدا، فزوجها كثير الطلبات خلال فترة مرضه، يطلب منها عدة أشياء في آنٍ واحد لا يمكنها أن تقوم بها بشكل متزامن وحين تتأخر عنه ينهال عليها بالسب والصراخ والإهانات واتهامها بالتقصير في حقه وبأنها زوجة غير كاملة ولا تتقن الطبخ ومهملة في بيتها وتجاه أولادها ولا تصلح أن تكون زوجة له، ثم يهددها بأنه سيتزوج بامرأة أخرى، ولكن اعتياد الزوجة على مثل هذه المعاملة من زوجها عندما يمرض جعلتها لا تأخذ تهديده على محمل الجد وأصبح لا يزعجها غضبه لأنها تعتبره مريضًا ولا يعي ما يقول.

وعلى خلاف ذلك، عبرت زوجة شابة عاملة، عن حبها لزوجها عندما يتدلل عليها وأنها تتفاعل معه، فزوجها يتيم الأم وعانى كثيرًا في طفولته، كان محروما من حنان الأم؛ ولذلك فهي تحاول أن تعوضه ذلك النقص وتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيقه، وتؤكد أنها لا تفعل ذلك انطلاقا من أنه يحتاج إلى الحنان بل لأنها تحبه وتحب أن توفر له جوا من الأمان الذي يبحث عنه خاصة إذا كان مريضا، لذلك فهي ترى أن السبب وراء دلاله هو فقدان الحب والحنان في فترة طفولته وشبابه.

وكثير ما يتحول مرض بعض الرجال إلى دراما مخيفة في المنزل، خاصة إذا كان لا يقوى على خدمة نفسه عند المرض؛ إذ يصبح مزاجيا للغاية ومفزعا للزوجة، لذلك يتفنن في الدلال وكثرة الشكوى والطلبات والبقاء لأطول فترة طريح الفراش؛ إذ يبدأ سيناريو تصعيد الدلال ليشترط إيصال ما يحتاج إليه من طعام وأدوية إلى فراشه.

والحقيقة أن لدى معظم الزوجات قناعة داخلية خاصة أن مثل هذه النماذج من الأزواج يريدون في الحقيقة من خلالها اختبار مدى اهتمام زوجاتهم بهم ليس إلا.

وقد يتراوح سبب دلع الأزواج بين الأنانية القميئة المفرطة في حب امتلاك رعاية الزوجة والاستئثار بعنايتها واهتمامها، وبين الحنين إلى حضن الأمان الأمومي الدافئ، وفي الحالتين تتقبل الزوجة دلال زوجها؛ وذلك لطبيعتها الخاصة التي تتميز بالكثير من الصبر وقوة التحمل وبفضيلتها الأصيلة على العطاء، فهذا يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع الرجل أثناء مرضه وأكثر رحمة في ضعفه، ويمكنها أيضًا من امتصاص شكواه واجتياز فزاعة أزمة مرضه لعلها بذلك تنعش حياتها الزوجية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الاستقلالية العائلية.. خصوصية أم أنانية