مع تفشي جائحة كوفيد 19، عاش العالم إقبالًا محموما على المنظفات بمختلف أنواعها. واعتبرها الجميع تقريبًا وسيلة الإنقاذ من هذا الفيروس الجديد، غير المفهوم كيف ينتقي ضحاياه.
إلا أنه ومع هذا الاستخدام غير المسبوق لأنواع المنظفات سواء الشخصية أو المنزلية. بدا أن هناك سؤالا مهما يتعين طرحه وهو: هل فكرنا يومًا في أن هذه المنظفات. التي استخدمناها بحسن نية، للحماية من كورونا، لها مخاطر صحية ضخمة ومؤثرة؟
زيادة منتجات التنظيف
ووفقًا لـ”bbc”، كشفت دراسة فنلندية عن أن زيادة كبيرة في استخدام المنظفات خلال جائحة كوفيد-19. فيما ارتفع عدد مرات التنظيف. وكمية المنتجات المستخدمة بنسبة تجاوزت 70%.
وبينما تملك هذه المنتجات قدرة جيدة في القضاء على البكتيريا الضارة. تشير أدلة علمية متزايدة إلى أنها قد تزيد أيضًا من تعرضنا لملوثات كيميائية ضارة في الهواء، وجزيئات دقيقة.
وفي سياق متصل أكدت “إيميلي باتشيكو دا سيلفا”، الباحثة المتخصصة في تأثير المطهرات ومنتجات التنظيف على الربو. أن استخدام هذه المنتجات يعد أحد عوامل الخطر المسببة لمرض الربو. كما أن هناك ضرورة لتغيير طريقة استخدامنا لهذه المنتجات بشكل يسهم في تقليل خطر الإصابة بهذا المرض وتخفيف أعراضه.

مخاطر المنظفات
وخلص علماء في عام 2024، بعد تحليل عشرات الدراسات، إلى أن منتجات التنظيف المنزلية تضر بصحة الجهاز التنفسي. خاصة تلك التي تستخدم على شكل رذاذ. كما تبين أن هذا الرذاذ يزيد من خطر الإصابة بالربو. ويفاقم حالات الربو الموجودة فعلا، ويؤدي إلى صعوبة السيطرة عليه لدى البالغين.
علاوة على ذلك فإن هذه المنظفات تصيب الأطفال بالصفير، وهو ما يرجع إلى أن المواد الكيميائية في البخاخات تنتشر بسهولة في الهواء. مما يزيد من احتمالية استنشاق كميات أكبر منها. كما ربطت بعض الدراسات بين تعرض الحوامل لمنتجات التنظيف، وظهور صفير مستمر لدى أطفالهن في مرحلة الطفولة المبكرة، مشيرة إلى أن الأطفال قد يكونون أكثر عرضة للخطر بسبب سرعة تنفسهم.
ولعل أحد الأسباب الرئيسية لهذه المخاطر هو أن استخدام منتجات التنظيف ينتج مركبات عضوية متطايرة (VOCs)، التي يمكن أن تهيج الأذن والأنف والحنجرة.
وتؤكد “نيكولا كارسلو”، أستاذة كيمياء الهواء الداخلي وجود أدلة كافية تثبت أن منتجات التنظيف ضارة لبعض الأشخاص. خاصة مع الاستخدام المفرط. مشيرة إلى أن تحديد المواد الكيميائية المحددة المسؤولة عن هذا الضرر لا يزال أمرًا صعبًا.
ومع ذلك، هناك بعض المواد الكيميائية المعروفة بمخاطرها الأكبر، مثل: الكلور والأمونيا وحمض الهيدروكلوريك والكلورامين وهيدروكسيد الصوديوم. التي تعتبر مواد مهيجة وتفاعلية. وقد تتسبب في تلف الأنسجة عند استنشاقها.
في المقابل، شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة في الطلب على منتجات التنظيف “الطبيعية” أو “الخضراء”. التي تدعي أنها خالية من المواد الكيميائية الصناعية وأكثر صداقة للبيئة.
فيما خلص الباحثون إلى أن هذه المنتجات التي تحتوي على مكونات قابلة للتحلل البيولوجي تبدو أقل ضررًا من المنتجات التقليدية. على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد تأثيرها على صحة الجهاز التنفسي.
منتجات بديلة
وقد وجدت باتشيكو دا سيلفا في دراستها أن استخدام المنتجات “الخضراء” والمنزلية الصنع قد يكون أقل ضررًا لمرضى الربو. بينما قد يكون استخدام المناديل المبللة ضارًا. ومع ذلك، تشير إلى عدم وجود تعريف موحد لمنتجات التنظيف “الخضراء”، مما قد يؤثر على نتائج الدراسات.
