تعد مملكة كندة من أبرز الممالك العربية القديمة التي نشأت في قلب الجزيرة العربية، وتحديدًا في وسط إقليم نجد خلال العصر الجاهلي. أسستها قبيلة كندة بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الخامس الميلادي، واتخذت من قرية “ذات كهل”، المعروفة حاليًا باسم قرية الفاو، عاصمة لها، وهي تقع جنوب شرق مدينة الرياض، ضمن محافظة وادي الدواسر في المملكة العربية السعودية.
قرية الفاو
ووفقًا لـ”جريدة الرياض” كانت قرية الفاو مركزًا حضاريًا بارزًا، وتميزت بموقعها الإستراتيجي عند ملتقى الطرق التجارية القديمة. ما جعلها محطة عبور رئيسية للقوافل التجارية القادمة من الجنوب نحو الشمال والشرق. وقد لعبت دورًا محوريًا في النشاط الاقتصادي والثقافي والسياسي في وسط الجزيرة العربية، وكانت حلقة وصل بين حضارات سبأ، ومعين، وحضرموت، وحمير، وبين مناطق الخليج العربي، وبلاد الرافدين، وبلاد الشام.
الاكتشافات الأثرية
بدأ الاهتمام الأثري بقرية الفاو في أربعينيات القرن الماضي. حين لفت موظفو شركة أرامكو الأنظار إليها، ثم توالت الجهود حتى انطلقت أعمال التنقيب الأثري رسميًا عام 1972م. وأسفرت الحفريات عن اكتشافات ضخمة، شملت معابد، وقصور، ومقابر، ونقوشًا مكتوبة بخط المسند ولغات قديمة أخرى.
كشف الموقع عن تفاصيل معمارية رائعة، منها المنازل السكنية. والأسواق، والطرقات، وآبار المياه (17 بئرًا)، بالإضافة إلى جبلٍ ضخم شرق المدينة يحتوي على كهوف ونقوش صخرية مميزة.
وفي منطقة السوق، لا تزال آثار التخزين وأفران الخبز وبقايا المنشآت التجارية ظاهرة رغم التآكل الذي أصاب الجدران.
ومن أبرز ما تم اكتشافه أيضًا نظام ري متقدم، يعتمد على مئات الخزانات الأرضية التي استخدمها سكان الفاو لتخزين مياه السيول، وهو ما مكنهم من التغلب على الظروف المناخية القاسية والجفاف في واحدة من أشد البيئات الصحراوية في العالم.
موقع لغوي متميز
تكتسب قرية الفاو أيضًا أهمية لغوية كبيرة. حيث تحتوي على الشهادة الأولى والوحيدة للغة العربية القديمة، ممثلة في نقشٍ مكتوب بالخط السبئي يعود إلى القرن الأول الميلادي؛ ما يجعلها مرجعًا مهمًا للباحثين في تاريخ اللغة العربية.
جهود المملكة في إحياء التاريخ
تسعى المملكة العربية السعودية حاليًا إلى إعادة إحياء قرية الفاو الأثرية. باعتبارها واحدة من أكبر وأهم المواقع التاريخية في البلاد. فقد كانت هذه القرية عاصمة مملكة كندة الأولى. التي لعبت دورًا مؤثرًا في تاريخ الجزيرة العربية من منتصف القرن الأول قبل الميلاد حتى بداية القرن الرابع الميلادي، وازدهرت فيها التجارة، والثقافة، والحياة السياسية.
وأدى موقعها الإستراتيجي إلى سيطرتها على الطرق التجارية. حيث لم تكن القوافل تستطيع متابعة طريقها دون المرور بها. ما جعلها مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا لا غنى عنه.
الاعتراف العالمي
نتيجة لأهميتها التاريخية والثقافية، أدرجت منظمة اليونسكو قرية الفاو مؤخرًا ضمن قائمة مواقع التراث العالمي. لتصبح بذلك ثامن موقع سعودي يحظى بهذا التقدير الدولي، تأكيدًا على قيمتها التاريخية وثرائها الحضاري.
تجسد مملكة كندة وقرية الفاو مرحلة ذهبية من تاريخ الجزيرة العربية. حيث ازدهرت فيها الحضارة في قلب الصحراء. واليوم، تعود هذه المدينة العريقة لتحتل مكانها المستحق على خريطة التراث العالمي. شاهدةً على عبقرية الإنسان العربي القديم وقدرته على التكيف والبناء في أقسى الظروف.





















