يحظى قصر المصمك الذي يقف شامخًا في قلب العاصمة الرياض. بمكانة تاريخية خالدة ارتبطت بالذاكرة الوطنية للمملكة، ويمثل معلمًا بارزًا بجذوره الراسخة، وبعراقة بنائه الفريد.
قصر المصمك
ويظل “المصمك” صرحًا شاهدًا يختزل قصة بطولة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله–. فمن على أرضه ومن أبوابه انطلقت رحلة توحيده للبلاد، وبناء مسيرة الوحدة والاستقرار التي امتدت لعقود حافلة بالتنمية والتطوير في جميع أنحاء المملكة. أكملها من بعده -رحمه الله- أبناؤه البررة -رحمهم الله- وصولًا للعهد الزاهر في ظل رعاية وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-.
وتعود قصة بناء قصر المصمك إلى عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود، الذي شرع في تشييده عام (1282هـ – 1865م)؛ ليكون القصر الكبير في الرياض. وفقًا لوكالة الأنباء السعودية “واس”.
9 بوابات لقصر المصمك
ووفق ما ذكرته دارة الملك عبدالعزيز، أطلق عليه “المصمك” نسبة لمواصفات بنائه السميكة والمرتفعة. ليظل شامخًا لأكثر من 150 عامًا، متربعًا وسط الرياض القديمة التي تقطعها ممرات مهمة ومحاطة بسور طيني يبلغ ارتفاعه 20 قدمًا. وله تسع بوابات هي: الثميري، والسويلم، ودخنة، والمذبح، والشميسي، والظهيرة، والقري، وعرعير، ومصدة.
ويبرز “المصمك” ببنائه الطيني القديم وسط المباني الحديثة والطرق المعبّدة التي تجاوره. محيطة بأركانه وجدرانه إضاءات بألوان الذهب تعكس للناظر “حينما يدنو النهار”. هيبة حضور القصر الذي وصفه المعماري البريطاني المعروف كريستوفر ألكسندر بأنه “الغموض الممتع” الذي يدفعك إلى المشاهدة ومحاولة الاكتشاف؛ حيث جمع “المصمك” في تصميمه ما بين الصرح العمراني العريق وتكوين العمارة التقليدية.
الموروث المعماري
وبني “المصمك” من اللبن والطين الممزوج بالقش. أما الأساس فقد بني من الحجارة، وكسيت جدرانه الخارجية والداخلية بلياسة من الطين. فيما كسيت أعمدته ومداخل أبوابه بطبقة من الجص. واستخدم في تغطية أسقفه خشب جذوع شجر الأثل، والجريد. وسعف النخل المغطى بطبقة من الطين. ليبرز هذا الموروث المعماري البسيط أهمية “المصمك” كحصن دفاعي من جهة، وكوسيلة لترسيخ عُمق الهوية السعودية من جهة أخرى.
وبرزت جليًا عناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بقصر المصمك والمواقع التاريخية. منذ أن كان أميرًا للرياض لمدة تتجاوز 5 عقود. نظرًا للأهمية التاريخية والدور البارز “للمصمك” في مسيرة توحيد الدولة. حيث يحرص -حفظه الله- على زيارته وتفقده والتجول في أرجائه. ومنها المسجد، والمجلس (الديوانية)، والفناء الرئيس والأفنية الأخرى المكشوفة. والدور العلوي، وبعض قطعه الأثرية؛ ليؤكد ذلك قيمته الكبيرة كونه أحد أبرز معالم المملكة السياسية والتاريخية والاجتماعية.
أمانة مدينة الرياض
وفي عام 1399هـ، قامت أمانة مدينة الرياض بوضع خطة ترميم شاملة للحصن. وأجريت له إصلاحات عامة من الداخل والخارج اكتملت عام 1403هـ، فصدرت توجيهات المقام السامي بتسليمه إلى الإدارة العامة للآثار والمتاحف. تبعها توجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حين كان حفظه الله أميرًا لمنطقة الرياض آنذاك-. بتحويل المصمك إلى متحف متخصّص عن مراحل توحيد وتأسيس المملكة، ليتم افتتاحه من لدنه -حفظه الله- في الثالث عشر من شهر محرم عام 1416هـ.
وخلال زيارته -حفظه الله- متحف المصمك التاريخي بالرياض عام 2012م. واطلاعه على العروض المتحفية قال -أيده الله-:”من هذا المكان (المصمك) بدأ توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز ورجاله الذين لا يتجاوز عددهم الـ63 فردًا. فتمت الوحدة، ولله الحمد على كتاب الله وسنة رسوله”.
أعمدة طينية سميكة
ويميز قصر المصمك بوابته الخشبية الرئيسة الواقعة في الجهة الغربية للمبنى على ارتفاع 60ر3 أمتار وعرض 65ر2 متر. وبسمك 10 سنتيمترات. ويوجد على البوابة ثلاث عوارض يصل سمك الواحدة منها نحو 25 سنتيمترًا. وفي وسطها فتحة ضيقة تسمى “الخوخة”، وعند عبور الزائر هذه البوابة لدخول القصر. يلفت نظره في الجهة اليسرى “المسجد” الذي يحتوي على عدة أعمدة طينية سميكة. وفي جدرانه أرفف متعددة للمصاحف، إضافةً إلى محراب مجصّص وفتحات للتهوية في السقف والجدران.
وشملت أعمال تطويره، خطة تطوير العروض المتحفية فيه، لترتفع أجنحة “المصمك” من 5 إلى 10 أجنحة تحتوي على أكثر من 17 قاعة، تحكي تاريخ فِنائه، وزمن استرداد الرياض، واقتحام “المصمك”، والروّاد، والرياض القديمة، والمصمك واستخداماته، والقاعة الأخيرة، وفناء البئر، والعروض المؤقتة، علاوة على قصة توحيد المملكة وإنجازات الملك عبدالعزيز – رحمه الله – مزودة بالصور والخرائط والمجسمات والأفلام التوضيحية.
محطة لزيادة الطاقة الكهربائية بالقصر
وضمن خطة هذه الأعمال أنشئت محطة لزيادة الطاقة الكهربائية بالقصر، واستخدام أساليب إضاءة حديثة داخل قاعاته وغرفه، علاوة على تكييف المبنى وفق أرقى أنظمة التكييف المخفية، وتركيب مظلات في بعض مساحاته لحجب الشمس والغبار عن الزائرين، وتركيب شاشات عرض تلفزيونية في بعض القاعات والأبراج، وتأثيث الديوانية، وتجهيز قاعة لاستقبال كبار الزوّار.
وأعيد تأهيل الأفنية الداخلية للمصمك، مثل: فناء البئر، بشكل جديد مع الاحتفاظ بمعالمه التاريخية القديمة، كما تم وضع مدفع قديم في مدخل الفناء، وبعض الأحواض الحجرية، إلى جانب معالجة بعض الأسقف الخشبية، وتصريف المياه الأمطار، واستبدال المزاريب المنكسرة، وتخصيص متجر لبيع الهدايا التذكارية للزوّار، وتجهيز مقهى لتناول القهوة السعودية في القصر وبعض المأكولات الشعبية.