حوار| مدربة الولادة الطبيعية رنا صعيدي: الـ Doula هي الأم الروحيَّة للمرأة الحامل

"الدولا" علم متكامل.. وممارسة روحانية وعقلية وجسدية

الحالة النفسية المستقرة أهم أسباب الولادة الناجحة 

أقول لكل امرأة حامل: اهتمي بصحتك وثقفي نفسك واسترخي

جدة: هند حجازي

ما إن تفكِّر المرأة في الحمل؛ تبدأ الدخول في حالة من التوتر والقلق حتَّى يحين وقت الولادة، والتي قد تصل للهلع والخوف.

ويكون ذلك بسبب التغيُّرات الفسيولوجيَّة التي تحدث خلال تلك الفترة، والاستماع لبعض الأقاويل والمعتقدات الخاطئة، وكلَّما اقترب موعد ولادتها، تزيد الأفكار السلبيَّة عن الولادة الطبيعيَّة.

مدربة الولادة الطبيعية الدولا رنا صعيدي

وتلجأ الكثير من السيدات للولادة القيصريَّة؛ لإحساسهنَّ بأنَّها أكثر سهولة؛ ولا يشعرن بالألم أثنائها، ويحرمن أنفسهنَّ من متعة الإحساس الرائع بأنهن سبب من أسباب إخراج "روح" للدنيا؛ فينسين كل المتاعب والآلام.

ولأن المرأة السعوديَّة أصبحت رائدة، وتبحث عن التميز في كل مجال، التقت "الجوهرة" مدربة الولادة الطبيعية "الدولا" رنا صعيدي؛ التي تخصصت في العناية بنفسيَّة المرأة الحامل، ومساعدتها لخوض تجربة الولادة بسهولة ويُسر، فهي تكون بجانب الأم طوال فترة الولادة حتى استقبال الجنين، وتكون الأم الروحيَّة لها في غرفة الولادة.

ولمعرفة المزيد عن علم الـ "Doula" وعن رنا صعيدي؛ كان معها هذا الحوار:    

 بداية من هي الدولا رنا صعيدي؟

رنا عبد المجيد صعيدي، تخصص علم اجتماع من جامعة الملك عبد العزيز، أم لأربعة أطفال. التحقتُ بدورات عديدة لتطوير ذاتي، وعملتُ في مجالات مختلفة، ثمَّ توجهتُ للعمل الحر كمدربة في اليوجا عام 2011، بعد أن حصلت على شهادة من دبي، ثمَّ قررتُ السفر لكندا؛ لتحقيق شغفي بالاهتمام بالمرأة خلال فترة الحمل والولادة، بدراسة علم الـ "Doula" من منظمةDoula Canada Organization، ثم تخصصتُ في يوجا الحوامل، ومارستُ المهنتين في كندا لدعم السيدات في المنزل أو المستشفى، وفي مستشفى تورنتو كندا "St.michaeis Hospital".

 ما هي مهنة الدولا؟ وما أصلها ومنشؤها؟

"الدولا" لفظ إغريقي الأصل، ولا يوجد تعريف واضح لكلمة دولا، غير وصف عمل الدولا، وهو: "المدربة المساعدة في الولادة الطبيعيَّة"، فهي متعلمة، وممارسة، ومدربة على تقنيات لجعل الولادة سهلة، وذكرى جميلة بعيدًا عن الذكريات غير المرغوب فيها. وأول منظمة للدولا أُنشئت في أمريكا الشمالية، وتوسعت دائرة هذا العلم، وأصبحت هناك الكثير من المنظمات العالمية.

ما الفرق بين الدولا والداية والقابلة (Midwife)؟

في العصر الحديث تعدَّدت التخصصات، وأصبح مفهوم كل تخصص غير واضح.

والدولا: هي شهادة من منظمة متخصصة في ذلك العلم تعادل دبلومًا، وهي علم يخدم المرأة نفسيًّا وفيزيائيًّا وذهنيًّا بطرق وتمارين بتقنيات حديثة وقديمة لارتخاء العضلات، وتنشيط الدورة الدمويَّة، والتأمل، وليس لها أي صلة بالمجال الطبي.

والتمريض: هي شهادة تعادل دبلوم رعاية صحة ودراسة طبية.

القابلة أو المدوايف: هي دراسة طبيَّة وليست خبرة، أو وراثة مهنية، والمدوايف يملكن سنوات من الخبرة في التمريض، وتختلف عن الطبيب، وهي لا تستطيع أداء مهمة الطبيب؛ من إجراء عمليَّات جراحية ووصفات طبيَّة وغيرها.

هل يطغى دور الـ Doula على دور الطبيب المختص؟

مهمة الدولا مكملة لفريق عمل متكامل، وهي رغبة ذاتية من الأم الحامل للدعم المستمر في مراحل الولادة الأخيرة، فالدولا تكرِّس جهودها لمساعدة الأم في الاسترخاء والتركيز للتواصل مع الجنين، لكن ليس من مهامها اتخاذ أي قرار نيابة عن الأسرة أو الطبيب المعالج ولا تُغني عنه.

ما سبب اتجاهك لهذا التخصص؟

خبرة شخصيَّة غير موفقة، أدَّت إلى الاهتمام والبحث عن أسئلة حول حملي وولادتي القيصريَّة، لم أجد لها إجابات شافية.. كيف؟ ولماذا؟ ما البديل؟ وفضول حول التغيُّرات الجسديَّة والنفسيَّة التي تصاحب كل مرحلة.

أنا مؤمنة بأنَّ المرأة لم تُخلق لتعذب أو تشعر بالألم أثناء الولادة، وهناك حلقة مفقودة في سلسلة الولادة، وبدأت معرفتي بمهنة الدولا منذ 7 سنوات عن طريق حصص اليوجا، والبحث والقراءة والاتصال بالمنظمات الخاصَّة بها.

هل هذا العلم متخصص بنفسيَّة المرأة الحامل فقط؟

إنَّه علم متكامل، فجلسات التأمل وممارستها أثناء الحمل والولادة، تعيد توازن الهرمونات ونسبة إفرازها؛ مَّا يجعل الأم أقدر على التعامل مع لحظات الوضع، وتحظى بالهدوء والطمأنينة.

فهو ممارسة روحانية وعقليَّة وجسديَّة، وليس علمًا أو تخصصًا نفسيًّا بذاته، فـ "الدولا" تلاحظ ما لا يلاحظه الآخرون، وتوجه المريضة للجهات المختصَّة.

ما الأثر الإيجابي الذي تحدثه الدولا في نفسيَّة الحامل وبعد الولادة؟

الدولا تهيئ الأم نفسيًّا وجسديًّا للدخول هي وجنينها في وضع الولادة، وهذا من أساسيَّات عملها؛ حيث تتولى تنشيط الجانب النفسي والجسدي لتحفيز الهرمونات المسؤولة عن عمليَّة الولادة التي تلعب دورًا مهمًا لمرور الطفل عبر قناة الولادة، وتعزز الرضاعة الطبيعيَّة بعد الولادة مباشرة.

وكذلك، لها دور أثناء الولادة؛ من إعطاء الأم مساحة للتواصل مع الجنين، وإضافة لمسات تساعد الأم في الاسترخاء والهدوء، ودعم أفراد الأسرة.

"الدولا" بمثابة الأم الروحيَّة، ترفع سقف التوقعات بولادة سهلة ومريحة، وتعيد برمجة المخ بطرق تنفس مختلفة، وتقدم التمارين الرياضيَّة الخاصة لتقوية العضلات؛ لذا فهي تلعب أدوارًا مختلفة تشمل كل احتياجات المرأة.

وأثبتت الدراسات بمنهج: (Labour and birth doula traning canadi)، أن نسبة الراضيات عن ولادتهن مع الدولا بلغت 82.5%.

[caption id="attachment_74898" align="aligncenter" width="997"] بعض الأدوات التي تساعد على الراحة والتخفيف من الثقل والضغط على اسفل الظهر للمرأة الحامل وتعطي الحوض مساحة للتمدد مما يساعد الجنين لاخذ وضع الولاده بشكل اسرع واسهل[/caption]

ما الوقت المناسب للحامل للذهاب للدولا؟ ومتى يبدأ تدخلها في عمليَّة الولادة؟

هذه المهنة لا يُحدد فيها وقت معين، بل على حسب رغبة الأم ومتى تكون مستعدة للالتزام بتقنيات الدولا، ورغبتها في الإنصات، ودعم نفسها وجنينها، فمثلًا هناك مَن ترغب في الدعم المستمر من بداية الحمل، وهناك من تكتفي بلحظة الولادة فقط.

ويُفضَّل التدخل -حسب خبراتي السابقة- من بعد شهور الوحم، ويستمر الدعم -حسب الرغبة- إلى ما بعد الولادة، أو إلى أن تكتفي الأم، فهو عمل جماعي.

