يُعد جيلالي عمراني؛ واحدًا من أبرز أدباء الجزائر، وتأثر في كتاباته بنشأته في قرية اقويلال على مرمى حجر من جبال جرجرة، وعايش خلال فترة طفولته فترة الاحتلال.
وتنبأ جيلالي عمراني؛ خلال طفولته، بأنه سيصبح كاتبًا شهيرًا ذات يوم، ويحكي أنه تعهد لرفاق طفولته بأنه سيصير كذلك، بعد أن انتهى من قراءة الكتاب الأول في حياته.
وأجرت "الجوهرة" الحوار التالي مع الأديب الجزائري؛ ليحدثنا حول مشواره الأدبي، وظروف كتابة مؤلفاته المختلفة، وإلى نص الحوار:-
ربما سحر الورق و الصور وسحر الحرف المطبوع فعل فعلته العجيبة في داخلي. كنت حكاء- الأصح- أعشق الحكي المدهش والساحر.
هكذا استمرت حكايتي الجميلة مع الكتاب إلى يومنا هذا، دائما يجعلني الكتاب أخفق وأستعد لقراءته بفرح طفوليّ لا ينتهي.
ونشرت حتى الآن روايات: "المشاهد العارية، عيون الليل، المنافي.. حكايات شامية، البكّاءة".
مع ذلك أخذت بعض الجرائد على عاتقها مسؤولية نشر الثقافة و الإبداع، فخصّصت من صفحة إلى صفحتين للكتاب وخاصة للمبتدئين، كصفحة "فضاءات" و صفحة "أصوات أدبية".
وحقيقةً هذه الصفحات كانت متنفسنا الوحيد للظهور ودعمنا، بدأت النشر في هذه الفضاءات وأتلقى التوجيهات والنصائح من معدّيها ومن أصدقاء لا يبخلون علينا بتقديم العون.
وأذكر في هذ النقطة بالذات الكاتب الطاهر يحياوي؛ مُعدّ صفحة فضاءات التي كنا نترقبها أسبوعيًا؛ حيث يخصص زاوية صغيرة لردوده القصيرة لكنها مهمّة وكانت كافية لصقل مواهبنا، ودفعنا للإبداع والحرص والمثابرة لتقديم الأفضل، فمعظم كتاب تلك المرحلة يصنعون اليوم التميّز في الجزائر والعالم العربي. كم نحن بحاجة اليوم إلى تلك التقاليد الرصينة التي تصنع كتابًا يذهبون إلى المستقبل بثقة كبيرة.
وفي النهاية الكتابة رحلة طويلة، القليل من يستمر؛ لأن شروطها صعبة وهي تضحية مستمرة وعزلة وبحث عن الموضوع والحدث والتقنية، والتزام صارم بالجلوس لساعات وليالٍ وربما لأشهر؛ لتُخرج نصك في أبهى صوره، إذن فالعملية ليست سهلة، بدليل أن النجاح في عالم الكتابة ليس بالأمر الهيّن ولا متاحًا للجميع. استمراري في الكتابة رغم الإخفاق أحيانًا والإحباط وكل الصعوبات هو مسألة إيمان وحب كبير للكتابة، ربما إرضاء للذات أولاً و أخيرًا.
وخلال تلك الفترة من تاريخ الجزائر كانت هناك صعوبات كبيرة لنشر كتاب ما؛ منها قلّة دور النشر، بالإضافة إلى الحصار الذي عانى منه البلد بسبب التطرف والأزمة الدموية التي حصدت العدد الكبير من الأرواح والقامات والأسماء.
نشرت بعد ذلك رواية "عيون الليل" في رابطة كتاب الاختلاف (2004). هذه الرواية قاربت بشكل مباشر الأزمة الدموية، صراحةً كتبتها من قلب الحدث، كوني أقطن في منطقة غير آمنة، كتبت عن أمكنة أعرفها جيدًا، وتعتبر قلعة للجماعات المسلّحة، وسُميت في تلك الفترة "مثلث الموت"، كتبت عن همجيتهم ودمويتهم.
وحاولت الاقتراب من السؤال المهم: لماذا يقتل أحدنا الآخر بتلك الكراهية؟
كنت أكتب تلك التفاصيل بتسرع وبعدها الطوفان، أكتب أكبر عدد ممكن من الصفحات، كأني أريد قول كلّ شيء ثم ليأتِ الموت إن شاء، في الليل أخفي المخطوط بعيدًا، وأخفي كتبي و كل ما له علاقة بالأدب و الثقافة.
ولم أهتم حينها بجمالية النص و لم تكن أولويتي، أعتبرها شهادة حيّة عما عشته شخصيًا أو ما عاشته بلدتي الصغيرة من رعب مستمر و يوميّ.
صُنفت هذه الرواية في خانة الأدب الاستعجالي، هذا غير مهم بالنسبة لي، يهمني حينها قول كلمتي كنوع من النضال وفضح أساليب هذه الشرذمة التي أدمت قلوبنا.
والرواية نشرتها دار شهر زاد للنشر ورُشحت هي وروايتي الأخرى "المنافي.. حكايات شامية" لنيل جائزة الطاهر وطّار للرواية في القائمة الطويلة.
وإلى وقت غير بعيد كنت أميل إلى العزلة والزهد ولا أعرف كيف أُسوّق قصصي، لكن الآن أظن أن هذا غير كافٍ، فعليك أن تقتحم هذه الفضاءات الجديدة وتُتقن التقنيات الحديثة لتسهيل تقديم نفسك بشكل صحيح بعيدًا عن البهرجة؛ لأنها غير سليمة.
ولم اهتم إطلاقًا بمقولات سلبية حاقدة في أغلب الأحيان.
في الجزائر تربينا وشربنا هذا الأدب لما يحمله من رمزية وقضية عادلة هي قضية اغتصاب أرض وتهجير شعب وحرمانه من أرضه وحريته وشمسه وبرتقاله، كنا وإلى الآن نحفظ قصائد محمود درويش وسميح القاسم ونلتهم نصوص غسان كنفاني، يحيي خلف والقائمة طويلة من أسماء صنعوا الاستثناء بتميزهم وإبداعهم ومقاومتهم.
وفي نصي الأول، ربما بتأثير أستاذي في المعهد، كان لفلسطين حضور، ولكن للأسف ضيّعت المخطوط المعنون بـ"إعصار الصيف".