صبحة بغورة تكتب: المرأة وخطر إدمان المهلوسات

قد يخيل للضعيفات من النساء أن هروب المرأة من واقعها الأليم نحو تعاطي المهلوسات هو الموقف المطلوب للتعبير عن رفضها له واعتراضها عليه، والحقيقة أنها ستجد نفسها محصورة داخل دائرة مغلقة من العذاب تصارع آلام نيران عالم مجهول من الزيف الوهم والخيال، وعذاب الإدمان.

يعرف الإدمان عموما بالمعنى السلبي للكلمة، وهو التعود على تعاطي أي نوع من أنواع المواد المغيبة للعقل والإرادة على اختلاف أنواعها من مخدرات في شكل بودرة أو حقن كالهيروين والكوكايين أو نباتات مجففة التي تحشى بها السجائر كتدخين نبات البانجو والأفيون وأنواع كثيرة من الأقراص المهلوسة يتم تناولها بلعا.

ويدخل في نفس الإطار المشروبات الكحولية أيضًا بجميع أنواعها، وكلها مواد مدمرة للجسم مسببة للأمراض ومعجلة بالوفاة، ويصيب الإدمان الفرد من خلال الانتقال السريع من التعاطي الظرفي المرح في المناسبات ومتى تيسر الحال إلى ثم الشعور بالحاجة إلى تناولها بشكل منظم على فترات خاصة خلال فترة الإجازات والعطل، ثم إلى التعاطي المكثف في أوقات متقاربة تحت وطأة حاجة الجسم الملحة لتخفيف الصداع وتنميل الأطراف ولتهدئة الجهاز العصبي من التوترات المصاحبة للحاجة إلى المخدرات، وفي هذه المرحلة يسعى المدمن إلى توفير حاجته من المخدرات ولو اضطر إلى بيع أغراضه الشخصية وتوريط أسرته في مشاكل مادية عويصة.

وبالنسبة للمرأة تحديدًا، فالأمر أدهى وأمر؛ إذ لا تجاهر الكثيرات من النساء بواقعهن بل ويتجاهلن عمدًا خطورة الإدمان فنادرًا ما يحدث أن تسعى إحدى المدمنات من تلقاء نفسها إلى أحد مراكز إعادة تأهيل المدمنين طلبا للمساعدة على الإقلاع عن تعاطي المخدرات.

وتختلف الآراء حول أسباب لجوء المرأة إلى إدمان المخدرات بين اعتباره بديلا لها عن افتقادها للاستقرار والأمان، أو لأنها قد تمثل في نظرها حلا لمشاكل حياتها الصعبة وللظلم الأبوي أو الزوجي أو قبل ذلك لظلم الأخ الأكبر الذي تتعرض له فتلجأ لتعاطي المخدرات؛ حيث ترى فيها تعويضا عن معاناته النفسية بسبب الحرمان العاطفي أو انتقاما من ظالميها لنسيان واقعها المر وهروبا من شعورها بالفراغ.

ويحدث أن يصيب الإدمان أمهات وربات بيوت وجدن في المخدرات حلا بديلا لتخفيف وطأة الخلافات الزوجية والمشاكل العائلية على نفوسهن، والهروب من حدة تأثير المنغصات وصعوبة العيش وقسوة المجتمع عليهن بالبحث عن وهم السعادة في طريق آخر أدى بالغافلات إلى ارتكاب جرم الخيانة الزوجية مضطرات بسبب الفراغ العاطفي والنفسي وتحت الضغط بسبب حاجتهن الملحة لتعاطي المخدرات مقابل تلبيتهم أي طلب مهما كان.

بينما ذهبت آراء أخرى إلى التأكيد على أن عدم وجود عمل يأخذ وقتها أو موهبة تمارسها وتنشغل بها وتخرج فيها طاقتها، يجعلها تشعر بالملل والوحدة،فتبحث عن ملاذ لها من حالة الفراغ المقيت، وتجد في صاحبات السوء صحبة قريبة وممتعة تحلق معهن بعيدًا، وتكون النتيجة إدمان المرأة على أفضل ما ينسيها ظروفها الاجتماعية التي ربما لم تكن تتوقعها ثم انحرافها.. وعلى العموم تجمع معظم الآٍراء على أن إدمان المرأة يبدأ من زوجها.

