منذ تفشي وباء كورونا؛ لم يكف المسؤولون في كل دول العالم عن توجيه النداءات اليومية بضرورة مكوث المواطنين في بيوتهم وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى.
ومع تزايد أعداد ضحايا الوباء، بدا للمستهترين به أن سرعة انتشار عدوى المرض وشدة فتكه لا تستثني أحدًا وأنه لا توجد مؤشرات عملية وملموسة على قرب توصل العلماء ومعامل الأبحاث البيولوجية لما يمكن أن يضع حدًا له؛ حيث أجبرت وطأة المرض حكومات الدول على تقليص حجم العاملين في كل المجالات لمنع التجمعات ومحاصرة العدوى، ثم فرضت إجراءات ما كان أحد يتصور أن يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين، من التباعد الاجتماعي، والحجر المنزلي.
واضطر الكثيرون ممن أدمنوا التجول والسهر إلى الامتثال لمطالب البقاء في المنازل ثم لم تمض سوى بضع أيام حتى برزت سلبية بقاء البعض طويلًا أسيرًا لظاهرة لم يألفها إن لم تكن غير محتملة.
لا تخلو شاشات التلفزيون من بث البرامج التي تتناول بعض الظواهر الاجتماعية التي صاحبت فترة الانعزال داخل البيوت وكانت نتيجة لها، ومنها أن امتلأت الشاشة ذات أمسية بوجه جميل لامرأة ناضجة ، ثم نسمع صوتا نسائيًا يقول "يحبني قليلًا، لا يحبني، لا يحبني البتة"، ومع كل عبارة تظهر كدمات متفرقة حمراء و زرقاء على وجهها إلى أن ينتهي منتفخًا كمثل وجه ملاكم في نهاية مباراة عنيفة، إنه واحد من الإعلانات التلفزيونية التي تبث في إطار حملة مناهضة لما يسمى "بالعنف الزوجي" والمقصود منه الضرب الذي تتعرض له النساء على أيدي شركائهن في الحياة.
وتتراوح أشكال العنف ما بين الضغوط النفسية والاعتداءات الجسدية والممارسات المهينة للمرأة، وتستند هذه الإحصائية إلى أولئك اللواتي يتقدمن بشكاوي فقط، ولا تشمل النساء اللواتي يفضلن الصمت والإذعان للأمر الواقع حفاظا على أسرهن.
وخلال فترة حظر التجول التي لم يعلم أحد كم من الوقت ستدوم، دامت معاناة النساء المعنفات والمضروبات واحتفظت ذاكرة الأطفال بصور ولقطات قوية لنساء يختبئن تحت قطع الأثاث هربا من اللطمات واللكمات، أو طالعت الأخبار متابعيها بنساء انتهى أمرهن في أدراج المشرحة بسبب ضربة من زوج ثائر أو سكير أو مدمن مخدرات.
الأخبار التلفزيونية تتوالى حاملة معها المزيد من ضحايا فيروس كورونا، لقد تجاوزوا 2 مليون مصاب والوفيات أكثر من 130 ألف والقائمة لا تزال لم تغلق.
فالخروج من المنزل والهيام في الطرقات الخاوية، أصبح لا يجدي نفعًا والبقاء في المنزل يزيد العلاقات الزوجية والأسرية سوءًا؛ إذ وجد بعض الأزواج تشجيعًا من زوجاتهم المعنفات للخروج إلى الشارع للترويح عن أنفسهم مع الأصدقاء، واكتشفوا بعدها أنه تم الإيقاع بهم ضحايا الجريمة الكاملة.
كانت الأمور من قبل تمر في صمت والعلاقات متوارية خلف قلة وجود فرص للتلاقي داخل المنزل الواحد، وبطول مدة المواجهة خلال فترة الحجر الصحي أو حظر التجول؛ برزت التناقضات تجاه توافه الشؤون، وسيطر التضارب في الرأي حول صغائر الأمور، وتعاظمت حدة الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة.
في ظل الظروف الصعبة وتهديدات فيروس كورونا التي لا تترك بيتا خاليًا من أسباب النزاع والغضب والشقاق، تشتد الحاجة إلى ذكاء المرأة التي تعرف كيف تتصرف لامتصاص غضب زوجها الذي لا يسعده أن يتوقف عن عمله اليومي وكسب رزقه، فعليها أن تحتمل ما يقوله لأنه في هذه الحالة يفرغ جزءًا من غضبه بل وعليها أن تؤيده في بعض ما يقول بأسلوب لبق وابتسامة هادئة، وعليها أن تتذكر أن الواجب الشرعي يقول: "إن المبادرة تكون من خيرهما دينا وعقلا".
على الزوجين أن تكون لهم نظرة واقعية حول الخلافات الزوجية؛ إذ أنها من الممكن أن تكون عوامل الحوار والتفاهم إذا أحسنا التعامل معها، والأسلوب الذي يتبعه الزوجان إما أن يقضي على الخلاف أو أن يضخمه ويوسع نطاقه، فلابد من ضوابط ومنها الابتعاد عن الكلمات الحادة والمسيئة والعبارات العنيفة وجرح العواطف والمساس بالمشاعر، والبعد عن التعالي، واللجوء إلى ذكر الحسنات والإيجابيات والفضائل عند بداية النقاش، مما يرقق القلب ويقرب وجهات النظر وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس.
ويعد مستوى الثقافة العاطفية أرضًا خصبة لحل معظم الخلافات الزوجية، فبقدر السعادة التي ينعم بها الزوجان في أحضان بعضهما بقدر حرصهما على الإبقاء على ما يعزز سعادتهما ببعضهما.
صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية