توقيع المجموعة القصصية "المشهد الذي لا يكتمل" إحياءً لذكرى "مدانات"

احتفى منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الاثنين، بتوقيع المجموعة القصصية "المشهد الذي لا يكتمل" للأديب الراحل عديّ مدانات، وسط حضور كبير وتفاعل واسع من المهتمين بالشأن الثقافي.

وبهذه المناسبة، قال الأديب والقاص مفلح العدوان، في معرض تقديمه للحفل، إن "الراحل عديّ مدانات الذي رحل عنا قبل 3 سنوات، وما يزال حاضرًا معنا بذكراه الطيبة وإبداعه الأصيل، نستذكره اليوم من خلال إصدارٍ قديم جديد".

وأضاف أن هذا الإصدار أنجب لنا "المشهد الذي لا يكتمل"؛ وهو عبارة عن مجموعة قصص قصيرة لم تُنشر قبل ذلك، دُعمت ونُشرت بمبادرة من وزارة الثقافة، لافتًا إلى أن الراحل لم تقتصر اهتماماته على كتابة القصة فقط، وإنما اهتم أيضًا بالتنظير لها، وخلق جيل جديد يستمر بهذا الفن الذي أحبه وأخلص له.

بدوره، قال الفنان جميل عواد، إن "هذه الأمسية ليست لهدر الدموع أو لاستنزاف الأحزان، هذه أمسية احتفالية، فنحن ما جئنا نودع عديّ، إنما جئنا نُحيه، مستذكرين مناقبه وإبداعاته التي أضفى عليها الكثير من الصدق والواقعية".

وتذكر "عواد" المحطات التي جمعته بالراحل، قائلًا: "في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، تشكلت أسرة المسرح الأردني، وهي أول تجمع مسرحي جاد بقيادة هاني صنوبر، وكان عديّ مُهتمٌ بالمسرح، إلى حد أنه كان يشاركنا حضوره الدائم".

وأضاف: "كان "عدي" أيضًا مولعًا بالسينما، وكان يشاهد ما تنتجه بكثرة، ويناقش الأفلام ويعلق عليها، فضلاً عن أنه كان يحضر جميع فعاليات الفن التشكيلي".

وبحسب "عواد"، فإن الراحل "لا يحشر في زاوية، في بيت، في مكتب، فهو إنسان كوني، وسحرني في أكثر من موضع، وكان يبحث دائما خلال كتاباته عن الحرية والعدالة، وعن حقوق الناس، وعن الأشياء الجميلة في الحياة التي علينا أن نبحث عن تفاصيلها غير المعلنة لنكتشفها ونعيشها بحرية".

من جانبه، اعتبر الأكاديمي الدكتور محمد عبيد الله، في مداخلته، أن الأديب "مدانات" من أعلام الحركة الأدبية والثقافية الأردنية والعربية، نتذكره من خلال ما قدمه من إبداعات مميزة في القصة القصيرة والرواية منذ صدور مجموعته القصصية الأولى عام 1983، وحتى مجموعته الجديدة (المشهد الذي لا يكتمل) التي نلتقي اليوم بمناسبة صدورها.

وقال عبيد الله "نتذكّر "عديّ" الأديب، ونتذكر عديّ النقابي المثقف، نتذكر إسهامه في تأسيس رابطة الكتاب الأردنيين، مع مجموعة من الرواد الأوائل عام 1973 بُعيد الرحيل المدوّي لرفيق عمره وصديقه تيسير سبول، كما نتذكر المسيرة الثقافية الطويلة والسيرة الوطنية الحافلة له، والمحامي المتطوع في الدفاع عن المعتقلين السياسيين والطلبة الحزبيين، خصوصًا في حقبة الأحكام العرفية قبل عام 1989".

وزاد "نتذكر انحيازه الكلي لقضايا الإنسان في كتابته وفي مواقفه، نتذكر شخصيته الإنسانية الممتدة ومناقبه الرفيعة التي عُرف بها حتى صار اسمه رديفًا لكل ما هو خير وإنساني ونبيل، ناهيك أننا نتذكر تواضعه الأصيل والجم، وتركيزه الشديد على المعنى الجوهري للكلمة المقاومة، وللموقف الصادق بعيدًا عن المزايدة والمتاجرة والمُهاترة".

ولفت عبيدالله إلى أن الراحل لم يكتب سيرته الذاتية التي يمكن أن تكشف لنا جوانب مهمة من تكوينه؛ ولذلك فما نعرفه عن تكوينه المبكر لا يعدو أشتاتًا متباعدة، كشف عن بعضها في كتابه (فن القصة)، وكشف عن جوانب أخرى شقيقه الأديب والناقد عدنان مدانات في بعض ما كتبه عن عديّ وعن الأسرة التي ينتميان إليها.

ويحرص الراحل، حسب عبيدالله، على أكبر قدر من وضوح العناصر القصصية، ويكتب القصة بمنظور موضوعي غير ذاتي، ولذلك قلما يلجأ إلى الراوي المتكلم، وراويه المفضل هو الراوي كلي المعرفة الذي يسرد بضمير الغائب بما يوحي به ذلك من حياد وموضوعية، وبما يعنيه تجنب الراوي المتكلم من ذاتية.

ورأى عبيدالله أن "مدانات" يكتب القصة والرواية بلغة سردية مميزة، تقترب في جوانب منها من لغة نجيب محفوظ الواقعية، الزاهدة في البلاغة والجماليات الزائدة، لصالح جملةحكائية مصفاة لا تتأتى بلاغتها من مفرداتها ولا حمولتها التصويرية، وإنما من كثافتها التعبيرية ومادتها الحكائية.

واختتم حفل الإشهار بكلمة لزوجة الراحل "عديّ"، افلين الأطرش، قالت فيها "أعلم يا عديّ أنكَ أديت دورك على مسرح العيش اليومي بإتقان الإرادة، وصولًا إلى إسدال ستارة مشهد أخير لحكاية هي أنتَ، فالمشهد لكَ لم يكتمل باكتمال دورة الحياة كحقيقة مطلقة، ومشهدنا تم التعدي عليه بإنقاص بيّن، ولن نسمح بتبديل، لهذا أخذت المجموعة اسم المشهد الذي لا يكتمل".

وأضافت: ""عدي"، ترحل، لا تغيب ولا تبتعد، هذا بعض حضورك، بها تكون قد أنجزت مائة وخمسًا وعشرين قصة قصيرة في عيشنا المشترك، إضافة إلى ما أنجزت في الرواية، والبحث، والدراسة والمقالة، والحوار حتى قاربت الشعر، انتقصت جميعًا الكثير من كتابة قصصية محتملة، في غالبيته بعد تقاعدك في العام ألفين وأربعة، من مهنة ذهنية محضة، بالرغم من رفدها لمخزونك الإنساني الذي تعكسه في إبداعك الأدبي، إلا أنها كانت تبعدك عن الكتابة".

ونقلت "الأطرش" حديث الراحل حول مفهومه للقصة، بأنها "ليست شطحات فكر، فإنها ليست عرض حال، أو سرد وقائع لا تؤشر لشيء يستحق عناء الكتابة، كما أن القصة بناء إنساني، إبداعي، عالي القيمة، يتألف من تفاصيل دقيقةٍ تشكل في ترابطها حالة شديدة الخصوصية والدلالة، والقاص الماهر هو الذي ينجح في تجميع التفاصيل".

ووصفت "الأطرش" العام الذي رحل فيه عديّ بـ"عام التيه والضياع"، قائلة "لم يكن ممكنًا إعداد هذه المجموعة، فبالكاد استطعنا نهايته تنفيذ كتيب ذكراك الأولى، بكل ما احتواه من جديدك، وتحمّل ابناك عروة وقيس، وابنتك همس مسؤولياتها للإبقاء على طمأنينة تجاه أسرتك رافقتك، ككلّ فعل آخر، بتصرّف كلٍّ على حدة كقلبك النابض".

يُذكر أن الراحل مدانات من مواليد عام 1938، درس الحقوق في جامعة دمشق، ويعد أحد رواد القصة القصيرة والرواية في الأردن، لديه العديد من الأعمال، أبرزها: "المرض الثاني عشر غريب الأطوار"، "صباح الخير أيتها الجارة"، "الدخيل"، "ليلة عاصفة"، "الآنسة ازدهار وأنا".

كتب: محمد علواني