صبحة بغورة تكتب: انهيار القيم

من أبرز مشكلات العصر وكل عصر، اضطراب أسس المعاملات واهتزاز الثقة في التعاملات بين البشر، والقاسم المشترك هو السقوط الحر للأخلاقيات في مختلف المجالات.. إنه انهيار القيم الإنسانية والمعاني الحضارية، ومعه يبرز الخوف أن لا يصبح وجودنا في مستوى عصرنا ومتطلباته خطابا وممارسة ومساهمة وعطاء.

وارتبط التراجع الشنيع في الالتزام بتطبيق قواعد السلوك الاجتماعي الرشيد في كل مفردات الحياة اليومية بعدد من الأسباب المباشرة، أدت إلى ضعف التقيد بتوخي الحرص الدائم على الاستجابة لصوت نداء الذات بواجب المحافظة على أصول الاحترام والشرف في كل مواقع العمل، إنها أسباب سلوكية نابعة من نفوس ضعيفة استثمرت خبثها في المكائد من أجل تحقيق مصالح ضيقة ولأغراض شخصية .

أبرز أسباب انهيار القيم

ـ نشر الشائعات نشر الشائعات وإفشاء الأسرار والترويج للفضائح الحقيقي منها والكاذب، بغرض الإساءة والتجريح الشخصي؛ لتلويث سمعة من تراه بعض الأوساط خصما عنيدًا أو طرفا قويا في معادلة المصالح والنفوذ والمواقع مهما كانت طبيعتها ومهما كان شكل العمل ومجاله.

ـ المال المال؛ إذ أصبح المفتاح السحري لمغاليق الأمور، فبه تفسر خلفيات الكثير من الجرائم والدسائس، وبسببه تنشب الكثير من النزاعات العائلية على خلفية الإنفاق والميراث.

ومن أجله تنشب الصراعات الدامية والحروب، فغلبة المال على سلوك الفردي والجماعي لا يقف أمام إغرائه أي وازع من أخلاق أو ضمير، وينهار الكثيرون بسبب الفاقة في ارتكاب جرائم السرقة والاختلاس والرشوة وتزييف العملة، والتورط في تزوير المحررات والوثائق والشهادات، والقيام بمحاولة تهريب الأموال، حتى لا يمكن في بعض المجالات قضاء الحوائج بدون تسبيق المال.

ـ الإعلام عندما تبيع بعض المؤسسات الإعلامية نزاهتها وتضع مصداقيتها على المحك مقابل الترويج بمقابل لأفكار مضللة لتمجيد من لا يستحق وتحسين صورة من هو غير جدير بشرف التمثيل، أو للتأثير على الرأي العام بأكاذيب مثيرة للعداوة والبغضاء وللفتن بين الشعوب.

لقد تورطت العديد من وسائل الإعلام والصحف والمواقع الالكترونية في جرائم نشر الضلالات، وأساءت إلى شرف مجتمعات محافظة وكفّرت أخرى إسلامية مقابل الحصول على مكاسب وامتيازات، ولم تصمد أمام شهادة وحقائق التاريخ.

ـ الأسواق التجارية انتشار الأسواق الكبرى، فيما يعرف "بالمولات" الأسواق التجارية الشاملة الكبرى، فهي ظاهرة غزت قلب العواصم والمدن الكبرى بعدما كانت تقتصر على ضواحيها فقط للحفاظ على بقاء مصالح المحال التجارية الصغيرة.

واليوم تمثل هذه المولات مراكز لاحتكار السلع وتسعيرها، بل وتساهم في تحديد نمط استهلاك أفراد المجتمع وتقيد خياراتهم وتوجه ميولهم الاستهلاكية الغذائية وغير الغذائية.

كما أصبحت منفذًا حيويا للكثير من المنتجات، ولكنه أيضًا قيد شديد على انتشار منتجات أخرى على نحو يخل كثيرا بقانون السوق وحرية التجارة وآلية العرض والطلب.

ـ تجارة الجنس

إنها أقدم مهنة في التاريخ، ولا تزال تفعل فعلها في كل المجتمعات بأشكال مختلفة منها العلنية والمنظمة، ومنها السرية التي تنظمها شبكات محمية توفر الملاهي والكازينوهات والأجواء المثيرة والفتيات لطالبي المتعة، ومعها تبقى بيوت الدعارة مفتوحة في قلب الأحياء الشعبية المحافظة يرتادها الزبائن دون حرج من أهالي الحي وسكان العمارات.

ولم تقتصر هذه التجارة عند هذا الحد، بل امتدت إلى الترويج لظاهرة المثلية بتسخير أطفال ويافعين شباب قهرًا لها. وقد ارتبط بها مؤخرًا تجارة الأعضاء البشرية إما مقابل الإغراء المالي أو غصبًا بعد اختطاف الضحايا وهو أسوأ ما في الموضوع، إلى جانب الاتجار بالمخدرات والأقراص المهلوسة.

القواسم المشتركة في انهيار القيم

ـ كسب النفوذ المالي الكبير مقابل الاستعداد للتنازل عن معايير الصدق والنزاهة والشرف. ـ بقدر انتشار هذه الظواهر ودوام اتساع رقعتها، بقدر تعمق الانهيار الشديد في القيم. ـ الاستثمار في فقر المجتمعات ومآسي الحروب والنزاعات، والتهجير القسري والإقامات السرية والهجرة غير الشرعية والحاجة للهرب من الموت والبحث عن الأمن والحياة الأفضل.

أصبحت الظاهرة، أكبر من أن يتم تقويمها بالخطب والوعظ والإرشاد، لأنها مرتبطة بأقوات أناس رهنوا واقع حياتهم ومعاشهم ومستقبلهم ومصير أبنائهم بمخالفة القوانين والأعراف والتقاليد، بعدما تمسكوا عن ضلالة بالموبقات وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.

لا سبيل للرجوع إلى جادة الصواب إلا بالعودة إلى الله تعالى، فهو الرزاق الكريم سواء بالترغيب أو بالترهيب، والتطبيق الصارم والحاسم للقوانين والحضور الدائم للأمن في حياة المجتمع والناس والمتابعة الأمنية المستمرة لمظاهر الجريمة ومكافحة أسبابها.

الخطورة الكامنة في انهيار القيم، أنها تعني شيوع الفساد والظلم وتدهور منظومة الأخلاق.

بينما القيم الإنسانية الثابتة تربط الإنسان بالكون والحياة، والقيم الأخلاقية هي قيم محبة تربط المرء بالحياة والناس، وانهيارها فناء للمجتمع المتماسك.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: العقد النفسية في شخصية المرأة