صبحة بغورة تكتب: اقتناء لباس العيد.. عادة وثقافة وسلوك

لم تكد تمر الأزمة الصحية لوباء كورونا التي جمدت نشاط المجتمعات حتى حلت على البشرية مصائب تداعيات العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وتأثيرها السلبي في حركة التجارة العالمية واستقرار الأسواق، ويستمر احتقان هذا الاضطراب مع حلول شهر رمضان والاستعداد لاستقبال عيد الفطر، والحال قلص الحركة التجارية في المحلات .

استبقت معظم العائلات التحضيرات لعيد الفطر هذا العام قبل حلول شهر رمضان، الأسعار غالية ولم تعد السلع الغذائية وغير الغذائية في متناول الجميع، وكذلك راجت ظاهرة البيع الالكتروني، وشجّع على بداية ذلك النوع من السلوك في التسوق حرص الكثيرين على تجنب المرور في زحام الأسواق أثناء الصيام.

وقد ينظر للأمر من زاوية الرغبة في عدم خلط مصاريف رمضان مع مشتريات العيد، واللهفة في اقتناء أفضل الملابس بأنسب الأسعار قبل غلائها، فالاعتقاد الراسخ لدى المواطنين بأن الملابس من الصنف الأول ذات النوعية الجيدة تكون متوفرة قبل حلول شهر رمضان، ثم سرعان ما تنقضي من الأسواق في فترة قصيرة ولا تبقى سوى ملابس من الصنف الثاني والثالث، لذلك فبدأت حملة الشراء مبكرة.

شاءت إرادة الله سبحانه العلي القدير أن يكون لاعتدال درجات الحرارة دورًا كبيرًا في عرض التجار لمنتجاتهم التي تميزت هذا العام بالوفرة والجودة والتنوع والحمد لله؛ فلاحت فرصة الاجتهاد للكثير من العائلات لتقدير ميزانياتها للعيد ثم التفرغ بعد ذلك لمواجهة مصاريف الشهر الفضيل.

عادة كسوة الأبناء في عيد الفطر سلوك أصيل في المجتمعات العربية والإسلامية ويكاد يرافق صنع كعك العيد والحلويات بشكل أكثر تفضيلا، ويمكن لكل متجول في مختلف محلات بيع ملابس الأطفال وفي المساحات التجارية الكبرى أن يقف على حقيقة الطلب الكبير على شراء الملابس مبكرا، إنها حركة غير عادية للنسوة والأطفال وحتى في أوساط الشباب المراهق تلك التي تعرفها الفضاءات التجارية خاصة بالأحياء الشعبية المكتظة؛ فالتزاحم حول الأجنحة الخاصة بملابس الأطفال ليس في موعده، كان المنتظر لدى التجار أن يكون الإقبال أكثر على الأواني المنزلية ولوازم صنع الحلويات.

لذا، فالكثيرات يؤكدن دون حرج أن شراء ملابس العيد للأطفال لم يعد له نكهة كالسابق حيث كانت العائلات تترصد اقتراب عيد الفطر لاختيار ما يناسب أطفالهم في أجواء مفعمة بالفرح، على خلاف اليوم. إذ أصبحت تشتري الملابس قبل حلول شهر رمضان بسبب الخوف من ارتفاع الأسعار الذي تحول إلى سلوك سلبي عند التجار لتعظيم أرباحهم، فالبحث عما يمكن أن يناسب الأطفال ذكورا وإناثا والخوف من احتمالات ارتفاع الأسعار قد أصاب الكثيرات باللهفة ومعها ضاع الشعور بفرحة الحدث قبل أوانه بكثير، ولم يقاوم الآباء النوعية الجيدة للملابس وتصاميمها المميزة واضطروا إلى شرائها بمبالغ باهظة. فيما اضطر المواطنون محدودو الدخل إلى شراء الملابس المتواضعة وبأسعار كبيرة أيضا ليست في متناول الجميع خاصة مع التخبط المستمر مع الغلاء الفاحش في المعيشة اليومية في كل المجتمعات المتأثرة بالظروف الدولية الصعبة والذي شمل كل السلع، ولكنها عادة التفاخر المقيتة وسلوك التباهي القميء على الغير الذي جعل الكثيرين يلجأون للاستدانة من أجل رسم البهجة على وجوه الأبناء، ويبدو أن الكبار أيضا يواجهون نفس المشكلة حيث تنفد الملابس ذات الجودة والخيارات في الألوان والمقاسات المناسبة بسرعة وأصبحت القناعة السائدة هي سرعة اقتناء الملابس وليس انتظار آخر أيام رمضان كما كان من قبل؛ إذ لا تبق سوى الموديلات القديمة التي لا تليق بالكثيرات وبأسعار غير مناسبة، فلا سبيل للكثير من الأمهات للتأجيل حتى أصبح أقصى أجل للتسوق وشراء ملابس العيد هو شهر شعبان!! فاصبح هذا الشهر بدوره يشهد ازدحاما كبيرا ويعرف إقبالا على الأسواق والمحلات

