الروائية رحاب أبو زيد:الحركة الأدبية السعودية تُغربل نفسها بنفسها وتفطن لمواقع الخلل

 

كاتبة متعددة المواهب، تكتب الرواية، القصة القصيرة، والمقالة، ولها باع في الترجمة أيضًا، تؤمن بالأدب، وتوليه حقه من التفكر والتأمل، تزن كلماتها، فلا تكتب الأديبة والروائية السعودية "رحاب أبو زيد"؛ إلا عندما تُلح الفكرة على وجدانها، وتجبرها على إحالتها إلى الأوراق، فتأتي نصوصها بمثابة الدر المنثور، والتبر المسبوك، التقتها "الجوهرة" وكان لنا معها الحوار التالي:

مسيرتك من "الرقص على أسنة الرماح" إلى "كيرم"، أهي مسيرة من التشخيص إلى التمرد؟ يزعم بعض المستبصرين أن بإمكان المؤلفين كتابة مصائرهم وهم لا يدركون ذلك، مؤلفاتنا تدل على ما يعتمل بالعقل والوجدان من منعطفات وعي، وقفزات للجنوح أو الاستسلام، وليس على النحو الذي تمضي عليه حياتنا الشخصية. أستطيع القول إن مسيرة التمرد إلى التشخيص قد سارت بالعكس، البتول في "الرقص على أسنة الرماح" كانت في حالة رفض منذ البداية لكل الواقع المعاش، في حين عقد "زين" في رواية "كيرم" تصالحًا نفسيًا مع الكون.

هل شعرتِ بطغيان الحس الوجودي على روايتك الأخيرة "كيرم"؟

"أنا لا أخشى الموت، لكنني أخشى الخلود في الجنة"، عبارة أسرت بعض القراء الأعزاء، جاءت على لسان البتول؛ الشخصية الرئيسة في "الرقص على أسنة الرماح"، وهي العبارة ذاتها التي تسببت في غضب عبّر عنه البعض عن طريق المراسلات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين يمتلأ "يزن" بالأسئلة التي تبدو ظاهريًا بعيدة كل البعد عن الحس الوجودي، وكأنه قدم ضميره قربانًا للنهاية كما هي مقررة.

العفوية أجمل قناع يرتديه الروائي

يُلهمكِ أكثر الخيال أم التجربة الوجودية الواقعية؟ أم أنتِ كاتبة عفوية قبل كل شيء؟ لا يملك أحدهما التصدي لعناد المتلقي وحده بواسطة الحبكة الروائية، كما لا يمكن للعمل الأدبي الإبداعي النهوض على ساق واحدة، أما العفوية فهي أجمل قناع يرتديه الروائي ليقول للعالم "كل شيء على ما يرام"، أو ربما "هذا أنا وهذا ما لديّ". ليس هناك كاتب عفوي دون علمه، وليست هناك كتابة عفوية دون مخطط محكم، وإلا وقعت في منطقة خواطر المتعبين أو يوميات المراهقين.

شخّصت روايتكِ "الرقص على أسنة الرماح" واقع المرأة العربية، لكن كيف يمكننا تجاوز هذا الوضع المشين؟ واقع المرأة في العالم يتطور بسرعة مذهلة، هناك وضع غير صائب وغير عادل يعاني منه الرجل والمرأة، قتل البراءة والإنسانية هو المشين، وفي "الرقص على أسنة الرماح" كانت هناك دعوة مفتوحة للعودة إلى القيم والمعاني خلف الجمال، رثاء مؤقت لمكونات الحياة الطبيعية من الصداقة، والزواج، والحب.

المرأة هي نقطة الانطلاق والإصرار

وهل تغيرت نظرتك لواقع المرأة العربية الآن عما كانت عليه زمن نشر الرواية عام 2010م؟

بلا شك، آمنت أكثر أن التغيير يبدأ منها، هي نقطة الانطلاق والإصرار، وهي وحدها من تحدد ماذا تريد، اكتسابها لحق القدرة على الاختيار يضعها في مفصل طرق بين الانهزامية وبين الإقدام، وهذه خطوة قد لا يجرؤ رجل ما في مكان ما على الخريطة من اتخاذها، الأمر منوط بالرغبة والإرادة أكثر من كونه منوط بالنوع.

هل وضعتِ وصيتك الأدبية في "الرقص على أسنة الرماح" حتى قررتِ ترجمتها إلى الفرنسية؟ الفرنسيون مولعون بأطياف المغزى الوجداني على تدرجها وحِدّتها في الأعمال الفنية، يكترثون للمآل الذي تؤول إليه العلاقات البشرية وعلاقة الإنسان بذاته والموجودات من حوله، وكانت الترجمة الفرنسية بناءً على قراءة واسعة لتعطش السوق الأدبي في منطقة شمال أفريقيا من العالم العربي، وامتداد الثقافة العربية إلى فرنسا بالحتم.

