صبحة بغورة تكتب: الدعوة لإعادة الرومانسية للحياة الزوجية

انتقادات حادة توجهها الأقلام للمرأة وأصابع الاتهام تشير للزوجة بالتقصير والإهمال في حق نفسها، وبالتالي في حق زوجها.. فكيف هذا؟!

تهتم الفتاة قبل الزواج بهندامها ومظهرها ورشاقتها بصورة لافتة، حتى إذا ما ظفرت بالعريس تغيرت الأحوال بعد مرور عام على الأكثر من الزواج ليبدأ الكرش في البروز والأرداف في الامتلاء، أما تسريحة الشعر فتبدو على شكل واحد دون أن تتغير وهي أقرب إلى فروة الخروف، وقلما يعود لها بعض رونقها عند التنزه مع صديقاتها.

أما الرجل، فلا يختلف كثيرًا؛ إذ يظهر أنيقًا، لبقًا، رقيقًا وحساسًا قبل الزواج، ويضع أغلى العطور، ولا تخلو يداه من الزهور الحمراء لزوجته في أيام شهر العسل، لكن بعد الزواج، قد يبدو الأمر مختلفا، فينعزل وكأنه يعيش بمفرده، لا يتكلم مع زوجته إلا في أضيق الحدود، ولا يهمه سوى أن يملأ معدته بعد العودة من العمل والتمتع بعدها بمشاهدة البرامج المرحة في القنوات الفضائية..

وضع غريب يتسرب إلى داخل معظم البيوت، فتتسلل الرتابة وأجواء الملل للحياة الزوجية وتصبح لا تطاق، بعد تحول غرفة النوم إلى غرفة ألعاب للأطفال .

لقد أصبح التحدي الأكبر للزوجين الشابين في سنواتهم الأولى معًا، هو كيفية الحفاظ على حياتهما الزوجية واستمرارها في كنف المحبة المتبادلة، وفي هذا تبرز الدعوة الملحة لتغيير الأوضاع وعودة الرومانسية بدلًا من الملل في الحياة الزوجية.

لكن قبل هذا، ينبغي البحث عن كيفية تشكيل الحالة النفسية والوعي الذاتي بوجود مشكلة يجب حلها، والقناعة بضرورة معالجة الوضع، وإمكانيات ترسيخ فكر وعاطفة كلا الزوجين نحو أهمية التمسك بمواصلة حياتهما في سعادة، والسبيل لكل هذا يبدأ منهما وينتهي إليهما، فهما المبدأ وهما المنتهى؛ لتجديد علاقتهم الحميمية ووضع حد لمرحلة فتور الحب بينهما، الذي قد ينتج عن مرور سنوات من الارتباط ومن التعود والتكرار، وبالتالي من فقدان الدافع بعد غياب الإثارات الحسية بين الشريكين رغم وجود الحب أو المصالح المشتركة.

لذلك، فالأمر لا يعني بالضرورة وجود مشاكل حقيقية تعوق التواصل والتودد والرحمة، بقدر ما هي غفلة الزوجين عن بعض المبادرات الصغيرة التي يمكن أن تشعل الرغبة بينهما من جديد، حتى ولو أحاطت بهما متطلبات العصر الذي أصبح بحق يشكل عبئًا عصبيًا وجسديًا على الطرفين، والأمر يتلخص في البحث عن الأسباب النفسية لفتور الوئام وحالة الملل، وتحديد طرق حلها والأسلوب الأمثل لها.

حقيقةً، لقد تربعت الماديات في أيامنا هذه على عرش حياتنا وأصبح نمط التعامل السائد يسوده الجفاف والقسوة، ويخيل للكثيرين أن الرومانسية لا توجد إلا في الروايات والقصص والأفلام، وأصبحنا نشتاق لجلسة هادئة صافية لعلنا نشعر بالراحة ونتأمل جمال الكون من حولنا، فتستهوينا مناظر الجمال الطبيعية ويجذبنا الإحساس بالنغم الجميل والصوت الحسن، ونجد الوقت الكافي لإعادة التأمل في الخطابات القديمة وبطاقات التهنئة، مع الاستغراق في حنين ذكريات تلك الأيام، وتتجدد فينا أحاسيس المعزة بدفء العلاقات الاجتماعية.

قد يهمك: صبحة بغورة تكتب: السعادة هدية الوعي..!

