صبحة بغورة تكتب: المُعلَّقات.. والخلافات الزوجية

عندما يخضع التعامل مع الخلافات بين الزوجين لمزاج الرجل، أو لطبيعة حالته النفسية، تكون الموروثات الاجتماعية هي المحدد لما تؤول إليه العلاقة الزوجية.

وفي كل الأحوال، عندما يتعثر طريق الحياة بين الزوجين، يكون الحل المتاح هو الطلاق، وبما أن العصمة بيد الرجل وإليه يعود شرعًا حق الفصل، فإنه قد يمارسه بتعسف؛ لتبرز لنا مشكلة أخرى بواقع أكثر مرارة، وتكون البداية لحالة اجتماعية معقدة.

إنَّ عدم وجود آلية عرفية جادة، أو قانونية ملزمة لأي زوجين يواجهان المشاكل، تسهل التواصل المباشر الهادف بينهما، أو تفتح حوارًا ناضجًا في إطار الجلسات الأسرية، أو تُدخِل أطرافًا أخرى موثوقة لحل المسائل الخلافية بنية حسنة؛ هو السبب في بقاء الحالة الزوجية مجمدة.

ومع صعوبة تحديد طبيعة المشكلة التي يرويها كل طرف بشكل مختلف عن الآخر، لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على الزوجين أو التوجه باللائمة إلى الزوجة، إنها مأساة ينتج عنها بقاء الزوجات في بيوتهن ضحايا الهجران الجسدي، مُعلَّقات، لا هُنَّ زوجات، ولا هُنَّ مطلقات.

وكثيرُ من النساء المعلقات يرفضن الخوض في هذا الحديث مع أحد؛ خشية الطمع فيهن، بينما يبدو الأمر أقل أثرًا عند اتفاق الزوجين على الانفصال حال وجود أطفال؛ إذ لا يترك ذلك آثارًا سلبية، ويظل الزوجان مرتاحين؛ حتى لو تزوج الرجل امرأة أخرى؛ إذ يظل لكل منهما دوره أمام الأبناء في التربية والإنفاق، فتقبل المرأة التحدي، والقيام بكل مهامها وحيدة منفصلة، بدلًا من أن تصبح مطلقة، فالزوجان لا يقبلان استمرار العيش معًا، كما أنَّ المرأة لا تريد زوجًا آخر فتظل زوجة، ولكن منفصلة عن زوجها.

بينما في حالة عدم اتفاقهما؛ بمعنى رغبة أحدهما في الانفصال وطلب الطلاق، يظهر الأثر السلبي على الأبناء في تصرفاتهم وسلوكهم الدراسي؛ لذا ندرك أنَّ الانفصال بالاتفاق أفضل من الطلاق بالنسبة للأسرة والمجتمع.

وتؤكد أخصائيات في مجال المعالجة النفسية أنه قد لا نستطيع اعتبار المُعلَّقات ظاهرة اجتماعية؛ لعدم وجود إحصائيات في هذا المقام، ولكنها موجودة مثلها مثل الزواج والطلاق، فالمرأة الغاضبة لا تطلب من زوجها الطلاق ولا تعيره بالًا، وتترك للزوج الحرية في الزواج بأخرى أو عدم الزواج، ولكن يظل الأبناء في حضانتها؛ إذ لا ترغب في زواج ثانٍ، ولكنها تكره كلمة مُطلَّقة، كما أنَّ كلمة مُعلَّقة أفضل من مُطلَّقة؛ إذ قد يردها الزوج بعد مدة.

وتؤكد بعض الدراسات أن المرأة التي يهجرها زوجها، قد تصاب بالاكتئاب، والتوتر، والنسيان، والمخاوف المرضية، وارتفاع ضغط الدم، وأعراض سيكوـ سوماتية في شكل اضطرابات معوية وتنفسية.

ويؤثر غياب الأب بشكل مباشر وكبير على الأطفال؛ إذ يقل -بمقدار ملحوظ- حجم إنفاقه عليهم، وتقل سرعة تجاوبه مع أعباء الأسرة؛ ما قد يؤدي إلى التفكك الأسري.

