تشير التجربة اليابانية في التعليم إلى أن ترك الأطفال يتعاملون مع خلافاتهم بأنفسهم يمكن أن يسهم في تنمية مهاراتهم الاجتماعية والتفاعلية. هذا المفهوم يعرف باسم نهج “ميمامورو”، ويعتمد على الحد الأدنى من تدخل المعلمين أثناء النزاعات بين الأطفال، ما يشجعهم على التعلم الذاتي والمبادرة في حل المشكلات.
ما هو نهج ميمامورو؟
ووفقًا لـ”hiroshima” كلمة ميمامورو تجمع بين كلمتين يابانيتين: “مي” وتعني “المراقبة”، و“مامورو” وتعني “الحماية”. ويفهم هذا النهج على أنه “التعليم بالمراقبة”؛ أي أن دور الكبار لا يكون بالتدخل الفوري، بل بمراقبة الأطفال أثناء تفاعلهم ومساعدتهم على التعلم من تجاربهم الواقعية.
ورغم أن ميمامورو لا يعد جزءًا رسميًا من المناهج اليابانية لرياض الأطفال، فإنه يعتبر دليلًا تربويًا ضمنيًا يعكس فلسفة التنشئة الاجتماعية في اليابان، حيث يشجع الكبار الأطفال على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بأنفسهم بدلًا من الاعتماد على توجيهات مستمرة من المعلمين أو الآباء.
دراسة تربوية تكشف الفلسفة الكامنة وراء ميمامورو
أجرى الأستاذ “فومينوري ناكاتسوبو”من جامعة هيروشيما دراسة متعمقة حول سبب ميل المعلمين اليابانيين إلى عدم التدخل أثناء مشاجرات الأطفال، وكيفية تحديدهم للوقت المناسب للتدخل إن لزم الأمر.
شارك في الدراسة 34 معلمًا يابانيًا و12 معلمًا أمريكيًا في مجموعات نقاش استخدمت أساليب إثنوغرافية متعددة الأصوات.
وشاهد المشاركون مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق يصور مشهدًا حقيقيًا من روضة أطفال يابانية تعتمد هذا النهج. ناقش المعلمون خلال الجلسات إشارات الأطفال غير اللفظية، وطريقة المعلمين في الملاحظة، وتوقيت التدخل المناسب.
التعلم من النزاعات
قد يبدو غريبًا أن يقف المعلم متفرجًا بينما يتشاجر الأطفال. لكن الفلسفة اليابانية ترى أن النزاعات تمثل فرصًا للتعلم، وليست سلوكًا يجب كبته فورًا.
التدخل السريع قد يحرم الأطفال من تجربة مشاعر مهمة مثل الألم أو الندم، وهي مشاعر تسهم في بناء وعيهم الذاتي وفهمهم للعواقب.
كما أن إصدار الأحكام السريعة كتصنيف الأطفال إلى “جيدين” و”سيئين” قد يؤثر سلبًا في علاقاتهم الاجتماعية وثقتهم بأنفسهم.
ثلاث ركائز رئيسية لنهج ميمامورو
أوضح الباحثون أن المراقبة لا تعني التجاهل. فالمعلمون يتدخلون فقط عندما يشكل الموقف خطرًا جسديًا حقيقيًا.
وقد حددت الدراسة ثلاث ممارسات رئيسية ضمن إطار ميمامورو:
1.التدخل الوقائي المحدود: تدخل بسيط ومؤقت فقط لتقليل خطر الأذى الجسدي.
2.الامتناع عن التدخل المباشر: ترك الأطفال يحلون المشكلة بأنفسهم ما داموا قادرين على ذلك.
3.الانسحاب الواعي: بعد التأكد من قدرة الأطفال على إدارة الموقف، ينسحب المعلم ليمنحهم استقلالية أكبر.
يختار المعلم بين هذه الأساليب بناءً على ملاحظته الدقيقة وصبره وثقته في قدرات الأطفال على التعلم من تجاربهم.
الفلسفة التربوية وراء الصبر والمراقبة
رغم أن ميمامورو يبدو كأنه نهج سلبي، فإنه يتطلب من المعلمين أعلى درجات الصبر والانتباه. إذ يقوم على الإيمان العميق بأن الأطفال يمتلكون فطرة طيبة وقدرة طبيعية على التعلم من خلال التفاعل الاجتماعي.
وكما وصف الباحثون، فهو “تعلم من خلال الاستقلالية، تحت حماية الكبار”.
قابلية تطبيق النهج في دول أخرى
أثار المعلمون الأمريكيون المشاركون في الدراسة تساؤلات حول إمكانية تطبيق هذا النهج في ظل القوانين الصارمة التي تحظر أي شكل من أشكال الأذى الجسدي للأطفال.
ومع ذلك، أبدى بعضهم اهتمامًا بتجربته في فصولهم الدراسية بعد تكييفه مع السياسات المحلية والحصول على موافقة أولياء الأمور.
الرابط المختصر :