«زهور فان غوخ».. سيرة حياة لوحة أم إنسان؟

يبدأ الروائي السعودي مقبول العلوي روايته «زهور فان غوخ» بخبر صحفي عن سرقة لوحة عالمية شهيرة، ثم يتبعه بعدة أخبار في هذا الصدد، بعدها يبدأ في سرد حكاية آسرة من جهة اللغة خفيفة من جهة القضية وإن كانت شائكة؛ فقضية سرقة اللوحات العالمية أو تزييفها ليست بالقضية اليسيرة؛ فهذا إرث الإنسانية جمعاء، كما أني أظن أن مقبول العلوي هو أول من تطرق إلى هذه القضية في عمل أدبي.

يأخذنا الروائي في دهاليز عمله، وينبأنا عن صديقه فيصل _ الذي يعمل معه في شركة للسيارات بمكة المكرمة والذي أتى إلى مكة حديثًا_ وعن كرمه وأخلاقه.. إلخ.

يطلب فيصل من الرواي الذي هو حميد، بحكم كونه أحد أبناء مكة، أن يرافقه بعد الدوام للذهاب إلى حراج المعيصم لشراء بعض الأثاث لشقته الجديدة التي سينتقل فيها مع زوجته قادمًا إلى مكة؛ نظرًا لتغير مكان عمله.

اقرأ أيضًا: «الرواية الكاملة».. فيلم وثائقي يكشف أسرار جديدة عن مُقتحم فيلا نانسي عجرم
يذهب الرجلان إلى الحراج وهناك تبدأ الحكاية، حكاية لوحة زهور الخشخاش لفان غوخ أم حكاية حميد ومحسن الرمّال ورؤوف سعيد؟ هي في الواقع حكاية كل هؤلاء، لكن الراوي لا يضرب على أي وتر من هذه الأوتار كأنه أراد أن يقول إن الرواية غيّرت حيوات كل هؤلاء الأشخاص وغيرهم!

بينما يشتري فيصل أثاثه من حراج المعيصم يقع نظر حميد، وهو ذاك الذي درس الفن لمدة عام واحد، ثم ترك الكلية نظرًا لظروفه المادية الصعبة، على لوحة زهور الخشخاش، تعجبه رغم أنه لا يملك من المال الكثير، يطلب البائع فيها 50 ريالًا، لكن حميد يرفض بحجة أنها لوحة بالية ولا شيء فيها يستحق هذا الثمن، وبعد جولة في السوق، وعند العودة إلى لأخذ ما اشتراه فيصل من تاجر الأثاث المستعمل هذا، ينادي التاجر على حميد، طالبًا منه أن يعطيه الـ 25 ريال التي أراد أن يدفعها في البداية وأن يأخذ اللوحة، وقد كان.

لوحة غامضة

منذ دخول اللوحة بيت حميد ستنقلب حياته رأسًا على عقب، لسبب لا يعرفه، في اللوحة شيء أخاذ، غامض، يسري فيها سر جمالي من نوع ما، يحاول أن يتذكر أين رأى هذه اللوحة من قبل لكنه لا يذكر شيئًا. يتلفن له فيصل زميله في العمل في الساعة الثالثة صباحًا مخبرًا إياه أن هذه اللوحة هي لوحة فان غوخ المفقودة «زهور الخشخاش»، ينزع اللوحة من الحائط الذي كانت تزينه، ويخبأها في مكان ما، ثم تبدأ رحلته معها.

ويسرد علينا قصة هذه اللوحة، وحكاية رسمها، والكيفية التي رسمها بها فان غوخ، ونُبذًا من سيرة حياة هذا الفنان وموته.

ثم يتوجه بنا إلى القاهرة ليخبرنا بالطريقة التي تمت بها سرقة اللوحة على يد رؤوف سعيد، بترتيب من محسن الرمال من متحف محمد محمود خليل الذي كانا يعملان فيه، وكل شخص من الأشخاص الذين يحتكون بهذه اللوحة تنقلب حياتهم رأسًا على عقب.

ولئن كان الكاتب قد قال إن هذا العمل «زهور فان غوخ» هو بمثابة سيرة روائية للوحة «زهور الخشخاش»، فإنه يصح أن نقول أيضًا إنه، أي هذا العمل، هو سيرة إنسان، بداية من فان غوخ نفسه الذي مات فقيرًا لم يجد أخوه ثيو ما يكفنه به، فباع عدة لوحات من بينها هذه اللوحة بثمن بخس كي يتمكن من دفن أخيه، ثم حياة حميد (المواطن المكي والراوي هنا) الذي لم يكمل تعليمه ثم تمكن من بيع هذه اللوحة بـ 3 ملايين دولار، ثم حياة كل من: رؤوف سعيد ومحسن الرمال، اللذين انقلبت حياتهما رأسًا على عقب. وفي النهاية هل الرواية سيرة لوحة أم سيرة إنسان؟ الأمر متروك للقارئ.

اقرأ أيضًا: انقطاعات السرد في رواية «ملك الهند»