التنمر في مكان العمل.. المرأة في مواجهة عاصفة الإساءة

"التنمر في مكان العمل"، ما الأفكار التي قد تخطر ببالك عندما تقرأين أو تسمعين هذه الكلمات؟ لقد عانى معظم السيدات – إن لم يكن جميعهن – من التنمر كأطفال أو في مرحلة المراهقة. ونحن نعلم جيدًا ما يمكن أن يفعله المتنمر لتدمير ثقة المرأة بنفسها، أو حتى تدمير سعادتها.

ومع ذلك، هل تعلمين أن التنمر لا يتوقف في مرحلة الطفولة؟ فقد يتم حمله حتى مرحلة البلوغ وغالبًا في أماكن العمل. بالنظر تحديدًا إلى تجارب السيدات مع التنمر في مكان العمل، فقد أشار ميتسونوري ميساوا، وجوزي أندروز، وكاثي جينكينز في ورقة بحثية عن تحليل محتوى التجارب مع هذا النوع من التنمر، أن السيدات هن الهدف الأساسي له.

التنمر في مكان العمل

لفت المؤلفون إلى أنه وفقًا لمسح التنمر في العمل الذي أجراه معهد Workplace Bullying في عام 2017، فإن معظم الموظفين يقرون بأن التنمر يحدث في مكان العمل وأن ما يقرب من 20% قد تعرضوا له أو رأوه يحدث.

اكتشف المعهد أيضًا أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المتنمرين في مكان العمل هم من الرجال، وأن 60% من هذا الجزء يستهدف النساء، وأن أكثر من ثلثي النساء اللاتي يمارسن التنمر على غيرهن أيضًا.

حلل ميساوا وزملاؤه أسباب التنمر في العمل؛ لتحديد جوانب معينة من تجارب النساء؛ حيث تشمل هذه الجوانب الخصائص القائمة على النوع الاجتماعي، وكيف أثر التنمر في حياة المرأة، والإجراءات التي اتخذتها النساء في الرد على التنمر. وبالفعل كانت العديد من النساء اللواتي تعرضن للتنمر في مناصب يفضل فيها ميزان القوى المتنمر. غالبًا ما واجهوا السخرية أو الرفض الاجتماعي.

قد يهمك: متى يجب أن يتدخل الآباء والأمهات بين المراهق وهاتفه؟

وللتعامل مع التنمر في مكان العمل، اعترفت النساء بالابتعاد عن الموقف أو إنكاره تمامًا، ووصل الأمر إلى التضرع إلى الله بالدعاء لإنقاذهن من المتنمرين.

يؤثر التنمر في مكان العمل على الصحة العقلية والجسدية للمرأة، وعلاقاتها الاجتماعية والعملية، وبيئة عملها. ويجب القضاء على التنمر؛ لكن أماكن العمل تحتاج أولًا إلى إدراك وجودها، ثم يحتاجون إلى تثقيف مديريهم ووضع سياسات وإرشادات واضحة ضد التنمر؛ من خلال التدريب المناسب.

وفي هذه الحالة، سيعرف العاملون ما يجب عليهم فعله عندما يواجهون حالة تنمر؛ لتوفير بيئة عمل أكثر أمانًا بالنسبة للمرأة خاصة، والذين تعرضوا إلى التنمر في مكان العمل عامة.

ونظرًا لخطورة التنمر، تنظم المملكة المتحدة حدثًا سنويًا يُعقد في الأسبوعِ الثالثِ من شهرِ نوفمبر، ويهدفُ إلى رفعِ مُستوى الوعي، وتسليطُ الضوء على طرقِ منعه.

التنمر آفة إجتماعية

من جهتها، أكدت الدكتورة إيمان عبدالله؛ خبيرة علم النفس في حديثها الحصري لـ "الجوهرة"، أن هناك دراسة تقول إن النساء اللواتي يشغلن منصبًا قياديًا في الشركات، يمكن للرجل في المناصب الأعلى منهن شأنًا أن يضعهن تحت ضغط كبير، وبالتالي عرضة للتنمر؛ حيث جاءت النسبة مرتفعة وتتراوح بين 60 إلى 75% من النساء العاملات.

كما أن هناك دراسة تقول إن 19% من الموظفين يتعرضون للتنمر بشكل يومي ولا يتحدثون عما يحدث لهم؛ خشية فقدان الوظيفة، و60% من المدراء يتعرضون للتنمر أيضًا.

قالت الدكتورة إيمان: "مازال التنمر في العمل آفة اجتماعية جبارة تهدد أمن المرأة وسكينتها، لذا يجب أن تعزز ثقتها بنفسها، ويجب أن تعرف جيدًا أنه يمكنها الوصول إلى المناسب، ولا تعطي بالًا إلى المتنمرين، فقط يمكنها التركيز على أحلامها وطموحاتها والمضي قدمًا للأمام"، مضيفة أن التنمر ينطبق على أي سلوك وأي لفظ ويمكن أن يتسبب في جراح نفسية عميقة، وقد يتسبب في انعزال المرأة وفشل في أدائها بالعمل، وتدهور حالاتها النفسية، والذي ينعكس بالضرورة على أحلامها، إلى جانب بعض الاتهامات التي قد تواجهها بسببه.

