جيلالي عمراني: صدق الكاتب أهم دوافع استمراريته.. وعالم الأدب تحكمه التكتلات

يُعد جيلالي عمراني؛ واحدًا من أبرز أدباء الجزائر، وتأثر في كتاباته بنشأته في قرية اقويلال على مرمى حجر من جبال جرجرة، وعايش خلال فترة طفولته فترة الاحتلال.

وتنبأ جيلالي عمراني؛ خلال طفولته، بأنه سيصبح كاتبًا شهيرًا ذات يوم، ويحكي أنه تعهد لرفاق طفولته بأنه سيصير كذلك، بعد أن انتهى من قراءة الكتاب الأول في حياته.

وأجرت "الجوهرة" الحوار التالي مع الأديب الجزائري؛ ليحدثنا حول مشواره الأدبي، وظروف كتابة مؤلفاته المختلفة، وإلى نص الحوار:-

*بم تُعرّف نفسك للقراء؟

أنا جيلالي عمراني، مواليد69 كاتب جزائري من قرية تعانق جبال جرجرة اسمها اقويلال، طفولتي كانت صعبة إلى حد ما بسبب ظروف القرية التي خرجت من فترة استعمار دامت سنوات، إذ لا مكتبة و لا كتب في أكواخنا الطينية، لا كهرباء و لا ماء، أول مرة وأنا في سن الثامنة وُزّعت علينا في المدرسة الابتدائية كتب القراءة، وكان حدثًا استثنائيًا في حياتي نقشت تفاصيله في ذاكرتي، تلك الارتعاشة وأنا أتلمسه و أقلبه كما شئت، أخذته إلى البيت، كنت سعيدًا للغاية و مبهورًا فعلًا، في تلك الأمسية قلت علنًا لأقراني سأكون كاتبًا، مع أني لا أعرف بالضبط معنى كلمة كاتب.

ربما سحر الورق و الصور وسحر الحرف المطبوع فعل فعلته العجيبة في داخلي. كنت حكاء- الأصح- أعشق الحكي المدهش والساحر.

هكذا استمرت حكايتي الجميلة مع الكتاب إلى يومنا هذا، دائما يجعلني الكتاب أخفق وأستعد لقراءته بفرح طفوليّ لا ينتهي.

ونشرت حتى الآن روايات: "المشاهد العارية، عيون الليل، المنافي.. حكايات شامية، البكّاءة".

*كيف جاءت أولى خطواتك بالمشوار الأدبي ومن داعمك الأول؟

كانت بداية النشر صعبة؛ لأن الحياة الثقافية في الجزائر مرّت بظروف صعبة للغاية؛ بسبب التدهور الأمني الذي عرفته في بداية التسعينيات، بالإضافة إلى الحصار المحكم الذي مُورس علينا.

مع ذلك أخذت بعض الجرائد على عاتقها مسؤولية نشر الثقافة و الإبداع، فخصّصت من صفحة إلى صفحتين للكتاب وخاصة للمبتدئين، كصفحة "فضاءات" و صفحة "أصوات أدبية".

وحقيقةً هذه الصفحات كانت متنفسنا الوحيد للظهور ودعمنا، بدأت النشر في هذه الفضاءات وأتلقى التوجيهات والنصائح من معدّيها ومن أصدقاء لا يبخلون علينا بتقديم العون.

وأذكر في هذ النقطة بالذات الكاتب الطاهر يحياوي؛ مُعدّ صفحة فضاءات التي كنا نترقبها أسبوعيًا؛ حيث يخصص زاوية صغيرة لردوده القصيرة لكنها مهمّة وكانت كافية لصقل مواهبنا، ودفعنا للإبداع والحرص والمثابرة لتقديم الأفضل، فمعظم كتاب تلك المرحلة يصنعون اليوم التميّز في الجزائر والعالم العربي. كم نحن بحاجة اليوم إلى تلك التقاليد الرصينة التي تصنع كتابًا يذهبون إلى المستقبل بثقة كبيرة.

*ما دوافعك للاستمرار في الكتابة؟

أهم دافع للاستمرارية هو الصّدق، كلما كتبت قصة جديدة أنساها وأفكر في قصّة ثانية، في كل الحالات تجدني غير راضِ تمامًا عن النّص المنشور، لن أفكر فيه حتى و لو لقي الاستحسان و القبول عند القراء والأصدقاء، في كل تجربة أفكر في تجربة جديدة لأتجاوز نفسي إن صح التعبير.

وفي النهاية الكتابة رحلة طويلة، القليل من يستمر؛ لأن شروطها صعبة وهي تضحية مستمرة وعزلة وبحث عن الموضوع والحدث والتقنية، والتزام صارم بالجلوس لساعات وليالٍ وربما لأشهر؛ لتُخرج نصك في أبهى صوره، إذن فالعملية ليست سهلة، بدليل أن النجاح في عالم الكتابة ليس بالأمر الهيّن ولا متاحًا للجميع. استمراري في الكتابة رغم الإخفاق أحيانًا والإحباط وكل الصعوبات هو مسألة إيمان وحب كبير للكتابة، ربما إرضاء للذات أولاً و أخيرًا.

*ماذا عن تجربتك الأولى بالنشر وما المعوقات التي واجهتك؟

تجربتي الأولى في النشر الورقي بالتأكيد صعبة للغاية، في وقت لا يوجد فيه الإنترنت والبريد الإلكتروني أو الحواسيب المتطورة (أتحدث هنا عن منتصف التسعينيات)، كتبت رواية "المشاهد العارية" بخط اليّد، لم يكن في ذهني ناشر ما، أصلاً عدد دور النشر الجزائرية في تلك الفترة قليل وتهتم بنشر الأسماء المعروفة فقط، أرسلتها بالبريد العادي لجمعية الجاحظية التي يترأسها الروائي الكبير الطاهر وطّار؛ رحمه الله، لم أتلق الإجابة في الوقت المحدد للردود، وعندما سألت عمي الطاهر عن مصير المخطوط انزعج كثيرًا من لجنة القراءة التي لم ترسل التقرير، وعندما اطلع عليها على عجالة أبدى إعجابه ثم كلف لجنة قراءة ثانية، وبعد أسبوعين فقط قرّر نشرها، صحيح ميلادها كان متواضعًا بسبب نوعية الورق والغلاف العادي جدًا، لكن هو ميلادي الأول والجميل، خاصة بعدما لاقت الرواية قبولاً جيدًا.

وخلال تلك الفترة من تاريخ الجزائر كانت هناك صعوبات كبيرة لنشر كتاب ما؛ منها قلّة دور النشر، بالإضافة إلى الحصار الذي عانى منه البلد بسبب التطرف والأزمة الدموية التي حصدت العدد الكبير من الأرواح والقامات والأسماء.

نشرت بعد ذلك رواية "عيون الليل" في رابطة كتاب الاختلاف (2004). هذه الرواية قاربت بشكل مباشر الأزمة الدموية، صراحةً كتبتها من قلب الحدث، كوني أقطن في منطقة غير آمنة، كتبت عن أمكنة أعرفها جيدًا، وتعتبر قلعة للجماعات المسلّحة، وسُميت في تلك الفترة "مثلث الموت"، كتبت عن همجيتهم ودمويتهم.

وحاولت الاقتراب من السؤال المهم: لماذا يقتل أحدنا الآخر بتلك الكراهية؟

كنت أكتب تلك التفاصيل بتسرع وبعدها الطوفان، أكتب أكبر عدد ممكن من الصفحات، كأني أريد قول كلّ شيء ثم ليأتِ الموت إن شاء، في الليل أخفي المخطوط بعيدًا، وأخفي كتبي و كل ما له علاقة بالأدب و الثقافة.

ولم أهتم حينها بجمالية النص و لم تكن أولويتي، أعتبرها شهادة حيّة عما عشته شخصيًا أو ما عاشته بلدتي الصغيرة من رعب مستمر و يوميّ.

صُنفت هذه الرواية في خانة الأدب الاستعجالي، هذا غير مهم بالنسبة لي، يهمني حينها قول كلمتي كنوع من النضال وفضح أساليب هذه الشرذمة التي أدمت قلوبنا.

*ما الجوائز التي حصدتها وكيف شاركت ووصلت إليها؟

تحصلت في مشواري على جوائز محليّة في القصّة القصيرة، مثلاً على المرتبة الثالثة في مسابقة أول نوفمبر التي تنظمها وزارة المجاهدين بمناسبة ذكرى ثورة نوفمبر، وأهم جائزة هي تلك التي تحصلت عليها في نوفمبر عام 2018 في جمهورية مصر العربية؛ إذ شاركت برواية "البكّاءة" في مسابقة صالون نجيب الثقافي، وأُعلنت النتائج النهائية في 24 نوفمبر في حفل بهيج داخل كلية الطب بجامعة القاهرة.

والرواية نشرتها دار شهر زاد للنشر ورُشحت هي وروايتي الأخرى "المنافي.. حكايات شامية" لنيل جائزة الطاهر وطّار للرواية في القائمة الطويلة.

*هل يحتاج الكاتب لتقديم نفسه لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي؟

في الوقت الراهن، على الكاتب أن يقدم نفسه ويستغل هذه الوسائل الحديثة؛ لأنها تساعده على الانتشار و إيصال أفكاره ونصوصه، شخصيًا كنت أعتقد أن الكاتب لا يحتاج إلى وسائط أخرى، فيكفي نشر كتابه ليدافع عن جودته وقيمته وسط هذا الكمّ الهائل من الإصدارات يوميًا في عالم جديد يحمل في كل يوم جديدًا.

وإلى وقت غير بعيد كنت أميل إلى العزلة والزهد ولا أعرف كيف أُسوّق قصصي، لكن الآن أظن أن هذا غير كافٍ، فعليك أن تقتحم هذه الفضاءات الجديدة وتُتقن التقنيات الحديثة لتسهيل تقديم نفسك بشكل صحيح بعيدًا عن البهرجة؛ لأنها غير سليمة.

*ما التحديات التي واجهتك في بداية مشوارك الأدبي؟

التحديات كثيرة، أن تفرض نفسك ككاتب ليست سهلة في ظل وجود تكتلات ولوبيات، بالنسبة لي لم أهتم كثيرًا بهذا الأمر، يهمني نصي أولاً و أخيرًا، لا أنتمي للتجمعات الثقافية المشكوك في أمرها أو جماعات النميمة الثقافية، ولا ألتفت أبدًا للخطابات المحبطة، لم أنتظر تشجيعًا من هذا أو ذاك، ربما من حسن حظي في بداية البدايات، كنتُ أعيش في مدينة صغيرة وهامشية، بعد إنهاء روايتي الأولى، أرسلتها لروائي جزائري مهم اسمه "محمد ساري"؛ هو أول من قرأها بمحبة كبيرة، كتب لي في صفحة مجموعة من ملاحظاته القيّمة وذكرني بالصعوبات التي سوف أواجهها ككاتب في بداية المشوار، و قال لي "لا تلتفت لأنك ستتعب كثيرًا"، وذكّرني بالتوحيدي.

ولم اهتم إطلاقًا بمقولات سلبية حاقدة في أغلب الأحيان.

*لفلسطين مكانة خاصة في مؤلفاتك.. فلمَ ذلك؟

من حظي أني درست في معهد خاص بالمعلمين وكان أستاذي في الأدب العربي فلسطيني له الفضل الكبير لأكتشف الأدب الفلسطيني، بل الأدب العربي، وبفضله تعرفت على يوسف إدريس ويوسف السباعي ونجيب محفوظ.

في الجزائر تربينا وشربنا هذا الأدب لما يحمله من رمزية وقضية عادلة هي قضية اغتصاب أرض وتهجير شعب وحرمانه من أرضه وحريته وشمسه وبرتقاله، كنا وإلى الآن نحفظ قصائد محمود درويش وسميح القاسم ونلتهم نصوص غسان كنفاني، يحيي خلف والقائمة طويلة من أسماء صنعوا الاستثناء بتميزهم وإبداعهم ومقاومتهم.

وفي نصي الأول، ربما بتأثير أستاذي في المعهد، كان لفلسطين حضور، ولكن للأسف ضيّعت المخطوط المعنون بـ"إعصار الصيف".

*ككاتب مخضرم.. بم تنصح شباب الأدباء؟

لست من أولئك الذين يقدمون النصائح للآخرين، وإن كان لا بد من كلمة أخصّ بها الكتاب المبتدئين فهي: "لاتتسرعوا في الظهور، وعليكم احترام الرموز والإقبال اليومي على القراءة".