ألا يُزعجكِ انحدار الذوق العربي في الأدب حاليًا عندما تكتبين؟ ليس منحدرًا حتى يزعجني، إنما متخبطًا متناقضًا ربما، هناك أفواج مقسمة حسب اختلاف الذائقة، ومستواها، ومرجعياتها الثقافية تسوقها ظروف محكومة بعوامل متضاربة ومزاج عام، تميل هذه الأفواج ميلًا ملحوظًا إلى أقصى ضفة بعيدة عن أساليب كتابية معينة ثم تعود، بعض الأعمال "تضرب" في وجدان الناس، وتؤثر فيهم إلى درجة يتعجب معها الناشرون أنفسهم، الذين هم في مطلع كل موسم نشر يصبون توقعاتهم على أعمال أخرى متوقعين لها النجاح. هذا يعني أن لا أحد يمكنه معرفة المعايير التي ترضي المتلقين، أو التي ينشدها المتلقين! السؤال ما الذي يحدث؟ لا تجد إجابة في الوقت الراهن سوى شغف أحدهم وانقياد البقية.

الحركة الأدبية السعودية تنبض برؤى النقاد المنصفين

كيف تنظرين إلى الحركة الأدبية السعودية؟ أعوّل كثيرًا على الذائقة السعودية التي راحت في الآونة الأخيرة تشكل أبعادًا أخرى لاستقلالية الرأي، والإدراك لما هو بالفعل يستحق التأمل والوقت والاهتمام. الحركة الأدبية السعودية تُغربل نفسها بنفسها وتفطن لمواقع الخلل، وهي بخير طالما كانت تنبض بأنفاس المهتمين، والمتلقين المتميزين، وبرؤى النقاد المنصفين.

وما هو دور وموقع المرأة في هذا الحركة؟ الأسئلة التي تفصل المرأة عن الواقع المعاش في الحقيقة عادة لا ألتفت لها، ناهيك عن الحركة الأدبية! تقبض المرأة على أحد مجدافيّ القارب، كلما آمنت بنفسها، وبقدراتها، ورؤاها ستفضي المزيد من الإنجازات للحركات الإبداعية المحلية، والعربية، والعالمية، وتبث الثقة في رفيقها الممسك بالمجداف الآخر.

هل ترين أن ثمة تقاربًا في الأهداف بين "الرقص على أسنة الرماح" و"بنات الرياض"؟ أدع المقارنات للمتلقين، ولا أُسقط أي جدليات على مساحتي وطريقتي وأسلوبي. العمل الروائي يجب أن يُستقبل خارج أُطر "مشكلات المرأة"؛ لأنه لا يقدم دراسة اجتماعية، وليس مخوّلًا بحل أي معضلات اجتماعية، إذا تخلص المتلقي العربي من تأثير محدودية التلقي، والنظرة الضيقة للمرأة سيدرك تمامًا القيم، والجماليات المبذولة في إبداعها، وأحسب أن العكس صحيح أيضًا.

ما سر ذهابكِ إلى القصة القصيرة رغم صعوبة هذا اللون الأدبي؟ فكرة العمل الروائي القصير أو الطويل تستوفي معاييرًا ومعطيات خاصة بها، كأنها من ضمن مستلزمات وأسرار الروائي في داخل النص، الخط الدرامي، وذروة الأحداث، وملتقى خطوط الحبكة، جميعها من هذه المستلزمات، التي يجب أن تتناسب مع حجم الفكرة وتعدد طبقاتها. وفي "حليب وزنجبيل"، وقصة "رموش غنادير" وغيرها من القصص القصيرة، فقد أجبرتني الفكرة المختزلة على الانقياد لهذا الشكل الأدبي البديع، كانت لها شروطًا حادة كالسهام وهادئة كالظلال، انبعثت منها لذة أكثر اختلافًا.

لكل فكرة ثوبها الخاص

تتنقلين بين ألوان متنوعة من الكتابة ليعطيكِ مساحة أكبر في التعبير أم لمجرد التغيير؟ أؤمن بأن لكل فكرة ثوبها الخاص، ولكل ثوب زمنه وتوقيته الخاص ولغته المعالِجة. المقالات تبقيني على قيد الأحداث وعلى قمة الاطلاع، القصة القصيرة تبقيني على قيد التأمل، وجعبتي تجمع السهام، الرواية تبقيني على قيد الحياكة، وربط حيوات شخوص بيدي، فكما قلت، أُنزل المقارنات منزلها، وليس لها مكان هنا.

"مذكرات موظفة حلوة"

أخيرًا، هل ثمة من جديد بعد "كيرم"؟ كتاب للموظفات الجدد والشباب بعنوان "مذكرات موظفة حلوة"، يحكي قصصًا حول مسيرة الاختلاط بين الفصل والبدايات، ويضم عدة فصول عن تجارب حقيقية، وإشارات عملية لبعض الفتيات والسيدات، يجيء الكتاب لملائمة الحاجة الماسة في المكتبة العربية المعاصرة لموضوعات حول: "الأخلاق في العمل، السلوك، العلاقات المهنية، والإدارة".

حوار: محمد علواني