يعود فهم الوقت إلى إدراكات مختلفة تبعًا لاختلاف الأشخاص وطبيعة الظروف، فوقت الفيزيائي ليس كوقت الشاعر، وزمن الصوفي ليس كزمن الباحث، وعندما نكون بصدد البحث في زمن التجربة نعني تحديد أي أنواع الزمن التي نشعر بها.
فقد تعود كثيرون على أن الوقت يستعبدنا، فنحن لا نأكل إلا حينما نجوع، ولا ننام إلا عندما نشعر بالحاجة إلى الراحة، ولكن في الحقيقة نأكل في موعد محدد مسبقًا، وننام في وقت معين.
ولذلك؛ فإن الزمن الذي يقاس هو الزمن الطولي. فهناك ساعة في اليد، والشارع، والمكتب والسيارة، وكل مكان. وهذا يفرض علينا العيش في ما يسمى بالزمن الطولي.
والواقع أنه لابد من إعطاء الوقت عظيم الاهتمام وإلا فلا يمكن للناس أن يكونوا كما يريدون. وأكثر من اهتم بالوقت اهتمامًا بالغًا هم الصوفية والمتدينون لأنهم يعلمون علم اليقين أن أول ما يُسأل عنه المرء بعد موته عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما ضيعه.
يرى بعض الفلاسفة أن الساعة رمز الموت وكل شخص يحمل في يده ما يُذكّره بالموت، وأن مراقبة الزمن وتركيز الناس عليه يجعله يسيطر عليهم. وأن المراقبة الدائمة للوقت ومتابعته تجعل البشر في خدمة الوقت، لا الوقت هو الذي يخدمهم. ويعتبرون أن الناس أنفسهم ساعات حية تتأثر بمشاعر داخلية ودورات نفسية.
في نظرية النسبية هناك إشارة إلى أنه ليست الحوادث الخارجية هي التي تمد الناس الشعور بالأفكار عن ترتيب الحوادث زمنيًا. ولكن الذي يمدهم بها أحاسيسهم الشعورية. فحينما يرى أحدهم شيئًا إنما يراه عن طريق انتقال الضوء من ذات الشيء إلى عينيه. ولذلك؛ يستحيل أن يرى الشيء على حقيقته وقت حدوثه في نفس الزمن. فالشمس نراها الآن حينما كانت منذ عشر دقائق مثلًا. فنحن لا نرى الأشياء كما هي ولكن نرى آثارها في حواسنا.
النظرة الحديثة للتعرف على الحقيقة هي أن يرى المرء الحوادث الخارجية في وقت معين على أنها هناك في ذات الوقت. فالشمس التي نراها ما هي إلا انعكاسات داخل العين تعطي الشعور ببعدها.
فالصورة الحقيقية الحديثة للحوادث هي أنها أشبه بسجادة تجمع الأحاسيس والمشاعر والزمن والمكان والضوء. وكل هذه تمثل الخيوط المكوّنة للسجادة التي هي الحادثة.
إن احساس الإنسان بالوقت يختلف تبعًا لسنه، فالطفل في سنته الأولى ليس لديه أي إحساس بالزمن ويعيش في حاضر مستمر، وبعد سنتين يبدأ الإحساس باليوم، ثم يبدأ إحساسه بعد ذلك بمعني الغد والأمس، ثم الصباح والمساء، وبعد أربع أو خمس سنوات يبدأ بمعرفة اليوم. وفي سن ستة عشر عامًا، يكون قد استكمل الشعور الكامل بالزمان. بعد ساعة تأمل عميق عنده تمر كأنها خمس دقائق.
وكذلك لمن أدمن تعاطي المخدرات يتأثر شعوره بالزمن والمغالاة فيه. فقد ثبت أنه يزداد شعوره في تقييم الوقت ويري حجم المعلومات التي يشعر بها في وقت ما، ولذلك؛ فإن ساعة زمنية لذلك الشخص يشعر وكأنها ثلاث ساعات.
وبالنسبة لمن يمارس تمارين التأمل، فإن ساعة تأمل عميق عنده تمر وكأنها خمس دقائق. وكذلك حينما يكون الإنسان مستغرقًا في بحث ما بعمق، فإنه سيندهش عندما يجد أن الوقت قد مر عليه سريعًا.
وقد يشعر المرء بأن الزمن قد اتسع حتى أنه غرق فيه. أما إذا كان يعمل شيئًا يكرهه فإن إحساسه بالوقت يضيق، والزمن يبطئ، وسيجد أن خمس دقائق تمر كأنها ساعة. ورغم أن الإحساس بالزمن يضيق فإنه بمرور الزمن يتسع.
والآن،كيف يمكن تعديل الإحساس بالزمن؟
معلوم أن علم استرجاع المؤثرات الذي يعتمد كثيرًا على التخيل في الوصول إلى تغييرات فسيولوجية موجهة له تأثير واضح في تعديل الإحساس بالزمن، والتأمل والاسترخاء لهما تأثيرات مماثلة. وكلها تعمل على اتخاذ إجراءات فنية توسع إحساس الشعور بالزمن للقضاء على الألم.
إن الرسالة التي ترسلها الساعة إلى الإنسان هي أن الزمن يمر، والحياة تستهلك وتنتهي. وعلى المرء العمل بسرعة، ولذلك؛ فإن الشعور بالاستعجال يعمل على إسراع بعض الوظائف اليومية ذات الإيقاع الثابت. مثل: ضربات القلب، فتجعلها تنبض أسرع. وأيضًا، عملية التنفس.
وقد يعقب ذلك زيادة ضغط الدم والإفرازات الهرمونية،كل هذا كتجارب ونتيجة للقلق، كعدم الرضا أو الغضب أو الحقد أو الغل أو الحسد وغيرها، أي أن الشعور بسرعة الوقت إعدام الزمن وإنهاؤه. وتؤدي بساعات الأجسام الحيوية إلى الإسراع. فتسبب أمراض التسرع كأمراض القلب، وضغط الدم أو إضعاف قوة المناعة، وفتح المجال أمام احتمال الإصابة بأمراض أخرى كثيرة.
أثبتت بعض التجارب كلما تعود الإنسان على التأمل والصلاة والذكر. وهي كلها صور للتعرف على حقيقة الوجود والعبادة الحقة، أمكنه فهم معنى أن المرضى لو تعلموا كيف ينتظمون في جلسات خاصة للتأمل لتعديل الإحساس بالزمن، فإن ضغط الدم والكوليسترول ينخفضان بنسبة 20% الحاضر الذي لا يغيب والحاضر الدائم.
وبذلك يصبح الزمن للإنسان شيئًا مفهومًا، وليس مجرد ظاهرة مزعجة أو تحمل في ثناياها ما يدعو إلى القلق، ويترتب عليه أن تظهر الحوادث التي تحمل الألم أو الإزعاج أو الأخبار المأسوية، والتي تعودنا أن ننزعج منها بما يؤثر في أفكارنا، تصبح تلك الحوادث أقل ألمًا، ونكون نحن أكثر استعدادًا لامتصاصها. وتمر علينا بتأثير أقل مما اعتدنا عليه.
كما أن الإحساس بالوقت الذي ينطوي على الخوف من المستقبل أو الموت يبدأ في الاختفاء. ويجب أن نعلم أنه من الناحية الطبية فإن الخوف والإثارة، والرهبة من الموت كلها حالات تؤدي إلى الأمراض وعدم التوازن الكهربائي بين المخ والقلب, ولمقابلة ذلك كله يحتاج الأمر إلى زيادة عمل القلب, وبالتالي التدخل السريع لإسعاف المرضى.