لقد امتدت ظاهرة تعاطي المخدرات وتفاقمت منذ سنين في أوساط الطالبات الجامعيات وفتيات المدارس الثانوية؛ حيث تتفشى ظاهرة تقليد شخصيات المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، وحب المعرفة والاستطلاع والتجربة.

كما أن انتشار الظاهرة مرتبط في الكثير من الأحوال بالقدرة المالية، والحالة هنا تستدعي وقفة تأمل، فليس ما تعانيه النساء في المراحل السنية المتقدمة من مسؤوليات أسرية متزايدة تثقل كاهلهن، وواجبات عائلية تؤرقهن ليلًا ونهارًا، والتزامات اجتماعية متعددة تفرض نفسها عليهن بقوة في كل حين ستكون هي نفسها سبب هروب فتيات الثانويات من واقعهن إلى إدمان أنواع المخدرات المهلكة التي أدت بالكثيرات منهن إلى الانتحار.

ويبدو أن أسباب ذلك تعود إلى عدم اكتمال لياقتهن الصحية في مرحلة البلوغ والمراهقة، قد تسبب في إصابتهن بالأمراض الخطيرة الميؤوس الشفاء منها، أو لعدم توفر المال الكافي لتلبية حاجتهن الملحة من المخدرات؛ فدفعن ثمنها ببيع شرفهن ثم إلى وضع حدًا لحياتهن للتغطية على الفضيحة.

واقع اجتماعي مأساوي، ووضع عائلي كارثي تتجاوز خطورة تأثيره على المرأة والأسرة والمجتمع أضعاف ما يحدثه إدمان الرجل، فلجوء المرأة للإدمان على المخدرات كتعويض لها على الحرمان مهما كانت طبيعته أو كوسيلة للهروب من المشاكل خطأ كبير ترتكبه المرأة بحق نفسها ومجتمعها؛ لأنها ستصبح ذات شخصية انسحابية شديدة عن واجباتها في وقت تحتاجها أسرتها، وقد تتحول إلى شخصية أخرى تماما، ويمكنها في غيبة العقل أن ترتكب جريمة.

المجتمع في بعض الأحيان يكون سببًا من أسباب إدمان المرأة على المخدرات، خاصة إذا كان ينظر إليها نظرة دونية ويقلل من شأنها ومن مكانتها، ويكون الأمر أكثر سوءًا إذا كانت شخصية المرأة ضعيفة، هشة ومهزوزة، غير واثقة بنفسها. وفي المقابل، تقل نسبة إدمان المرأة على المخدرات إذا كانت متمسكة بأهداب الدين، متعلمة، واعية ومثقفة.

وعليه لابد على الأسرة غرس التقاليد والقيم والوازع الديني والأخلاقي عند البنت، ومراقبة ما تشاهده في القنوات الفضائية، ومتابعة سلوك الفتاة وترشيد تصرفاتها مع الآخرين، تجنبا لوقوعها في مشاكل عاطفية يمكن أن تؤدي بها إلى الإدمان كسبيل للنسيان، مع ضرورة توفير أقصى درجات الاستقرار والهدوء المنزلي.

الإدمان آفة من الآفات الاجتماعية التي لا تفرق بين الرجل والمرأة، وإن ما يحدث من جانب عدد كبير من النساء هو التشبه بالرجال في كل أفعالهم بما فيها تدخين الشيشة، والمرأة ترتبط كثيرًا بالوسط أو البيئة التي تعيش فيها وهي شديد التأثر بالظواهر السلبية حولها بما في ذلك إدمان المخدرات الذي سيكون بلا شك سببا مباشرًا لهلاكها أو طلاقها.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: إعلان حالة الطوارئ في رمضان