صناعة الأزياء في مرمى الاتهام.. كيف يمكن الحد من تأثيرها البيئي؟

صناعة الأزياء في مرمى الاتهام.. كيف يمكن الحد من تأثيرها البيئي؟
صناعة الأزياء في مرمى الاتهام.. كيف يمكن الحد من تأثيرها البيئي؟

في صحراء أتاكاما بتشيلي، تراكمت أكوام من الملابس غير المرغوب فيها إلى حد بات يقال إنه مرئي من الفضاء. وفي العاصمة البنغلاديشية دكا، حولت صبغات المنسوجات أحد الأنهار إلى اللون الأسود، وفقا لتقارير إعلامية دولية. أما في القناة الإنجليزية، فقد عثر الباحثون على ألياف صناعية داخل أمعاء الأسماك، نتيجة لمخلفات صناعة الأزياء.

كما تمثل هذه المشاهد بعض العلامات المقلقة لصناعة الأزياء، التي يقول الخبراء إنها تترك بصمة بيئية متزايدة، لا تقتصر على التلوث فحسب، بل تمتد إلى تفاقم تغير المناخ واستنزاف الموارد الطبيعية.

إحصائيات صادمة

فيما تشير مؤسسة “إلين ماك آرثر” إلى أن صناعة الأزياء مسؤولة عن ما يصل إلى 8% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا. والأسوأ من ذلك أنه، في كل ثانية، يتم حرق أو التخلص مما يعادل حمولة شاحنة نفايات مليئة بالملابس في مكبات القمامة.

لكن، رغم ذلك، يرى الخبراء أن هناك إجراءات يمكن للحكومات والشركات والأفراد اتخاذها لتقليل الهدر البيئي الناجم عن هذا القطاع.

علاوة على ذلك تقول إليسا توندا، رئيسة فرع الموارد والأسواق في برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP): “الخبر السار هو أنه لا يزال بإمكاننا بناء قطاع أزياء أكثر استدامة ودائرية. لكن تحقيق ذلك يتطلب جهدا جماعيا وتحولا جذريا في أسلوب الإنتاج والاستهلاك”.

وبمناسبة “اليوم الدولي للنفايات الصفرية” في 30 مارس، الذي يركز هذا العام على قطاع الأزياء والمنسوجات، يسلط الخبراء الضوء على خمس طرق لجعل هذا القطاع أكثر استدامة.

بناء صناعة أزياء دائرية

يعد نموذج الأعمال الخطي لصناعة الأزياء أحد الأسباب الرئيسية للهدر البيئي، حيث يتم إنتاج الملابس بسرعة وبتكلفة منخفضة، وغالبا ما تستهلك لفترة وجيزة قبل أن ينتهي بها المطاف في القمامة أو محارق النفايات.

كما يجب أن يعمل المصنعون على تقليل حجم الإنتاج، مع التركيز على تصميم ملابس أكثر متانة، واستخدام مواد صديقة للبيئة، وإيجاد طرق أكثر كفاءة لإعادة تدوير الأقمشة. كما ينبغي دعم الدول المنتجة للمنسوجات لضمان عدم تخلفها عن الركب خلال التحول نحو الاستدامة.

تعزيز إعادة تدوير الأقمشة

وفقا لمنظمة “تكستايل إكستشينج” غير الحكومية، فإن 1% فقط من الألياف المستخدمة في صناعة الملابس والأقمشة تأتي من مواد معاد تدويرها.

ومن أجل تحقيق تقدم في هذا المجال، يمكن للبلديات الاستثمار في بنية تحتية لجمع النفايات النسيجية، مثل صناديق التبرع بالملابس، وتوسيع برامج إعادة التدوير. كما يمكن للحكومات فرض مسؤولية ممتدة على المنتجين، تلزمهم بتحمل مسؤولية الملابس عند نهاية دورة حياتها.

التخلص من المواد الكيميائية الخطرة

كما يستخدم أكثر من 15,000 مركب كيميائي في صناعة المنسوجات، وبعضها قد يستمر في البيئة لعقود، ما يؤدي إلى تأثيرات ضارة على الإنسان والحياة البرية.

لذلك، ينبغي للحكومات تشديد الرقابة على هذه المواد، ودفع الشركات نحو اعتماد “الكيمياء الخضراء” لتقليل المخاطر البيئية.

كما أن الأقمشة الاصطناعية تطلق أليافا بلاستيكية دقيقة محملة بمواد كيميائية عند غسلها أو ارتدائها. وهذا ما يتطلب مزيدا من البحث حول أساليب الحد من هذه الانبعاثات الضارة.

تغيير ثقافة الاستهلاك

ولطالما شجعت صناعة الأزياء، مدعومة بواحدة من أقوى الآليات التسويقية في العالم، المستهلكين على شراء المزيد من الملابس. فقد تضاعف إنتاج الملابس بين عامي 2000 و2015، بينما انخفض متوسط عدد مرات ارتداء القطعة الواحدة بنسبة 36%.

في حين يحث تقرير صادر عن الأمم المتحدة على ضرورة تغيير هذه الثقافة، من خلال تشجيع العلامات التجارية على إنتاج منتجات تدوم لفترة أطول، وتثقيف المستهلكين حول أهمية إعادة استخدام الملابس بدلا من الشراء المتكرر.

تقليل الاستهلاك وتحسين خيارات الشراء

رغم أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومات والشركات، فإن المستهلكين يمكنهم المساهمة في إحداث التغيير من خلال:

إصلاح الملابس بدلا من التخلص منها.

استئجار الملابس للمناسبات الخاصة بدلا من شرائها.

التسوق من متاجر الملابس المستعملة أو عبر الإنترنت.

اختيار علامات تجارية مستدامة، والاستثمار في قطع ذات جودة عالية تدوم لفترة أطول.

وتقول توندا: “لدى المستهلكين قوة كبيرة. عندما يختارون بدائل أكثر استدامة، فإنهم يرسلون إشارة واضحة إلى الشركات والحكومات بضرورة تغيير سياسات الإنتاج والاستهلاك في عالم الأزياء”.

في النهاية، هل يمكن تحويل صناعة الأزياء إلى قوة إيجابية لصالح البيئة؟

الإجابة تكمن في تبني حلول عملية، وتضافر الجهود بين الحكومات، والشركات، والمستهلكين لخلق مستقبل أكثر استدامة لهذا القطاع الحيوي.

الرابط المختصر :