«انتقام النرجس».. سطوة الماضي وهيمنة الذكريات

الماضي حمل ثقيل نحمله على ظهورنا، وغالبًا لا نستطيع التحرر منه، وحاضرنا، وربما مستقبلنا كذلك، يُقرأ على ضوء هذا الماضي. من يعرف ماضيك يمكنه تخمين حاضرك والتنبؤ بمستقبلك، لعل هذه زاوية تأويلية مناسبة لرواية «انتقام النرجس» للكتابة الأردنية حنين رياض.

تدور الرواية حول فتاة جامعية تُدعى "نور" تستيقظ من غيبوبة قصيرة لتجد أن كل شيء من حولها قد تغيّر وأنها تعيش كابوسًا (الواقع كابوس حقيقي، أليس كذلك؟!) فتبدأ معاناتها، سوى أنها تقرر التخلص من تلك المعاناة دون مساعدة أحد، خاصة بعد تأكدها أن من حولها يُصعّبون الأمر عليها لاستمرارهم في لعبة الإنكار ظنًا منهم أن ذلك سيحميها من الصدمة.

ومن هنا تبدأ رحلتها في كشف الأسرار تباعًا لتتوصل في النهاية إلى حقائق تقلب مجرى الأمور، وهو ما يدفعها لاحقًا للانتقام لكونها ضحية لعبة خداع كبيرة.

لا تتعلق المسألة بالحديث عن معاناة مريض نفسي ما، وإن كان ذلك حاضرًا في الرواية، ولكن بالكشف عن بؤس الخديعة وأضرارها، وعن ذاك البون الشاسع بين العالم الحقيقي وذاك المتوهم، والذي هو من صنع الخيالات والأوهام.

كان سيجموند فرويد _ ومن ورائه كل مدرسة التحليل النفسي بشكل عام _ حين أكد أن كل شيء يُرسم في الطفولة، وأن بنيتنا النفسية إنما تتشكل أثناء مرحلة الطفولة، وبطلة رواية «انتقام النرجس» يصدق عليها الأمر تمامًا.

فهي ابنة رجل قرر الخلاص من حياته بالانتحار، وهي على الرغم من حبها الشديد إلا أن التفكير في أبيها يعيدها إلى ماضيها المليء باللآلام؛ لذلك لا تحب هذا الحنين إلى أبيها، اسمع إليها وهي تقول: «ولكنني في الوقت نفسه أقاوم تلك الرغبة التي قد تعيدني إلى كل ما قد مضى، فأنا أخاف الماضي يا أبي. نعم أشتاقك، بل أحترق شوقًا لرؤيتك وقد أوهنني الحنين، لكنني حقًا أخاف الماضي. يفزعني أن ألقاك فأفقدك من جديد، لم أعد أطيق الفقد يا أبي».

الماضي بهذا المعنى، ووفقًا للطرح الذي تقدمه حنين رياض في هذه الرواية، وحش يتربص بنا، وكل ما علينا فعله هو الهرب منه قدر ما نستطيع وعدم الوقوع في فخاخه.

وعلى الجانب الآخر من سوداوية البطلة «نورا» وحزنها الشديد، نجد «يوسف» يخاطبها قائلًا: «خلف زهرة النرجس التي لا تذبل، سيلتقي اسمانا بعد الغياب. سأعزف حينها مقطوعةً لكِ وحدكِ، وسأسمّيها باسمكِ، فلستِ أنتِ أقلَّ حظًا من ماريا، ولستُ أنا أقلَّ عشقًا من شوبان».

وعلى أي الأحوال، فتلك رواية مفعمة بالدراما النفسية، وعلى الرغم من مقاربتها للـ 500 صفحة، إلا أن القارئ لن يشعر إلا بالتشويق أثناء قرائتها، وذلك بفضل العوالم التي صنعتها المؤلفة على نحو محكم.

يُشار إلى أن حنين رياض كاتبة أردنية حاصلة على شهادة البكالوريوس في التصميم الجرافيكي، وتُتابع حاليًا دراسة الماجستير في اللغة العربية وآدابها، كما تعمل في مجال صناعة الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد، وتقود حاليًّا فريقًا خاصًّا يعمل على إنتاج وتطبيق مسلسل كرتوني ضخم مُوجَّه للأطفال.

 

اقرأ أيضًا.. مزاد الإبل.. 8 لوحات فنية تجذب زائري المعرض التشكيلي بحفر الباطن