كثيرًا ما نتساءل: لماذا يؤذينا من نحبهم أكثر من غيرهم؟ كيف يمكن لمن منحناهم قلوبنا وثقتنا أن يكونوا سبب ألمنا الأكبر؟ سؤال يتكرر كثيرًا، وتجيب عنه دراسات علم النفس بتفصيل عميق عن طبيعة العلاقات الإنسانية ومكامن الألم فيها.
عندما يأتي الأذى من القلب نفسه
تشير عالمة النفس فاليريا ساباتر في تقرير لمجلة «La Mente es Maravillosa» الإسبانية إلى أن هناك نوعًا من الألم لا يشبه أي وجع آخر، ألم يخترق الحواس كلها ويصل إلى أعماق القلب وهو الأذى الذي يأتينا من الأحبة. فعندما يقابل الحب بالقسوة، أو الاهتمام بالتجاهل، تكون الصدمة مؤلمة لأن مصدرها هو من كان يفترض أن يكون الأمان.
ألم الحب العميق لا يشفى بسهولة
ووفقًا لـ”ajnet” يقول الشاعر البريطاني جورج غرانفيل: “لا يوجد ألم في الحياة أكثر تدميرًا من ذلك الذي يسببه الحب.”
فالعلاقات الإنسانية لا تزدهر إلا بالثقة والدعم العاطفي، وعندما تخترق هذه الثقة، يكون الألم النفسي أشد من الألم الجسدي. والسبب هو أن توقعاتنا من الأحبة تكون عالية، فنظن أنهم لن يؤذونا أبدًا، لكن الواقع قد يخالف التوقعات.
اتفاق غير مكتوب بين القلوب
كل علاقة سواء كانت حبًا أو صداقة أو رابطة عائلية تقوم على ميثاق ضمني: ألا نؤذي من نحب. لكن حين تكسر هذه القاعدة، نشعر بالخذلان العميق.
فالأب الذي يميز بين أبنائه، أو الصديق الذي يفشي الأسرار، أو الحبيب الذي يتجاهل مشاعر شريكه كلهم يكسرون ذلك الميثاق الصامت.
الاحتياج العاطفي… بوابة الأذى
يوضح الدكتور مانويل هرنانديز باتشيكو من جامعة مالاغا أن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى التعلق بالآخرين ليشعر بالأمان والانتماء. لكن هذه الحاجة قد تتحول إلى نقطة ضعف، خصوصًا في الطفولة والمراهقة.
فمن يُرفض أو يُهمل من أقرب الناس إليه، يتعرض لضرر نفسي كبير قد يمتد لسنوات طويلة، ويجد صعوبة في الثقة مجددًا.
العلاقات المسمومة… حب مؤلم لا يترك
رغم معرفة بعض الناس بأنهم يتأذون من علاقاتهم، إلا أنهم يعجزون عن إنهائها. قد يكون السبب هو الاعتماد العاطفي، أو الخوف من الوحدة، أو ضعف التقدير الذاتي.
وهنا يصبح الحب سجنًا نفسيًا، لا مفر منه إلا بالوعي والشجاعة.
حين تتحول اللامبالاة إلى جرح
هناك من يظن أن بإمكانه التصرف كما يشاء دون أن يراعي مشاعر الطرف الآخر. فصديق يكشف أسرارنا معتقدًا أننا سنغفر، أو شريك يتخذ قرارات مصيرية دون استشارة
هؤلاء لا يدركون أن اللامبالاة تترك أثرًا أشد من الكلام الجارح.
أحيانًا لا يدرك الأحبة حجم الألم
قد يكون الأذى غير مقصود. كأن يمدح الوالدان أحد الأبناء باستمرار وينسيان الآخر، فيزرعان الغيرة والحزن دون وعي. أو كأن يتجاهل الشريك احتياجات الطرف الآخر لأنه مشغول أو غير مدرك لمدى أهمية الكلمة أو الفعل.
ضع حدودك… وكن واضحًا
يجب على كل شخص بأن يحمي نفسه من الألم عبر وضع حدود واضحة في علاقاته، وأن يعبر عن مشاعره بوضوح بدل الصمت على الأذى. فالمسامحة لا تعني القبول بالإهانة، والحب لا يبرر الألم.
التوقعات العالية… طريق الخذلان
أحيانًا يكون الألم ناتجًا عن سوء التقدير، فنحن من نرفع سقف التوقعات ونمنح الثقة المطلقة، ثم نصدم عندما لا نجد المقابل. فليس كل من نحب قادرًا على الحب كما نحبه، ولا كل من نرعاه قادرًا على رد الجميل.
في النهاية، تؤكد الدراسات النفسية أن الأذى لا يمكن تبريره باسم الحب. فالعلاقات الصحية تقوم على الاحترام والتوازن، لا على التعلق أو التضحية المفرطة.
ولذلك، على كل إنسان أن يعيد تقييم علاقاته، ويمنح نفسه ما يستحق من حب وتقدير قبل أن ينتظر ذلك من الآخرين.




















