السعادة الحقيقية في القناعة بما نملك

تأخذ الأشياء قيمتها من إحساسنا وقناعتنا بها؛ فالفقر كما يقول بعض الحكماء لا يقاس دوما بالحالة التي تعيش فيها، ولكنه يقاس بالحالة التي تطمح أن تكون فيها، وهناك خيط موجود علي مدي رحلتنا في هذه الحياة يربط بين المسافة التي تفصلنا عما نشتهي ونكون سعداء، فيبدو أحيانًا قويًا ومتينًا، وفي اَخرى واهنًا وضعيفًا.

المدهش أننا من يقرر قوة أو وهن هذا الخيط في الحالتين، فالقناعة والرضا بما نملك تجعل هذا الخيط قويًا، أما السخط وعدم الرضا فتجعل الخيط ضعيفًا، فنحس على الدوام أن هنالك شيئا ناقصًا موجود عند الغير وليس موجودًا عندنا، فيتملكنا ويسيطر علينا إحساس أننا غير سعداء على الإطلاق، على الرغم من أن الأصل في السعادة أنها تعتمد علي قناعتنا بقيمة ما نملك.

هناك من يملك كنوز الدنيا وأموالها، لكن إحساسه بالسعادة ناقص؛ لأنه لم يحسن تقدير وقيمة ما يملك، وينظر دائمًا إلى ما عند الغير ويقارن بما عنده، أو لأنه يعيش في عزلة اختيارية واكتفى بالابتعاد عن محيطه الأسري والمجتمعي ببناء جدار سميك بينه وبين الآخرين، فالسعادة فعل تشاركي تحس بقيمته عندما تتواجد مع الآخرين، تعيش معهم أفراحهم وأتراحهم بقلب مفتوح دون تعالي أو تكبر. والعناصر التي توفر لنا ولغيرنا السعادة تتواجد في كل مكان إذا نظرنا إلى حياتنا بمنظار القناعة، فيمكن من خلال أسرة متماسكة مترابطة متفاعلة لها قيادتها متمثلة في الوالدين، ولها نظمها وقيمها التي تستلهمها من المجتمع وتستمد كيانها وقوتها من كونها الأداة الحقيقية لتنشئة وتربية الأبناء أن نصل إلى أقصى درجات السعادة بصرف النظر عن وضع هذه الأسرة المادي أو موقعها الاجتماعي، كما يمكن أن تتوفر السعادة في عمل نحبه نخلص فيه ونتقنه؛ فنبدع ونبتكر في مجال اخترناه طواعية وعن قناعه، فنسعد بما قدمناه للوطن وللمجتمع. ويمكن أن تتوفر السعادة عبر إسعاد الآخرين، فإغاثة أسرة محتاجة أو إضافة بسمة ليتيم أو مساعدة أرملة يمكن أن يوفر لنا الرضا عن أعمالنا، وبالتالي يجعلنا سعداء إلى درجة ما، ولا تتوقف مصادر السعادة عند هذا الحد، فنعم الله الكثيرة من صحة وعافية وتوفيق، ونجابة أبناء يمكن أيضا أن تكون مصدرًا للسعادة خاصة إذا توفرت لنا القناعة بما نملك وبما نقدم للآخرين. روز العودة