صبحة بغورة تكتب: تجاوز أزمة الرسوب المدرسي بين ألم الطفل وخيبة الأهل

مع اقتراب نهاية كل سنة دراسية، يتملك الأولياء أرق مزعج سرعان ما يتحول لخوف شديد ثم ينتابهم ارتباك مستمر ليلهم ونهارهم في انتظار يوم الإعلان عن النتائج الدراسية، ومعرفة ما تحصل عليه أبناؤهم في الامتحانات بعد جهد وعناء سنة كاملة.

ومع نهاية السنة الدراسية، ترى وجوه بعض الآباء حزينة شاحبة وعيونهم حائرة تكاد لا تصدق ما تراه في كشف النقاط من علامات لا ترقى إلى مستوى ما كانوا يأملون، وأشد ما يكسر بخاطرهم تلك الكلمة البائسة "راسب" المثيرة لمشاعر الحزن في النفوس وعميق الأسى في القلوب والإحباط الشديد، ثم تراهم يغادرون المكان خجلا وخفية حتى لا يصادفوا من علت وجوههم السعادة والفرحة بنتائج أبنائهم الناجحين فخورين بالملاحظات الإيجابية.

إنه موقف لا يحسد عليه من كان لا ينتظر هذه الصدمة القوية، ولا يتوقع هذا الرسوب الذي لا يراه مناسبًا لحجم ما وفره لابنه من إمكانيات مادية ومعنوية لتحقيق النجاح.

والمخيف في الأمر، أن يشرع الأولياء في هذه اللحظة بالذات في البحث عن العقاب الذي يجب تطبيقه، لأنه يمكن أن يتحول من العقاب التربوي إلى العقاب الانتقامي الذي قد يتجاوز حدود الشعور الطبيعي بالغضب والمفروض في مثل هذه الحالة التماسك العصبي لاحتواء الموقف والتوازن النفسي لإدراك أن ما حصل قد حصل، والحكمة تقتضي التفكير العملي والهادئ في كيفية التعامل مع التلميذ الراسب والبحث بروية عن الأسباب التي أدت إلى فشله، ثم تدبر ما يجب القيام به لمساعدته على تجاوز هذه الفترة الصعبة التي سيعاني منها، وبدون أن تلحق به أو بأسرته أضرارًا معنوية عميقة، فالطفل الراسب يمر أكيد بأوقات حرجة جدًا في نهاية السنة وستراه يفكر في كيفية مقابلة أهله وهو يشعر أنه خذلهم خاصة إذا نجح أقرباؤه وأبناء جيرانه وأصدقاؤه.

رسوب الطفل أزمة، وأول ما تستدعيه من الوالدين أن يدركا أولًا أن العقوبة بأكثر من الجرم ظلم، وأن أول ما يحتاج إليه طفلهما هو وقوفهم إلى جانبه خاصة إذا كان يعاني من مشاكل نفسية أو عائلية، حينها يكون الدور الأكبر على الأب والأم على السواء؛ فهما مجبران على مساعدته على تجاوز محنته حتى ولو كانا غير راضيين عليه وعلى نتائجه الدراسية.

بعد نهاية السنة الدراسية، سيمكث الطفل بالبيت وسط فراغ قاتل وفي ظروف صعبة، وسيجد نفسه قلقًا متوترًا يعاني ضغوط نفسية شديدة ، كما سيظل متخوفا جدًا مما يمكن أن يسمعه من تعليقات طيلة أيام العطلة الصيفية؛ حيث لن يكون من السهل عليه أبدا تحمل النقد الأليم على فشله واللوم المستمر على ضياع سنة كاملة من عمره، وهو نفسه الأمر بالنسبة للأولياء الذين سيضيقون بالنتائج السيئة التي تحصل عليها أبناؤهم ويكونون غير قادرين على تحمل رسوبهم، ويحرجون كثيرا من مواجهة من نجحوا وانتقلوا إلى الصف التالي.

وعلى الأولياء، أن يتفهموا حتمية التكيف مع طبيعة الوضع وأن يتقبلوا الضرورة التي ستملى ليهم من أجل التعامل معه بروح المسؤولية التي لا مفر لهم منها، وعليهم أن يدركوا أن أبناءهم في حاجة ماسة إلى نصحهم وإلى إرشادهم لإبعادهم عن خطر التعقيدات النفسية التي يمكن أن تؤثر على مسارهم الدراسي بل وعلى بقية حياتهم.

