صبحة بغورة تكتب: للمقبلين على الزواج

أنفق المجتمع الدولي أموالًا باهظة لتنظيم وتمويل برامج التثقيف التربوي على المستوى الشعبي في أوساط الأسر والعائلات ومنها إعداد وتجهيز القوافل لنشر الوعي الاجتماعي والصحي من أجل المساهمة في جهود التحسيس بخطورة ظاهرة العنف الأسري على مصير الأطفال ومستقبل الزوجة وكيان الأسرة كلها.

العنف الأسري

وبرغم ذلك لا تزال تتصاعد الأصوات المستنكرة والمناهضة لكافة أشكال العنف الأسري وخاصة ضد المرأة هذا مع الارتفاع المتواصل في معدلات جرائم انتهاك حقوق المرأة واستمرار مكافحة ومعالجة مضاعفات قضايا تعنيفها إلى بلغت حد التعذيب والتشرد والقتل، وإذ ظلت الظاهرة قائمة ومستمرة بل وتتفاقم أكثر فقد بدا أن نزيف الأعباء يزيد دون طائل، وإهدار الجهود متواصل دون جدوى، والسنون تمر سدى دون تسجيل أهداف محددة وملموسة وقد ابتعدت النتائج عن التوقعات المرجوة..

فعلى مستوى العالم تعرضت ما بين 100 و140 مليون امرأة لتشويه أعضائهن التناسلية، وما يقارب 70 مليون فتاة تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عام وفي معظم الحالات كان الزواج بدون إرادتهن ورغما عنهن.

بقي الانشغال الكبير الذي يؤرق مضاجع المسؤولين أنه بالتأكيد هناك خطأ ما أو خلل واقع أو سوء تقدير، كان الاعتقاد السائد أن تعقيدات الحياة اليومية وضغوط العمل وهموم العيش لا تترك لدى المرء أي قدرة على احتمال رؤية أي تقصير في بيته الذي يأوي إليه ويلوذ به في آخر النهار ، ولا تدع له أي استعداد نفسي لسماع وتفهم أسباب أي مظهر من مظاهر الإهمال المنزلي، ولن يكون لديه القدر الكافي من الصبر على المعايشة مع ما يجعل منزله امتداد طبيعي لحياة الشارع المزعجة.

وإذا ما كان في مقابل هذه الحالة النفسية السيئة زوجة حمقاء فكأننا وضعنا الكبريت قرب البنزين والنتيجة اشتباك جسدي الغلبة فيه للأقوى، وهذا عنف تنفيسي عن شحنة غضب من حالة لا يطيقها أو احتجاج على وضع غير سوي ،وغالبًا لا يقع من المرة الأولى ولكن بعد تكراره أي أنه يكون مبررًا، بمعنى آخر أنه يمكن استبعاد حدوثه لو لم تكن دوافع وقوعه من أسباب وظروف متوفرة.

العنف الزوجي ضد النساء

تعزو منظمة الصحة العالمية أعمال العنف ضد النساء إلى الصراعات والنزاعات والأزمات الإنسانية التي تنتج عنها تداعيات مأساوية على الصحة العقلية والجسدية والنفسية للضحايا، وهناك اعتراف صريح وواضح بأنه لا وجود لعصا سحرية قادرة على إلغاء العنف الزوجي ضد النساء، لكن هناك أدلة بإمكانية إحداث تغييرات في الذهنية الشعبية والطبائع السلوكية لدى العامة بالإمكان تحقيقها،.

ومن هنا برزت أهمية الفحص النفسي للمقبلين على الزواج خاصة بعدما تم التأكد بأن هناك الكثير من الأمراض النفسية وراء المشاكل التي يعاني منها الأزواج والتي للأسف تلعب دورًا مهمًا في تحديد استمرارية الزواج من عدمه، وبعض هذه الأمراض النفسية يصعب ملاحظتها من أول وهلة أو معرفتها خلال وقت قصير بعد الزواج ذلك لأن أصحابها قد يتصرفون بصورة طبيعية ويحرصون أن يكونوا في حالة عادية وهو ما دفع المختصين في الطب النفسي والعلاقات الأسرية إلى المطالبة بإجراء الفحص النفسي قبل الزواج والذي لا يقل أهمية عن الفصح الطبي البدني وهذا من منطلق أن التوازن النفسي للشريكين مهم لاستمرار حياتهما الزوجية في كنف الهدوء والأمان والاستقرار.

