ذكاء السرد في رواية «سؤال عينيها»

ربما يكون الملمح الرئيس في رواية «سؤال عينيها» لـ «إدواردو ساشيري» هو ذكاء السرد، واستمرار الكاتب في إدهاشك حتى النفس الأخير، وقدرته على إدارة خيوطه السردية ببراعة منقطعة النظير.

وبعدما قطعت شوطًا في القراءة، تمكنت من تخمين أفكار هذا الرجل، والكيفية التي يحاول بها إدارة دفة عمله، إلا أنه لم يكف عن دهشتنا حتى آخر حرف في تحفته الفنية.

علاوة على ذلك، فإنك تجد هذه الرواية، على الرغم من عمقها النفسي والفلسفي، بعيدة تمامًا عن التكلف اللغوي والفرقعات اللفظية، فهي رواية بسيطة بالمعنى العميق للبساطة، فكل بسيط عميق.

تبدأ الحكاية بحفل يقام على شرف لقاء الراوي «تشابرو» بمناسبة تقاعده من العمل في المحكمة، ولقاءه مع «موراليس» ذاك الزوج المكلوم، الذي قُتلت زوجته على يد «جومث» الذي كان يعشقها لكنها واجهت عشقه بالرفض.

انظر إلى «ساشيري» وهو يتحدث عن سوداوية هذا الزوج المكلوم:

«لأنه كان يشعر أن الحياة مع ليليانا كانت سعادة مفرطة، لا تشبه ما عاشه بقية حياته في أي شيء. وبما أن الكون يميل للتوازن، إن عاجلًا أو آجلًا، لا بد له أن يفقدها؛ لكي تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، كل ذكرى من ذكرياته معها كانت مصحوبة بذاك الشعور بالغرق الوشيك، بكارثة تدق الأبواب».

أو حين يصفه وقد جُرح قلبه جرحًا لا يندمل:

«أدركت أن أي حقيقة لا يمكنها أن تؤذي ذلك الرجل؛ ببساطة لأنه لم يعد هناك أي جزء سليم في روحه يمكن أن ينكسر». بعد ذلك يحدث تداخل تام بين حياة الراوي تشابرو وهذين الرجلين، هي حكاية عن موراليس وزوجته المقتولة، وعن جومث القاتل، وعن تشابرو ذاته وحبه الصامت لـ «إيريني»، تلك التي لم يجب عن «سؤال عينيها» إلا في نهاية الرواية، وكأنه يقول، في محاولة لقلب دفة السرد رأسًا على عقب، إن هذه الرواية رواية رومانسية! تلك سخرية بالطبع، فليس في الرواية من الرومانسية _ بالمعنى المبتذل_ شيء على الإطلاق.

اقرأ أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: الأفلام الغنائية ودورها في إثراء وازدهار السينما