مساعدة الابن على تخطي حاجز الخوف والقلق، خيار لا رجعة عنه من خلال تشجيعه على الاستمرار وإعادة الثقة بنفسه؛ من أجل تسهيل حثه على إعادة المحاولة، ومساعدته في وضع خطة المهمات وترتيب الأولويات وإفهامه أن هذا الرسوب ليس نهاية العالم، وإعطاءه أمثلة إن أمكن عن من أعاد السنة ثم كان رسوبه نقطة مهمة لانطلاقته المحمومة ودون توقف نحو تحقيق النتائج المشرفة على مسار التفوق والنجاح.

سيكون من المفيد أن تجري خلال أيام معدودات من العطلة الصيفية عملية مراجعة لبعض الدروس ذات حمولة متفاوتة، خاصة التي وجد فيها الطفل صعوبة في فهمها، وهذا دون حرمانه من حقه في الراحة واسترجاع نشاطه واستعادة حيويته لرفع روحه المعنوية.

ولا ننسى اهدائه بعض المكافآت والهدايا في مناسبات معينة، مع التقرب منه أكثر لمحاولة تلمس السبب الحقيقي وراء الرسوب، ثم العمل على كسب ثقته للكشف عن عمق مشاعره والبوح بحقيقة عواطفه التي يمكن أن تكون وراء شروده، وكذلك محاولة التقرب من الأساتذة من جهة أخرى للحصول على معلومات أوفر عن سيرته بالمدرسة وعن هوية أصدقائه المحيطين به والوقوف بالتفصيل على المشاكل الدراسية التي كان يعاني منها في صمت.

لا يخفى على الأولياء النابهين ضرورة أن يفطنوا إلى خطورة إجراء المقارنة بين أبنائهم والأطفال الآخرين الناجحين، فهذا يسبب لهم ألما نفسيًا عميقًا، وعجزًا ذهنيا رهيبًا قد يبلغ حد الإصابة بعقدة يمكن أن تؤثر عليهم فيما بعد، والأجدر بهم أن ينصرفوا إلى متابعة التقارير المدرسية وأن يأخذوا ملاحظات الأساتذة وتعليقاتهم على شخصية التلميذ ومساره الدراسي مأخذ الجد، بمعنى أن يكونوا دائما مطلعين وعلى علم ودراية بكل كبيرة وصغيرة حول المسار الدراسي لأطفالهم.

وعليهم أن يتجنبوا وضع لائحة مصاريف السنة الدراسية أمام أعينهم وتذكير أبنائهم دوما بها في كل مناسبة، حتى لا تبدو نوعا من المن البغيض عليهم، وأن لا يجعلوهم بسبب فشلهم الدراسي عرضة في أي مناسبة لمواجهة المواقف الحرجة الناتجة عن حب المفاخرة بين الأولياء، وانتقال الميل في تأكيد التميز الاجتماعي الناشئ عن الفروق الاجتماعية من الأهل إلى الطلاب، وهو ما قد يؤدي بالطالب إلى العزوف عن مواصلة الدراسة والغياب المتكرر عن المدرسة لخجله من حقيقة وضع أسرته المالي والاجتماعي.

وعلى الأسرة في مثل هذه الحالة أن تحتوي الموقف بكثير من الحكمة، من خلال غرس قيم الرضا والقناعة في نفسه، وجعله عنصرًا له مكانته في أسرته، ومن حقه الأصيل أن يشارك والديه أحلامهما للارتقاء بحياتهم وتحسين مستوى معيشتهم، فهذه المشاركة تزيل عنه ما كان يتوجس منه ويخشاه، ويزيل عنه عبئًا نفسيًا ثقيلًا يحرره من الهموم، لينصرف بعدها إلى مواصلة اجتهاده بروح الجد والالتزام بتحمل المسؤولية بكل حماس.

يفهم مما سبق، أن تقديم يد المساعدة الضرورية للطفل على تخطي أزمة رسوبه تبدأ منذ تلقي الأولياء خبر الرسوب بدون تهويل وإفراط في إظهار الغضب المبالغ فيه، أو التهديد بتسليط أشد العقاب؛ بل عليهم أن يتقبلوا الخبر بحكمة فيحرصوا على أن يجعلوا غضبهم في حدود الامتعاض والتأسف على أقصى حد ولا أكثر من ذلك، ثم تشجيعه وشحذ همته بعد زوال آثار الصدمة وتأكيد وقوفهم دائمًا إلى جانبه والمبادرة بمساعدته في كل الأوقات.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية
 

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: القلب المكسور