فن الإتيكيت.. أخلاق راقية من روح الإسلام

قد يظن البعض أن “فن الإتيكيت” مفهوم غربي نشأ في المجتمعات الحديثة، لكنه في الحقيقة جزء أصيل من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف. فالإسلام سبق العالم كله في ترسيخ مبادئ الذوق واللباقة والاحترام المتبادل، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

فالإتيكيت في جوهره ليس إلا ترجمة عملية للأخلاق الحسنة، التي دعا إليها الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا، لتكون سلوكًا يوميًا يعبّر عن حسن التعامل مع الله والناس والنفس. وفقا لما ذكره موقع العربية.

الإتيكيت.. سلوك إيماني قبل أن يكون اجتماعيًا

الإسلام جعل حسن الخلق عبادة، وربط بين الأدب والإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا”. فالمسلم الذي يتعامل بذوق واحترام، ويضبط كلامه وتصرفاته، إنما يعكس صورة الدين في أبهى صورها.

فالإتيكيت الحقيقي لا يكتسب من كتب أو دورات، بل ينبع من قلبٍ مؤمنٍ يعرف أن الله مطّلع عليه في كل قول وفعل.

التحية والكلمة الطيبة.. أول دروس الإتيكيت الإسلامي

قال الله تعالى: “وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” [النساء: 86]. فالإسلام جعل التحية بداية كل تواصل إنساني راقٍ، تبدأ بالسلام الذي يحمل في طياته الأمن والطمأنينة والمحبة. والكلمة الطيبة هي مفتاح القلوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة”.

إذن، أول إتيكيت نتعلمه في الإسلام هو التحية بلطف، والحديث بطيب القول، والابتسامة التي تزرع الود في النفوس.

إتيكيت الحديث.. أدب اللسان عنوان العقل

من أروع ما أرشد إليه الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.

الإتيكيت في الحديث يعني أن:

  • لا نقاطع غيرنا أثناء كلامه.
  • نخفض الصوت وننتقي الألفاظ الطيبة.
  • نتجنب الغيبة والسخرية والتنمر اللفظي.
  • نترك للآخر فرصة التعبير دون استهزاء أو تهكم.

فالأدب في الكلام هو مرآة النفس، وكل كلمة محسوبة في ميزان الخلق والإيمان.

إتيكيت التعامل.. احترام الكبير ورحمة الصغير

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا”. هذه القاعدة الذهبية تختصر جوهر الإتيكيت في التعامل الإنساني.

فالمسلم الحق يظهر الاحترام لكل من حوله، سواء في البيت أو العمل أو الشارع، ويتعامل برحمة وتواضع، دون تكبر أو إساءة. ومن مظاهر الإتيكيت الإسلامي:

  • إفساح الطريق للآخرين.
  • عدم التحدث بصوت مرتفع في الأماكن العامة.
  • التبسم في وجه الناس ولو كانوا غرباء.
  • مساعدة من يحتاج دون منٍّ أو تفاخر.

إتيكيت المائدة.. آداب الطعام من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

الإسلام جعل للطعام آدابًا تسبق وترافق وتنهي الأكل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك”. ومن آداب المائدة الإسلامية:

  • غسل اليدين قبل الطعام وبعده.
  • الأكل بهدوء دون إسراف أو ترف.
  • شكر الله على النعمة، وعدم التذمر من نوع الطعام.
  • عدم النظر في أطباق الآخرين أو انتقاد طعامهم.

فالإتيكيت هنا ليس ترفًا، بل عبادة تنمّ عن شكر النعمة واحترام من حولك.

إتيكيت المظهر والنظافة.. الجمال عبادة

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال”. النظافة والاعتناء بالمظهر من صميم الدين، لا من باب التفاخر، بل لأنها تعكس احترام الإنسان لذاته ولمن حوله.

  • اغسل يديك واهتم برائحة فمك وثيابك.
  • ارتدِ ما يناسب المكان والزمان دون إسراف أو ابتذال.
  • اجعل مظهرك رسالة عن رقيّ داخلك لا عن غرورك.

الإتيكيت في العلاقات الاجتماعية.. رقي في التعامل ورحمة في القلب

الإسلام علّمنا أن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده”، أي أن جوهر الإتيكيت هو عدم الأذى. فمن فنون التعامل الراقي في ضوء الإسلام:

  • احترام الخصوصية وعدم التطفل على الآخرين.
  • زيارة الناس في الوقت المناسب وبالنية الطيبة.
  • تقديم الهدية ولو بسيطة، “تهادوا تحابّوا”.
  • التماس الأعذار للآخرين، وحسن الظن بهم.

الإتيكيت في العصر الحديث بروح إسلامية

حتى في زمن التكنولوجيا، الإسلام يرشدنا إلى أدب التواصل الإلكتروني:

  • لا ترسل ما يزعج الآخرين.
  • لا تنشر صور أو أخبار تخص غيرك دون إذن.
  • استخدم كلمات لائقة في المراسلات والتعليقات.
  • كن صادقًا ومحترمًا كما لو كنت وجهًا لوجه.

فالمسلم لبق في العالم الواقعي كما هو في العالم الرقمي.

اقرأ أيضًا: جمعية الثقافة والفنون تنظم عرضًا مسرحيًا بعنوان” الرحمة”

وفي النهاية، فن الإتيكيت ليس قناعًا نرتديه أمام الناس، بل سلوك ينبع من قلبٍ مؤمنٍ يحمل الرحمة والاحترام. هو تطبيق عملي لقوله صلى الله عليه وسلم: “وخالق الناس بخلقٍ حسن”.

فكل ابتسامة صدقة، وكل كلمة طيبة عبادة، وكل تصرف راقٍ هو شهادة على جمال هذا الدين.

الرابط المختصر :