الذكرى الأولى لرحيله.. مكاوي سعيد مؤرخ وسط البلد وعاشق "البقعة المباركة"

حلت علينا الأحد الماضي الذكرى الأولى لرحيل الكاتب والروائي والسيناريست مكاوي سعيد، الذي غادر عالمنا قبل عام عن عمر ناهز 61 عامًا، تاركًا خلفه تراثًا عظيمًا وغنيًا من الروايات والقصص القصيرة، بالإضافة إلى إسهاماته في أدب الطفل.

عاشق "البقعة المباركة"

عُرف عن "مكاوي" حبه لوسط البلد وهامه بها، وقد عبّر عن هذا قائلًا: "أنا أحب القاهرة لأني وُلدت في عاصمتها الفخرية في منطقة وسط البلد، التي عشقت أماكنها وتاريخها وأرواح ساكنيها الراحلين التي تجوب طرقها أسبلتها كل ليلة، والمقيمين فيها الذين يتجولون ويتجادلون ويضيفون إليها أو ينتقصون منها، وكتبت عنها في كتابي "مقتنيات وسط البلد" وعندما أكتمل كتابي هذا أسميته القاهرة وما فيها" هكذا تحدث الكاتب الروائي الراحل مكاوي سعيد، عن حبه لمنطقة وسط القاهرة الخديوية، باعتبارها "البقعة المباركة"، كما أطلق عليها.

إنه عمدة وسط المدينة، حارس مقاهيها، والقيمّ على مقتنياتها، الذي صُدم محبوه حينما انتابته أزمة قلبية منذ عام، وأبى أن تكون نهايته في المستشفى، وتمسك بالعودة إلى منزله، وهناك قضى ساعاته الأخيرة، ورحل، مخلفًا صدمة واسعة، ومفاجأة قاسية لمحبي كتابته، وأعماله الروائية، انتهت مسيرة مكاوي سعيد برحيله، وإن لم تنته سيرته، وتظل أعماله باقية، ويظل مقعده شاغرًا في مقهى البستان، بوسط البلد.

كان "مكاوي" شغوفًا باكتشاف منطقة وسط البلد، بل وتناولها عبر كتبه بشكل غير تقليدي، إلى جانب أنسنة العمارات الشاهقة والمباني الأثرية عبر توثيق الحكايات الشخصية لقاطنيها، انطلاقًا من خبرته مع أغلبهم.

صدرت لـ"مكاوي سعيد" ثلاث أعمال روائية، هي "السفينة"، عام 1991، و"تغريدة البجعة" عام 2007، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى، و"أن تحبك جيهان" التي صدرت عام 2015، وعدد من المجموعات القصصية، منها "البهجة تحزم حقائبها"، و"غرفة لم يدخلها رجل"، و"الركض وراء الضوء"، و"راكبة المقعد الخلفي"، وكتب تنتمي لأدب السيرة سواء سيرة الأماكن، أو سيرة الأشخاص، مثل "مقتنيات وسط البلد"، و"كراسة التحرير"، و" القاهرة وما فيها".

تأريخ وسط البلد

تظل كتب وأعمال مكاوي سعيد عن القاهرة ومنطقة وسط البلد، أحد أهم المراجع التي توثق لها، والتي كتبت القصص والحكايات الشعبية، والشخوص، والأفراد المارة، والعابرين بها، والمقيمين فيها، ففي كتابه "مقتنيات وسط البلد" الصادر في إبريل عام 2010، عن دار الشروق، يتناول مكاوي سعيد حكايات الأشخاص، وحكايات الأماكن، والمقاهي الشهيرة في وسط البلد، وهو كتاب مهم لا غنى عنه لأي كاتب، أو باحث يرغب في توثيق فترة من فترات وسط البلد، وكذلك لا غنى عنه لأي قاريء يرغب في قراءة التاريخ غير الرسمي للمدينة.

ويواصل مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها" النبش في تاريخ منطقة وسط البلد، وذاكرة قاطنيها الشخصية، وحكاياتهم، وكان قد انتهى من كتابة هذا الكتاب قبل رحيله بأيام، وتسليمه إلى ناشره الدار المصرية اللبنانية، وكتب في مقدمته للكتاب أنه كتبه امتنانًا لهذه البقعة المباركة التي عشنا فيها، وتنسمنا نسيمها وارتوينا من عشقها وعاصرنا تحولاتها وتأسينا على ما يجري لها".

فٌتن "مكاوي سعيد" بماكسيم جوركي، الكاتب الروسي الكبير، لأنه عبرّ خلال قصصه عن الواقع الروسي، ومعاناة الفلاحين والعمال هناك، يقول مكاوي سعيد في حوار معه: "شعرت بأن هذه القصص تغنيني عن قراءة أي كتب تاريخية، أو اجتماعية في هذا الموضوع".

خدعة الزمن

كان مكاوي سعيد يشعر أن الزمن سرقه، إذ عاش فترة طويلة متوهمًا أنه لم يزل متخرجًا من الجامعة منذ عام أو عامين، وكان غير مهتم بالنشر، بل إن إحساسه بامتداد الأيام أمامه جعله ينشر على فترات متباعدة، ويهتم بالكتابة التليفزيونية الوثائقية، ثم فجأة اكتشف أنه اقترب من الخمسين فتنبه، ووجد أن موقعه على خريطة الأدب العربي لا ترضيه، ولا يتوافق مع حلمه الذي رافقه بعد التخرج.

نشر مكاوي سعيد مجموعته الأولى "الركض وراء الضوء" عام 1981، وتسببت وفاة يحي الطاهر عبد الله الفجائية أن يشعر أن الكتابة لا جدوى من ورائها، فتوقف طويلًا، وانشغل بوظيفته كمحاسب، واكتفى بأن يضع ما يكتبه في درج مكتبه، ودعم هذا التوقف ما كان يلاقيه الكتاب من معاناة وعقبات في طريق النشر في مؤسسات الدولة، لأن دور النشر لم تكن قد وُجدت بعد.