الملابس الجديدة هي فرحة العيد لدى الصغار في المجتمعات الإسلامية وهي مرتبطة عندهم دائما بالأعياد، فمنذ طفولتهم ينتظرون صباح العيد بشوق كبير لارتداء ملابسهم والخروج مع أسرهم لزيارة العائلة الكبيرة والتجول بالمتنزهات، ولا سبيل للتملص من هذه العادة الراسخة حتى ولو كان على حساب تقليص حجم كعك العيد والحلويات والمخبوزات.

وقد حرص المسلمون على ارتداء أفضل الثياب في الأعياد والمواسم تأسيا بسنة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولأنه أحد أشكال تعظيم شعائر الله عز وجل والاحتفال بالأعياد الدينية.

ويعتبر أولياء الأسر أن اقتناء مستلزمات العيد أصبح عبئا ثقيلا أكبر من الاستعداد لمواجهة مصاريف الشهر الفضيل، والقاسم المشترك هو خشيتهم من تآكل مدخراتهم في نهاية الشهر وأن تتراكم عليهم المصاريف بشكل يقضي على ميزانية البيت حيث من المستحيل على أكثرهم ترشيد النفقات خلال شهر الصيام؛ لذلك فغالبا ما يقضي معظمهم شهر رمضان مهموما غير مرتاح بسبب كثرة التفكير في هم شراء ملابس العيد؛ والنتيجة أن لجأ بعضهم إلى شراء ملابس العيد لأطفالهم قبل حلول شهر شعبان!! ولم يشعروا بعدها بالعبء لأنهم تخلصوا من الذي كان يثقل كاهلهم وتفرغوا لأمور أخرى وعليه لم يعد حلول عيد الفطر موعدا يتطلب منهم شيئا، ويبدو أنه تدبير فعّال توصلت إليه بعض الأسر ولكن المشكلة أن ما تم اقتناءه بالأمس قد لا يروق بعض الأطفال والشباب لأن الموضة تتغير سريعا فتصبح الملابس في حالة تجاوزتها الأيام في غمضة عين، وحينها ستشتد الخلافات بين الأبناء والآباء خاصة إذا بدأت الحملات الإعلانية الواسعة للمحلات التجارية في الترويج لسلعها الجديدة والتشكيلات العريضة من الموديلات الحديثة لملابس العيد التي وردت إليها، تعرضها للمواطنين بكل سبل الترغيب والإبهار والإغراء الممكنة وتتنافس في ذلك تجاريا فيما بينها في فن ومهارات استنزاف جيوب المواطنين.

والأكيد في الأمر أن الكثير من أرباب الأسر لا يتحكمون هم أيضا في زمام الميزانية والصرف وفي تقدير النفقات خلال شهر رمضان؛ فيقبلون على شراء المواد الغذائية بعيونهم، بلهفتهم، ونهمهم وكأنه وحم الصائمين، وعيد فطر مبارك وسعيد.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: صحة المرأة الحامل في رمضان .