 ما هي المساعدات والخدمات التي تقدمها الدولا؟

هناك اتفاق على الخدمات التي تقدمها "الدولا" للمرأة الحامل، بتقديم المقالات والمعلومات أثناء الحمل، والتي تفيد في الوعي بأهميَّة الولادة والرضاعة الطبيعية والعلاقة بالزوج.

وتقديم اقتراح الجهات المتخصصة في التغذية الصحيَّة، وتوجيه الزوجين بالتواصل الروحي، والعلاقة الزوجية. وهناك خدمات أخرى مثل اليوجا، أو عمل المساج للأم أو الطفل.

هناك كثير من المعتقدات الصحيحة وبالعكس توجد أخطاء شائعة تضر بالأم والجنين.. ما تعليقكِ؟

من المعتقدات الصحيحة: أخذ وضعيَّة القرفصاء يسهِّل نزول الجنين للحوض.. فتلك الوضعية مريحة للأم، وتساعد في تمدد الحوض وتسهل للجنين المرور بطريقة أنجح للولادة، وهناك وضعيَّات أخرى كثيرة؛ منها وضعيَّة (Squat)، وضعيَّة الطفل (Child poses)، الجلوس على الكرة (Birth ball).

أما حول القول بأخذ بعض الأعشاب والمشروبات لتسريع الطلق، فلا أنصح بها، ولا أعلم عن وجود مشروب يسرِّع عمليَّة الطلق! وما أعلمه عن المشروبات والأعشاب التي تساعد في الاسترخاء، والدخول في النوم، أو تقليل الانتفاخات والأوجاع، قد يكون ضارًّا بالأم والجنين، فمن الأفضل استشارة الطبيب المختص.

وبالنسبة لموضوع تحديد نوعية الجنين، فأنا أميل للجانب الطبي، والتقنيات الحديثة، التي أثبتت مصداقيتها.

هل التفكير السلبي والعامل النفسي يسببان صعوبة في الولادة؟

من أهم أسباب الولادة الناجحة الحالة النفسيَّة المستقرة، وتحسين العلاقة الزوجيَّة، والتفكير والتخيُّل الإيجابي، فالمرأة تمر بتغيُّرات كثيرة ومختلفة، وتلك العوامل تركِّز على الجانب النفسي في مرحلة الحمل بأكملها، ومن أهم واجبات أو خدمات الدولا تقديم الدعم النفسي، لتعزيز هذا الجانب، فكلَّما وجهنا تفكير الأم إيجابيًّا، زادت احتمالية الولادة الطبيعيَّة.

ما التوجيهات التي تقدمينها للأم وتوعيتها بالأنشطة الرياضية المناسبة لها؟

-متابعة حالتها الصحيَّة، ومعرفة تطوُّرات حملها من قِبل الطبيب،

وتعليمها تقنيات التنفس لرفع مستوى هرمونات الولادة والاسترخاء،

ومساعدتها في مراحل الرضاعة الأولى، ووضعيَّات الرضاعة الصحيحة، وأخيرًا دعمها لتخطي مرحلة ما بعد الولادة، بعيدًا عن حالات الإنهاك.

ما الخطة التي تضعها الدولا عند البدء مع الحامل؟ وهل هي نفس خطة الولادة؟

إذا بدأت الحامل من فترات الحمل الأولى، فسوف تكون الخدمة سلسلة خطوات متكاملة: 

- التعارف بين الأم والدولا، لبناء التواصل والثقة بينهما.

- معرفة التاريخ الطبي للأم، والطبيب المعالج، وعدم وجود ما يعوق الحركات الرياضيَّة.

- الاطمئنان على وضع الجنين.

- التأكد من تاريخ الولادة المحدد من قِبل الطبيب.

- عمل خطة لمتابعة إستراتيجيات الاسترخاء والتأمل، وممارسة التمارين الرياضيَّة لتوسيع الحوض.

- عمل خطة لمراحل الحمل الأخيرة والولادة.

- كتابة عقد بين الطرفين بالرسوم المدفوعة؛ لضمان الحقوق، وخدمة الولادة فقط ستكون من أول دخول شهر الولادة، أو قبل يوم الولادة.