وأضافت: "المرأة تعاني فعلًا من التنمر في مكان العمل، ويأتيني العديد من الحالات اللواتي يعانين من ذلك؛ حيث يمتلكن الأفكار المتجددة، والرؤية الواضحة للعمل، لكن كل واحدة منهن ترد أن تترك عملها نهائيًا بسبب التنمر والظلم الواقع عليها".

واستطردت: "النساء في مناخ العمل الذكوري يتولد نوع من العدوانية ضدهم، فضلًا عن وجود بعض الاستثناءات التي تدعم الرجل على حساب المرأة، وبالتالي نجد الكثير من السيدات لا تصل إلى مناصب إدارية بسبب ذلك، إضافة إلى النظرة الدنيوية لها، وعدم الثقة في قدرتها المهنية، رغم أن الكثير من المتغيرات الأخيرة في العالم شهدت على تنافسية المرأة ومهاراتها في تقديم أفكار جديدة في العمل".

اضطهاد المرأة

وأشارت إلى أنه لا يؤخذ برأي المرأة، رغم أنها وصلت إلى أعلى المناصب، فهناك مؤسسات عالية تجمع أشخاص يعملون على التنمر عليها فقط، رغم المساواة بينهما، لذا لابد أن يكون هناك خطًا ساخنًا للمرأة لدعمها، والتحقيق بشأن كل من يعرضها للتنمر؛ لضمان نيله العقاب وهذا ما يقلل التنمر في أماكن العمل.

التنمر في مكان العمل

وأوضحت الدكتورة إيمان أن التنمر في مكان العمل يتخذ العديد من الأشكال قد تصل إلى فترة بعد الدوام، فهناك من يرسل الكثير من الرسائل على الهاتف خلال المساء، أو هناك من يطرح آلاف الأسئلة عليها دون جدوى وتكرارها بشكل مستمر، كما يجب أن تحدد المرأة نوع التنمر الواقع عليها سواء باللفظ أو بالعدوان أو غيره؛ وهنا يجب أن تتخذ خطوة إيجابية وإجراءات قانونية بعد إنذارهم؛ حتى يمكن التحقيق بشأن المتنمر، فرد الفعل من المرأة واجبًا عليها.

وأضافت: التنمر في العمل يتمثل في طرق السخرية من المرأة، أو التبلي عليها بأحد الأكاذيب، أو الانتقاد المستمر بسبب نجاحها، فضلًا عن بعض السلوكيات السيئة الكثيرة قد تضرها، عن طريق العدوان الآثم عليها سواء بنشر أكذوبة ما، أو خداعها لسرقة بعض الأوراق المهمة، أو التحايل على البريد الإلكتروني، ويتسبب ذلك في الأخيرة إلى تركها للعمل، أو التقدم بطلب نقل.

إفساد خطط المتنمر

أكدت الدكتورة إيمان عبدالله أن التجاهل يلعب دورًا مهمًا في إفساد خطط المتنمر، وذلك من خلال عدم الرد عليه، وإن تطلب الأمر يمكن الاستعانة بشهادة الزملاء الذين شاهدوا المواقف التي تتعرض إليها المرأة لأساليب التنمر في العمل. وفي ختام حديثها، شددت من تأثير التنمر في مكان العمل على صحة المرأة؛ حيث قالت: "تحذر العديد من الدراسات العالمية من الآثار السلبية التي قد تقع على المرأة بسبب التنمر في العمل، علمًا بأن هذا السلوك قد يؤذيها، لأنه يجعلها تفقد صحتها الجسدية والنفسية ويمكن أن تصاب بالأرق، الإرهاق، والإعياء الشديد، إلى جانب الشدائد النفسية التي قد تواجهها، كما يفقدها حيويتها وشبابها".

واختتمت إيمان عبدالله كلامها مؤكدة أن هناك بعض القوانين التي بدأت تدرس كيفية التعامل مع هذه الحالات، وعدم رد الإساءة بالإساءة، لأن ذلك يحول المرأة بالأخير إلى متنمرة، فلا مفر من ردود الأفعال الإيجابية مع التمسك بحقها في التعامل وفقًا لمؤهلاتها، ومهاراتها، وقدراتها، ولا يجب أن تنسى أبدًا أن التنمر كالتحرش يعتبر جريمة، ويجب أخذ الإجراءات كافة ضده، وتأمين نفسها من تبعاته.

اقرأ أيضًا: تطوير الذات.. حقيقة أم وهم تنمية بشرية؟