صبحة بغورة تكتب: الغيـرة.. عاطفة بهدير عاصفة

الغيرة؛ هي غريزة فطرها الله تعالى في كل نفس، وهي تعبير عن الوجه الآخر من الحب فهي نبضه لذلك نعتبرها عاطفة.

وبالمزيد من الثقافة والوعي يمكن التحكم فيها وتهذيبها لبناء الثقة وتحويلها من شعور سلبي محبط إلى شعور إيجابي محفز، وهي محببة لدى المرأة طالما لم تبتعد عن الحب الحقيقي ولم تخرج عن إطار مفهوم توفير الحماية الأسرية وتأمين التحصين المنزلي، ولم تنحرف عن معنى القوامة الصحيحة.

ليس بين الغيرة وحب التملك إلا خيط رفيع، وهي مطلوبة في الحياة الزوجية بالقدر الذي يدل على حرص الزوجين على إظهار تأكيد تمسكهما باستمرار علاقتهما الزوجية وبقائها في إطارها الرومانسي، الذي يزيد العلاقة الزوجية قوة ومتانة ودفء وانتعاش وحيوية.

ولكن في كثير من الحالات، تهيمن الغيرة على صاحبها إلى حد التوجس الدائم، وسيطرة السلوكيات العدوانية على نفسه بدون سبب واضح، ومنها التجسس وعدم الثقة والأنانية والميل إلى الاستفزاز اللفظي والتعدي الجسدي.

وغلبت مثل هذه المشاعر غير السوية على العلاقات بين الزوجين؛ تصيب يوميات حياتهما معا بالإزعاج جراء القلق الدائم والتوتر المستمر ثم الدمار.

ويحدث أن لا يكون هناك أي مبرر لنشوء هذه المشاعر السلبية سوى الغيرة السوداء التي تعمي بصيرة صاحبها عن الصواب وتشغله عن حسن الظن، وتمنعه من أن يصغي لصوت الحق أو يحاول حتى أن يسترق السمع لصدى الحقيقة، مهما يصدع في الفضاء والأركان.

الغيرة عند الرجل طبيعية ومطلوبة، والذي لا يغار على محارمه وزوجته لابد أن يراجع نفسه ويقوي عقيدته.

أما غيرة الرجل غير الطبيعية فهي الناتجة عن عدم الثقة الذي يدفع إلى القيام ببعض التصرفات الفضولية غير اللائقة التي تتعدى حدود المعقول للتحقق من أمر ما، أو لمعرفة خفايا الشريك على نحو يمثل تعديا سيئا على حرية وخصوصية؛ فيصبح أمام سلوكٍ شاذ وغير مقبول ومنفر اجتماعيا.

ويمكن أن يفقد أحد الطرفين احترامه تجاه الآخر، وبفقدان الاحترام بين الزوجين يفتح أول باب نحو الانفصال ثم الطلاق.

فليس للزوجة مثلا البحث وراء خصوصيات زوجها، والادعاء بحقها في معرفة طبيعة علاقاته ونوعيتها بالعبث في أوراقه وهاتفه للاطلاع على ما يمكن أن تعتبره من الخفايا العاطفية، فتقع عيناها على ما يمثل معلومات هامة وأسرار خاصة بحسب طبيعة وظيفته.. إنها حالة شعورية بعدم ثقة عميقة، تضع أحد الطرفين ضحية نيران غيرته في بؤرة معاناته أمام آلام شكه وحمى فضوله..

إنها غيرة مفرطة، عمياء لا تحتكم لضمير حي أو عقلٍ راجح، تدفع صاحبها إلى الحسد والحقد، وهي مؤذية للمشاعر ومدمرة لأواصر المودة المحبة والرحمة بين الشريكين وتقود علاقتهما الزوجية رويدا نحو التدهور ثم نحو الانهيار، ومثل هذه الغيرة تتحول من دليل حب إلى مشروع هدم.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرا أيضًا: صبحة بغورة تكتب: مبدعات سعوديات عِشن للفن