وتفقد المرأة- في حالة الانفصال أو الطلاق النفسي- الرابط والهدف بينها وبين الزوج، وتفقد معه الآمال والأحاسيس والتواصل، الذي يؤدي إلى مزيد من التباعد العاطفي والحياتي؛ فالمرأة- كزوجة في بيت زوجها- تختلف عنها حين تكون وحدها؛ إذ تفتقد رفيقها، سواء كزوج أو كأب للأولاد، أو كرب أسرة يتحمل المصاريف، ويتكفل بأعباء الحياة.

تعترف إحدى المُعلَّقات بأن سبب تعليقها لمدة ثلاث سنوات بعد مرور عام واحد من الزواج، أن الزوج ابن عمها؛ لذا يرفض تطليقها حتى لا تتزوج غيره؛ أما هي فلم تعد تطيق العيش معه بسبب تصرفاته غير اللائقة أخلاقيًا، فاتفقا على أن تبقى في عصمته، على أن تعيش عند أهلها، ودون اتصال بينهما.

وتؤكد أنها راضية بتحمل قسوة هذا الوضع، مقارنةً بالمعيشة معه، إلا أنَّ المشكلة تكمن في نظرة المجتمع إليها، كما فشلت محاولات توسط الأقارب لتطليقها، فبقيت بدون مصدر مالي يؤمِّن احتياجاتها؛ ما يُعد أصعب وضع تواجهه المُعلَّقة حين يتردى وضعها المالي، وتعجز عن تحمل أعباء نفقتها الخاصة، خاصةً أن الفتاة بعد زواجها من الصعب عليها أن تطلب مالًا من أهلها ككما كانت في السابق؛ إذ تشعر بأنهم غير مسؤولين عن تحمل أعباء نفقتها.

لذلك، يجب البحث عن آلية تضمن اعتراف المجتمع بالمُعلَّقات من باب إنساني؛ إذ لا تزال نظرة المجتمع ظالمة بأن النساء هن المتسببات في العديد من جرائم الانحراف الأخلاقي، وأن المُعلَّقات يحتاجن إلى من يُخرجهُن من الحالة النفسية التي يعشنها من انعدام الثقة بالنفس، والتخوف من المستقبل، والحساسية من نظرة المجتمع، والشعور بالظلم، ومسؤوليتها عن تربية الأبناء، فضلًا عن عدم قدرتها على الشعور بالحرية الذاتية.

وفي ظل مثل هذه المفاهيم البالية، لاتستطيع المرأة استكمال مسيرة حياتها مع هذا الزوج من جهة، وتبقى أسيرة عقول متخلفة لا تستوعب حق المرأة في طلب الطلاق من جهة أخرى.

والمشكلة الكبرى أنَّ الكثيرات يكتفين بالصمت، ويفضلن الرضا بأوضاعهن عن اللجوء للحلول القضائية؛ تجنبًا للفضائح، والنتيجة أن يعشن وحيدات فيما بقي لهن من العمر رهن الفقر، والعجز، والمرض.

ويكمن جوهر المسألة في سببها الرئيس؛ وهو ضعف الوازع الديني بعدم تطبيق قوله تعالى:" وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (النساء- (129، ونقص الوعي الاجتماعي، وغياب الرادع الأخلاقي، علاوة على المفاهيم التي تشكِّل الأفكار وتوجِّه السلوك كمفهوم الوصول إلى حدود عدم الرغبة في الارتباط، والاعتقاد بأن الزوجة هي دائمًا المتسببة في وضعها كمُعلَّقة، ونظرات الاتهام بأنها عرضة للانحراف الأخلاقي ومطمع للنفوس؛ لافتقارها إلى الدفء العاطفي والأمن المادي.

وتبقى المُعلَّقة رهينة إرادة زوجها المنفصل عنها، إن شاء ردها، وإن شاء طلقها في وقت يختاره هو، حين لا تجد لها وليًا ولا نصيرًا. وبين الأمرين قد تبقى مُعلَّقة تعيش على هامش حياة المجتمع، وقد انكسر تمسكها بالحياة، أو تخضع لمساومات زوجها مقابل تطليقها.

لذلك فرضت مسألة الخلع نفسها كسبيل للمُعلَّقة؛ لشراء حريتها، ولكن في مقابل تنازلها عن حقوقها المادية والمعنوية تجاه زوجها، وهو مقابل تراه الكثيرات زهيدًا كثمن لحريتهن.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: أنوثة حواء في عيون آدم