يستطيع الأزواج والزوجات إضافة الإثارة والرومانسية على حياتهما الزوجية، بشرط أن يقتنعوا بأن الزواج لو مرت عليه عشرات السنوات نستطيع برغبة حقيقية لإصلاح الأمر بخطوات بسيطة وقليلة، وقد تبدو مستهجنة لدى الطرف الآخر في البداية بعد مرور سنوات من التعايش، ومنها:

ـ قضاء أوقات ممتعة ومفيدة، فالتواصل والاستمتاع بالأوقات المريحة الخالية من الضغوط، سيخلق إحساسًا جميلًا بالرضى وميلًا طيبا نحو الشريك، ورغبة عميقة في البوح تكون لاحقا محرضا على التواصل الحسي بملامسات حانية رقيقة. فعلى سبيل المثال يمكن القيام بالنزهات الطويلة على شاطئ البحر أو في المنتزهات.

ـ استمالة مراكز الأحاسيس القديمة التي تذكرهما باندفاعهما الجامح نحو بعضهما خلال أيام شهر العسل، وما كانا يفعلانه في الأمسيات الدافئة، وتناول العشاء في أجواء حالمة بأحد المطاعم الفاخرة.

ـ الإغراء، الذي يبدأ من العقل أولًا ويترجم جسديا، وليس المقصود اللباس المثير والأساليب المادية، ولكن باجتذاب الشريك بممارسة ألاعيب فكرية ذات دلالات دون ابتذال أو استجداء، إنها بعض الكلمات الحلوة، والهمسات الدافئة والمفردات المثيرة ذات المغزى الذي لا يخفى، والأهم حسن اختيار الوقت المناسب لذلك، وليكن في علم أي من الشريكين أن إنقاذ الزواج يستحق كل المحاولات المشروعة.

ـ عدم الخجل من الطرف الآخر، أو الخوف من حرج الموقف أو من حكم الشريك، المصارحة خطوة أساسية للمشكلة إذا ما شعر أحد الطرفين بغضب جراء إحباط تعرض له من عدم وجود تواصل جنسي أو أي رد فعل يفيد وجود رغبة في الاستمرار، وسيكون من المفيد التذكير بأن المرأة تنتظر الرجل دائما للقيام بالمبادرة واختيار الأسلوب وإظهار الاهتمام يؤكدان الرغبة.

ـ التجديد، بدءًا من اللباس والمظهر والأسلوب في الكلام للتعبير عن العواطف ولو بملء البريد الصوتي بالرسائل الرومانسية أو بأغنية عاطفية، والتجديد في طريقة التصرف في إظهار المداعبة والملاطفة والنظرات ولو بإرسال باقات الورد دون توقعها، والتمتع بما شرعه الله تعالى بما يضمن التراحم والترابط.

ـ إشباع الطرف الآخر وتلبية رغباته، لا سيما عند المرأة للحصول على المتعة الكافية، ولتجنب إصابتها بخيبة واعتبار الجنس وسيلة لإرضاء الزوج فقط ومن ثمة فقدان الرغبة كليا، فتحقيق النشوة حافز قوي لتكرار العملية برغبة أكبر.

ـ جعل شريك الحياة يشعر بالسعادة وبأنه كل حياة وعالم الطرف الآخر، وأنه ترك العالم للارتباط بها أو به، وأن علاقتهما استمرت طوال هذه السنين لأن الاهتمام بشريك الحياة موجودًا ومؤكدًا، وما عليهما سوى إظهار ذلك بلغة خاصة وحميمية وبخطوات بسيطة؛ ليعيدا التواصل والوصال والحب من جديد.

ورغم أن الحب أحد أجمل أسرار الوجود، وإحساس دافق جارف، ومتأجج يجتاح القلوب فيضيء نبضاتها ويحولها إلى جمر متقد والعيون إلى قناديل مشعة؛ إلا أن الرومانسية ليست مجرد عاطفة ملتهبة فقط، ولكنها أيضًا مواقف نبيلة وواقعية عاقلة تأخذ الأمور بروية واتزان، بما تضمن أن مبادلة الأحاسيس لا تتعارض مع تحمل المسؤوليات.

هناك دائما فرصة لاستحضار الرومانسية، فالأوساط النسائية تعتقد بإمكانية جعل المرأة في حالة من الرومانسية من قبل رجل قد يكون أقل منها مستوى، وأن الرومانسية ليست حالة خارجة عن نطاق الرجال كليًا، بل أن أكثر من 90 بالمائة منهم يعتقدون أن الرومانسية تعتبر ذات أهمية كبيرة في إكساب العلاقات الزوجية الدفء والديمومة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الثقافة العاطفية.. فـن وعلم لحل الخلافات الزوجية