صبحة بغورة تكتب: تربية الأبناء على الصدق

تشكل الأسرة المؤثر الأول والرئيسي في بداية حياة الطفل؛ إذ يتلقى منها عقله مجموعة القيم والمبادئ التي يتبناها الأهل والعائلة الكبيرة، ومن خلالها يتعود على جملة المعتقدات الدينية التي يؤمنون بها، ولذلك فالطفل أثناء العملية التربوية المستمرة ينشأ متأثرًا بوالديه معظم الأحيان.

ولكن هناك مؤثران آخران مهمان في تشكيل وجدانه وتنمية مداركه، وهما المدرسة، المؤسسة التربوية التعليمية، والمجتمع حيث البيئة المحيطة به.

وعادة ما يتحلى الطفل منذ نعومة أظافره بالأخلاق الحميدة، ويكتسب سلوكياته مقتديا بمن أقرب إليه كوالديه والمعلمين، وكلما قام الأهل بدورهم التربوي في سن مبكرة كقدوة حسنة له كلما استقر ما يتلقاه منهم في أعماق نفسه وتأكد رسوخه في عقله ووعيه.

ويتعلم الطفل السلوك السوي تدريجيًا مع التكرار ومن خلال الصواب والخطأ يدرك بنفسه الأمور التي ستتطلب المزيد من الجهد والوقت للتدريب على أحسنها، وعلى الأهل أن يدركوا أن من طبيعة الأطفال الصغار الجنوح نحو الخيال والأحلام في أحاديثهم وكلامهم مع أقرانهم، والواجب أن يستوعبوا الأمر ويتعاملوا معه بهدوء مدركين أن ذلك لا يعني أنهم يتعمدون الكذب، لأن ذلك من طبيعتهم التي سيعدلون عن بعضها مع مرور الأيام بعد أن يعلموا سخافتها.

وسيكون من المفيد حث الأبناء على توخي الصدق في كل الأحوال ومهما كانت الظروف، باعتباره قيمة دينية هامة وسلوكًا أخلاقيًا محترمًا وراقيًا يجب الالتزام به.

هنا تستوقفنا ملاحظة هامة في عملية التنشئة، وهي أن الطفل يتعلم بالقدوة أكثر من إكثار النصح والمبالغة في التحذير والتخويف والتنمر عليه، وليس صعبا أن يتم التأكد ما إذا وضع الطفل القيم الإيجابية التي تتم توعيته بها قد وضعها نصب عينيه وأنه قد أثمرت بالفعل نتائجها الطيبة، وإن كان الأمر غير ذلك، فالواجب البحث عن أسبابه فقد يكون لذلك علاقة بمسألة القدوة.

فأحيانًا، يرتكب الوالدان أخطاء تضعهم في حرج الموقف بسبب التناقض بين أقوالهم وأفعالهم، فربما يطلب منه أحد والديه إنكار وجوده بالمنزل إذا ما طرق أحدهم باب المنزل بحثا عنه أو رن هاتف المنزل وأراد شخص غير مرغوب فيه التحدث إلى والده مثلا، هذا الموقف يثير في نفس الطفل الصغير عدة تساؤلات ستشغله ولن يجد لها جواب، وقد يتلقى الطفل الصغير سيلا من اللوم والتأنيب والتوبيخ إذا أخطأ في التعبير وأوقع والده في الحرج، سيبدو الأمر في نظر الطفل وكأن أهله لا يستطيعون مواجهة مواقفهم بصدق وشجاعة وأنهم يحتمون بأطفالهم فيطلبون منهم مواجهتها بالنيابة عنهم، في حين يتعرضون هم لعقوبة والديهم على كذبة صدرت منه لتجنب عقابهم المبالغ فيه لمجرد زلة لسانه.

وقد يزيد الأمر سوء إذا تأكد الطفل أنه لا مفر أمامه إلا أن يتعلم كيف يكذب، وبالتالي ستتبخر كل دروس النصح والمواعظ عن فضائل توخي الصدق.

إذا كان من الضروري وجود القدوة كمرتكز أساسي لتكريس قيمة الصدق في نفس الطفل في القول وتأكيده بالفعل، فإن ثمة اعتبارات أخرى تتفاعل لتؤثر في هذه المسألة، ومنها على سبيل المثال اللجوء للكذب من أجل الدفاع عن النفس أو الهروب من العقاب على فعل لم يحسن الطفل تقديره جيدًا، فكانت النتيجة على غير ما كان يتوقع، أي أنه كان يظن أنه يحسن صنعا يثير به إعجاب والديه.

وتؤكد هذه الحالة حقيقة عدم شعور الطفل بالأمان في أسرته وخوفه الدائم من رد الفعل الذي يتوقع أن يكون كسابقه قاسيًا ومبالغ فيه، ولذلك لجأ إلى الكذب حتى يتجاوز الموقف ويمر منه بسلام، وأمام هذه الحالة يصبح من الواجب العاجل الاهتمام بزرع الثقة في نفس الطفل حتى يعتاد على المصارحة بكل ما يواجهه من مواقف مهما كانت حساسيتها ومهما بلغ حرجها ومهما كان الخطأ.

والسبيل لزرع الثقة، أن يجتهد الأهل بكل هدوء وصبر في المشاركة الإيجابية في مشاكل طفلهما وأن يتقاسموا معه همومه، والتخفيف عنه بإرشاده للسلوك السوي المطلوب وفقا لمعطيات كل حالة، والتنبيه إلى طبيعة الخطأ المرتكب وأثره السيء على النفس وضرره على الآخرين بأسلوب بعيد عن العنف في المؤاخذة.

من حق الطفل أن يتعلم من والديه أصول التعامل، والواجبات، وحقائق الحياة وطبيعة الكائنات، وأن يجد لديهم إجابات على تساؤلاته الحائرة عن أسرار الوجود، والواجب على الوالدين إرشاده بالحسنى إلى طريقة التعلم من الأخطاء حتى لا يكررها، وأن يمنحوا له الفرصة للتدرب على تصحيح أفعاله شيئا فشيئا والحرص على تشجيعه لبلوغ نهاية مطاف المنهج السليم الواضح في التعامل مع أمور الحياة.

وتتطلب طريقة التعلم هذه مد جسور الثقة المتبادلة أولًا بين الآباء والأبناء بالكثير من الصبر والثقافة التربوية والوعي العميق بأسرار النفس الإنسانية، حتى يمكن أن نعين أطفالنا على بلوغ بر الأمان.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تنمية معنى العمل والمال عند الأطفال