هل هناك دور لـ "الدولا" في مساعدة الجنين ليأخذ وضع الولادة؟

نعم.. فممارسة يوجا الحمل تساعد كثيرًا الأم والجنين، وتساهم في تمدد الحوض لتمكين الجنين من النزول إلى قناة الولادة، وتقوية جميع العضلات، وتعزز النوم العميق الذي يتيح الفرصة لارتخاء الأعصاب، وقدرة الجسم على أداء وظائفه بشكل أفضل.

مَن تفضِّل المريضة وجوده في غرفة الولادة كمرافق لها؟

دور الزوج قبل الولادة ووجوده من أهم عناصر نجاح الولادة. فالعلاقة المليئة بالدفء والاهتمام هي التي تساعدها في التحمُّل، والأرجح استمرار مستوى العلاقة أقوى ممَّا سبق؛ لتزويد الحامل بالدعم والتشجيع، ومتابعتها صحيًّا في كل زيارة للطبيب.

ومن الممكن حضور دورات مشتركة لتعزيز الدور الحقيقي للزوج خلال الحمل والولادة؛ وحتى يعيد للمرأة الاستقرار النفسي ويجنِّبها الاكتئاب، ويعزز علاقة الأب بالجنين.

ما أسباب كآبة ما بعد الولادة؟ وكيف يتم التعامل معها وتحويلها لطاقة إيجابية؟

اكتئاب ما بعد الولادة موضوع شائك، يصيب السيدات بنسبة من 20 إلى 30%، فلا بُدَّ من معرفة أسبابه وأعراضه، وكيفية التعامل معه، وأول الأنواع يصيب من 10 إلى 15% من السيدات، وهو (متوسط إلى خطير). أمَّا الثاني، فهو قلق ما بعد الولادة (OCD)، وهو اضطراب عقلي (مستوى خطير). وفي الحالات المتوسطة والخطيرة يجب التوجُّه للطبيب المختص، والثالث يظهر بعد الولادة من (3-5) أيام، ويُصنَّف (الأقل خطورة). ويكون دور الدولا توجيه الأم لاستحقاقاتها.

كيف يمكن التعامل مع تجمُّد الصدر بعد الولادة؟

لتجنب مرحلة (تجمُّد الصدر) يُفضَّل عمل مساج أثناء فترة الحمل، وعمل كمادات ماء دافئ مع كل استحمام، وشرب الماء بشكل مستمر أثناء الحمل وما بعد الولادة، والرضاعة بطرقها السليمة بعد الولادة مباشرة تقي من تحجُّر الصدر، وتناوب رضاعة الطفل على الثديين. ويزيد الحب والحنان بين الزوجين من إفراز هرمون "الأوكسيتوسين" (Oxytocin)، المسؤول عن الحب، ويعزز الرضاعة الطبيعيَّة.

ما المهارات التي تتميَّز بها الدولا؟ وهل هناك أدوات معيَّنة تستعين بها؟

مهارات الدولا: الصبر، الخبرة، والعلم، ولكل دولا لمساتها؛ بزيادة خدمات تصب في مصلحة المرأة وراحتها. ومن الأدوات المساعدة كرة الولادة (Birth ball)، والوشاح (Rabozo)، والكمادات الدافئة أو الباردة.

 هل مهنة الدولا تعيد المرأة للفطرة والبعد عن التعقيدات؟

لا أستطيع أنْ أسمِّي التدخل الطبي تعقيدات! بل هي وسائل واختيارات تصبُّ في مصلحة الأم والجنين، ولها ضرورتها الملحة، ولا بد من توعية النساء حديثات الحمل بالولادة الطبيعيَّة والطرق المؤيدة لها.

 ما الصعوبات التي تواجهكِ في هذا المجال؟

المفاهيم الخاطئة عن الولادة؛ لأنها أصبحت مسيطرة على المجتمع، وكذلك مفهوم "الدولا" وخدماتها غير واضحة للمجتمع، ومعاناتها من الأوجاع الجسديَّة بسبب المساندة الطويلة للأم.

ما نصيحتك للمرأة الحامل؟

نصيحتي لكل أم أن تتجنَّب الصغائر، وتوسع دائرة اهتمامها بصحتها وحقها في الراحة الكافية، وما هو خفي وليس ظاهرًا، كالنفس والفكر والجسد. فكِّري بأنانيَّة تصبُّ في مصلحتك وجنينك وأسرت، ثقِّفي نفسك، واسترخي، وتغذِّي جيدًا، مارسي الرياضة، واختاري طبيبك بدقة، والمُرافق لكِ بعناية.

استشارية توجه نصائح هامة للمرأة الحامل