المشاكل الأسرية

ذلك أن أغلب المشاكل الأسرية وحالات الطلاق التي تقع كان السبب الرئيسي فيها الأمراض النفسية التي يعاني منها أحد الزوجين ولم يتم الكشف عنها قبل الزواج ، وبعض العائلات العريقة تخص هذه المسألة مبكرا بأقصى درجات الاهتمام وتكون محل ملاحظتهم الدائمة وتدقيقهم الدوري من أجل سعادة أبنائهم، وهو شعور ذاتي بالالتزام بمراعاة الصحة النفسية والسلامة العصبية يحظى بنفس القدر من الاهتمام بالصحة البدنية، وأظهرت بعض الحالات عدة اكتشافات مبكرة لأمراض كان يعاني منها أحد الزوجين وتمت معالجتها، وبعض ممن خضعوا للعلاج كان يحذوهم شعور جاد بالمسؤولية بأن الفحص النفسي من شأنه أن يحد كثيرا من الخلافات الزوجية ويقي الأسرة من شر التفكك وبأن معظم الأمراض النفسية يمكن معالجتها من قبل أطباء مختصين ، وهو في حقيقته سلوك ينم عن وعي اجتماعي ونضج إنساني.

لاشك أن نشر الوعي بأهمية إجراء الفحص النفسي ليس بالسهولة التي تجعل مثل هذا الفحص سلوكًا أصيلًا خاصة في المجتمعات البدوية والريفية والصحراوية، حيث يثور اعتقاد خاطئ بأن من يجريه مجنون أو به مس.. وينظر إليه نظرة دونية ويتجنبه الكثيرون لذلك لا يعيرون أمر الفحص النفسي أي اهتمام وينفرون منه بالرغم من اعترافهم أن مزاجهم الحاد وخشونة الطباع تجعل أحدهم ضحية للعنف بسبب حالة نفسية عابرة أو مزمنة.

المرض النفسي

وانطلاقًا من أن المرضى النفسانيين في أي مجتمع يمثلون نسبة قد تصل إلى 20% وهي نسبة عالية بكل المقاييس الصحية نتيجة عوامل كثيرة منها التربية الخاطئة التي لا تضع حدودًا للتدخلات الزائدة ولا تراعي الحساسية الواجبة تجاه الخصوصيات، بالإضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية والتفكك الأسري وغياب الوازع الديني، فقد تعالت دعوات المختصين إلى ضرورة إجراء الفحص النفسي قبل الزواج كأنسب حل للحد من ظاهرة العنف الأسري.

ومثل هذه الدعوة آخذة بالتطور نحو ضرورة إلزام الفحص للمقبلين على الزواج إلزامًا قانونيًا بمعنى أن يكون شهادة السلامة النفسية ضمن وثائق عقد القران، ويقتضي ذلك التوسع في فتح العيادات المتخصصة في الإرشاد النفسي ومعالجة المشاكل المحدودة الناتجة عن سوء فهم أو عدم تقدير أحد الطرفين للآخر بسبب غياب التواصل بينهما أو لضعف التمتع بمهارات الحوار الصريح.

والطابع الإلزامي هنا نجد مبرر فرضه في نتائج الدراسات والبحوث في علم الاجتماع التي تؤكد أن أشكال العنف الموجه ضد الأبناء أو الزوجة ترجع في الغالب إلى ترسبات عميقة ناتجة عن التعرض لتعنيف وقسوة في سن الطفولة المبكرة وتراكمت إلى ذلك الحد الخطير أي عندما أصبحت عاملًا مشكلًا للشخصية ومحددًا للتصرفات وعنصرًا موجهًا للسلوك، وإذا كان الشعور بالالتزام تجاه هذه المسألة وعيًا حضاريًا راقيًا ، فإن التقيد بما بفرضه الإلزام هو في حد ذاته واجب على كل فرد لأنه في نفس الوقت حق للشريك.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية.