من بين كنوز الطبيعة التي اشتهرت بها الجزيرة العربية، يبرز بلسم مكة بوصفه واحدًا من أثمن المواد العطرية والطبية التي عرفت منذ آلاف السنين. هذا الراتنج العطري الذي يستخرج من شجيرة البشام أو البلسان، ارتبط باسم مكة المكرمة حتى صار يعرف عالميًا بـ “بلسم مكة”. وأصبح سلعة ثمينة تتداولها القوافل والأسواق القديمة، ويستعمله الملوك والأطباء والكهنة. وذلك وفقًا لما ذكرته saudipedia.
نبتة صغيرة.. وأثر كبير
بينما تنمو شجيرة البشام على هيئة نبات معمر قصير لا يتجاوز ارتفاعه أربعة أمتار، وتتميز بأوراقها الصغيرة الخضراء الباهتة ورائحتها المميزة. عند خدش جذعها أو سيقانها، تسيل منها مادة صمغية عطرية تجمع بعناية، وهي ما يعرف بـ بلسم مكة.
وعلى الرغم من بساطة مظهرها، إلا أن هذه النبتة حظيت بمكانة استثنائية عبر العصور. حتى أن المؤرخين والرحالة أشاروا إليها في كتاباتهم كأحد منتجات مكة النادرة التي لا مثيل لها.
حضور في الطب والتاريخ
استخدم المصريون القدماء بلسم مكة في التحنيط والتداوي. فيما اعتمد عليه أطباء العرب في علاج أمراض الجهاز التنفسي كالربو والسعال والتهابات الصدر. وذكره ابن البيطار في موسوعته الطبية كعلاج فعّال للعديد من الأمراض الجلدية والتنفسية.
إلى جانب قيمته العلاجية، اكتسب البلسم دورًا روحيًا، إذ كان يستعمل كبخور وزيت في المساجد والكنائس. ما جعله حاضرًا في طقوس دينية مختلفة، ومطلوبًا بشدة في الأسواق العالمية القديمة.
تجارة نادرة عبر العصور
كان بلسم مكة من السلع الفاخرة في الأسواق المكية والمدينة، وتنافست الممالك القديمة في الحصول عليه نظرًا لندرته. وقد ارتبط اسمه بالتجارة العربية المزدهرة، حيث كانت القوافل تنقله إلى مصر وبلاد الشام، ومنها إلى أوروبا حيث لاقى شهرة واسعة.
تراجع وندرة في العصر الحديث
مع التوسع العمراني والتغيرات البيئية، تضاءل وجود شجيرات البشام في مكة، وأصبح الحصول على بلسم مكة الحقيقي أمرًا نادرًا للغاية. اليوم، يزرع البشام في مناطق صحراوية محدودة، وتستخرج منه زيوت عطرية مشابهة، لكنها لا تضاهي القيمة التاريخية والأصالة التي تميزت بها المادة الأصلية.
قيمة ثقافية وتراثية
لا ينظر إلى بلسم مكة كمجرد مادة عطرية أو طبية، بل كجزء من الهوية التراثية للمنطقة، ورمز لعلاقة الإنسان بالحياة البرية. إنه شاهد على عصور من التجارة والمعرفة الطبية، ويعكس مكانة مكة كمركز للعلم والتبادل الحضاري.
اقرأ أيضًا: عبق التاريخ وروح الهوية.. السعودية تستقبل احتفالات اليوم الوطني بالبخور والعطور
مستقبل بلسم مكة
اليوم تتجه بعض المبادرات البحثية إلى إحياء زراعة البشام والمحافظة عليه، نظرًا لقيمته الاقتصادية والبيئية. كما يدرس استخدامه في الصناعات الدوائية والعطرية الحديثة، في محاولة لربط التراث بالمستقبل.