كما تحذر كارسلو من أن بخاخات التنظيف “الخضراء” ليست بالضرورة أفضل. حيث إن أجسامنا لا تميز بين المكونات الطبيعية والصناعية، وقد تحتوي على مواد كيميائية عطرية بكميات مماثلة لتلك الموجودة في المنتجات التقليدية. وتوضح أن بعض المكونات الطبيعية مثل الليمونين يمكن أن تتفاعل وتنتج مواد ضارة مثل الفورمالديهايد.
يلجأ البعض إلى استخدام منتجات التنظيف المنزلية اعتقادًا بأنها أكثر صحة. ولكن لا توجد وصفة رسمية لهذه المنتجات، والمعلومات حول الاستخدام الآمن لمكوناتها الفعالة محدودة.
بالإضافة إلى ذلك، يثير العلماء مخاوف بشأن مساهمة الاستخدام المكثف لمنتجات التنظيف المضادة للبكتيريا في مقاومة المضادات الحيوية. وهي مشكلة عالمية تهدد قدرتنا على علاج الالتهابات البكتيرية. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن استخدام هذه المنتجات قد يؤدي إلى تفاعل متبادل مع بعض المضادات الحيوية، مما يقلل من فعاليتها.
مخاطر منتجات التنظيف على الأطفال
وتشير فرضية النظافة إلى أن تعرض الأطفال المبكر للبكتيريا والفيروسات قد يعزز مناعتهم، وهو ما قد يتعارض مع الإفراط في استخدام المنتجات المضادة للبكتيريا. وقد وجدت دراسة أجرتها إيلين لارسون عدم وجود فرق في أعراض الجهاز التنفسي بين العائلات التي استخدمت منتجات مضادة للبكتيريا. وتلك التي استخدمت منتجات تقليدية. مما يشير إلى أن الاحتكاك الناتج عن عملية التنظيف هو العامل الأهم، وليس بالضرورة وجود مكونات مضادة للبكتيريا في المنتج.
إذن، كيف يجب أن ننظف منازلنا بشكل صحي؟ ينصح العلماء بتقليل تعرضنا لمنتجات التنظيف واستخدامها فقط عند الحاجة، مع التأكد من تهوية المنطقة جيدًا وتجنب استخدام المكونات المهيجة.
وتؤكد “كارسلو” أن التنظيف ضروري للحد من انتشار الأمراض، ولكن يجب أن يتم مع فتح النوافذ لضمان تدفق الهواء. كما تنصح باستخدام المنظفات السائلة بدلًا من البخاخات لتقليل كمية المواد الكيميائية التي نستنشقها. وتجنب المنتجات التي تحتوي على الكثير من العطور المضافة.

قرارات هامة من وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)
في خطوة هامة لحماية الصحة العامة، أعلنت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) عن حظر استخدامات واسعة النطاق لمادتين كيميائيتين مسرطنتين شائعتي الاستخدام في كل من البيئات الصناعية والمنتجات الاستهلاكية اليومية.
وتشمل هذه المواد بيركلورو الإيثيلين (PCE)، المستخدم بشكل أساسي في عمليات التنظيف الجاف، وثلاثي كلورو الإيثيلين (TCE)، الذي يدخل في تركيب مجموعة متنوعة من المنتجات مثل مزيلات الشحوم، ومنظفات الفرامل، والمواد اللاصقة، وحتى بعض منتجات العناية بالأثاث.
تأتي هذه القرارات الحاسمة في إطار قواعد إدارة المخاطر الجديدة الصادرة عن الوكالة، والتي تقضي بالتخلص التدريجي من جميع استخدامات مادة TCE. مع حظر معظم المخاطر المحددة خلال عام واحد فقط. أما بالنسبة لمادة PCE. فقد وضعت الوكالة خطة طموحة للتخلص التدريجي من استخدامها في مجال التنظيف الجاف على مدى عشر سنوات قادمة.
وقد أكدت الوكالة على توفر بدائل أكثر أمانًا لمعظم استخدامات هاتين المادتين الكيميائيتين الضارتين.
ماهي مادة TCE و PCE؟
يعرف عن كل من TCE و PCE بأنهما من المذيبات غير قابلة للاشتعال، وقد ربطت الدراسات العلمية بين التعرض لهما، والإصابة بأنواع مختلفة من السرطان. فمادة TCE، على سبيل المثال، ارتبطت بسرطان الكبد والكلى والغدد الليمفاوية اللاهودجكينية. بالإضافة إلى تأثيراتها الضارة المحتملة على الجهاز العصبي المركزي والكبد والكلى والجهاز المناعي والأعضاء التناسلية، واحتمالية تسببها في عيوب خلقية في قلب الجنين.
وبالمثل، يعرف عن مادة PCE أنها تزيد من خطر الإصابة بسرطانات الكبد والكلى والدماغ والخصية. فضلاً عن ارتباطها بالسمية العصبية والتكاثرية وتلف الكلى والكبد والجهاز المناعي.