حوار| خبير معماري لـ”الجوهرة”: العمارة السعودية في تطور مذهل.. وتقاليد المملكة ركيزة أساسية بالتصميم المعاصر

شهدت المملكة تطورات غير مسبوقة في مجال العمارة والبناء، حيث انتقل المشهد العمراني من التصاميم التقليدية البسيطة إلى أنماط معمارية متقدمة تعتمد على أحدث التقنيات. وعلى مر العصور، تنوعت أساليب البناء بين استخدام المواد المحلية المستوحاة من البيئة الصحراوية، وصولًا إلى تبني مفاهيم تصميمية حديثة تمزج بين الأصالة والابتكار.

وفي ظل رؤية السعودية 2030، يشهد القطاع العمراني طفرة استثنائية، مع إطلاق مشاريع ضخمة تركز على الاستدامة والتكنولوجيا المتطورة، مما يعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للابتكار المعماري.

وفي هذا السياق، أجرت الجوهرة حوارًا مع فاليري تومين، الخبير في الاستثمارات والتطوير العقاري، الذي تحدث عن التحولات الكبيرة التي شهدها المعمار السعودي، ودور رؤية 2030 في تشكيل مستقبل القطاع العمراني، بالإضافة إلى أبرز المشاريع التي تعيد رسم ملامح المدن السعودية.

 

مشروع "نيوم" مثال على الابتكار في مجال المدن الذكية والتكنولوجيا المستقبلية

كيف تطورت العمارة في السعودية؟

على مدار القرن الماضي، مرت العمارة في السعودية بتحولات جذرية تعكس التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية التي شهدتها المملكة. كما يمكن تقسيم هذا التطور إلى أربع مراحل رئيسية:

المرحلة التقليدية (ما قبل الثلاثينيات) كانت العمارة في السعودية تعتمد على البيئة الصحراوية ومواد البناء المحلية. حيث استخدم الطين في نجد، والحجر المرجاني في الحجاز، والحجر في عسير. تميزت المنازل التقليدية بجدران سميكة وساحات داخلية لتعزيز التهوية والخصوصية. مثل البيوت الطينية في نجد والمنازل الحجرية المزينة بالمشربيات في جدة.

مرحلة التحديث وطفرة النفط (الثلاثينيات – السبعينيات). مع اكتشاف النفط، بدأت مواد البناء الحديثة مثل الخرسانة والصلب والزجاج في الظهور. ما أحدث نقلة نوعية في البيئة العمرانية. ومن أبرز معالم هذه الفترة قصر المربع في الرياض. الذي أنشئ عام 1938 ودمج بين العناصر التقليدية والحداثة، إلى جانب تشييد أول ناطحات السحاب في جدة والرياض.

مرحلة التوسع الحضري والعولمة (الثمانينيات – العقد الأول من الألفية). أدى النمو الاقتصادي المتسارع إلى توسع المدن وتبني تصاميم مستوحاة من الطرز المعمارية العالمية. مع الحفاظ على الهوية المحلية. برزت مشاريع ضخمة مثل برج المملكة وبرج الفيصلية في الرياض. اللذان يجسدان اندماج التصميم المعماري الحديث مع العناصر الثقافية السعودية.

عصر رؤية السعودية 2030 (2016 – الحاضر) مع انطلاق رؤية 2030. شهدت السعودية طفرة غير مسبوقة في المشاريع العمرانية الضخمة، مثل نيوم. مشروع البحر الأحمر، القدية، وبوابة الدرعية. وتتميز هذه المشروعات بتصاميم مستقبلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. مع الحفاظ على الموروث الثقافي وإعادة دمجه في الهندسة المعمارية الحديثة.

 

نيوم

كيف عززت رؤية السعودية 2030 قطاع البناء والتشييد؟

منذ إطلاقها عام 2016، ساهمت رؤية السعودية 2030 بشكل كبير في ازدهار قطاع البناء والتشييد. حيث تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط عبر تطوير البنية التحتية وتعزيز السياحة وإنشاء المدن الذكية. كما أسهمت هذه الاستثمارات الضخمة في إحداث طفرة غير مسبوقة في المشاريع العمرانية. ما أدى إلى خلق فرص عمل واسعة وجذب الشركات المحلية والدولية للمشاركة في تنفيذ المشروعات الكبرى.

ما هي أبرز المعالم المعمارية الحديثة في السعودية؟

تشمل المعالم المعمارية الحديثة عددًا من المشاريع الضخمة التي تجسد رؤية طموحة للمستقبل. في مقدمتها نيوم المدينة المستقبلية التي تعتمد على أحدث التقنيات، ويبرز فيها مشروع “ذا لاين” الممتد على طول 170 كيلومترًا. بتصميم حضري فريد خالٍ من السيارات ويعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة.

أما مشروع البحر الأحمر، فيمثل نموذجًا للسياحة المستدامة، حيث يضم بنية تحتية صديقة للبيئة. ومنتجعات تعمل بالطاقة الشمسية، مع أنظمة متطورة للحفاظ على الموارد الطبيعية.

وفي مجال الترفيه، تأتي القدية، المجمع الترفيهي الضخم بالقرب من الرياض. الذي يسعى لتعزيز السياحة الداخلية والخارجية عبر مرافق ثقافية ورياضية عالمية المستوى.

ومن أبرز المعالم الثقافية، مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الظهران. والذي صممته شركة “سنوهتا” النرويجية بتصميم مستقبلي فريد من هياكل متشابكة مغطاة بالفولاذ المقاوم للصدأ. ليعكس الطموحات الثقافية والإبداعية للمملكة. ويضم متحفًا ومكتبة ومسرحًا وصالات عرض ومختبرات ابتكار.

 

نيوم
نيوم

كيف أثرت التقاليد السعودية في التصاميم المعمارية الحديثة؟

لا تزال التقاليد السعودية تلعب دورًا محوريًا في التصميم المعماري المعاصر. حيث يتم توظيف العناصر التقليدية مثل الأنماط الهندسية الإسلامية، والمشربيات. والساحات المظللة بشكل ملهم في مشاريع حديثة مثل محطات مترو الرياض ومشروع بوابة الدرعية.

ما أبرز التحديات التي مرت بها العمارة السعودية وكيف نجحت في تجاوزها؟

واجهت السعودية تحديات متعددة، أبرزها الاعتماد الكبير على العمالة والخبرات الأجنبية. إلى جانب الظروف المناخية القاسية التي تؤثر على استدامة المباني. لمواجهة هذه العقبات، أطلقت المملكة مبادرات تدريبية مثل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني (TVTC). وعملت على تعزيز برامج التعليم المعماري من خلال التعاون مع جامعات دولية. كما لعبت رؤية 2030 دورًا محوريًا في تطوير الكفاءات المحلية وتقليل الحاجة إلى الخبرات الأجنبية.

 

كيف يتم دمج تقنيات البناء المستدامة في المشاريع الجديدة؟

تشهد السعودية تحولًا كبيرًا نحو البناء المستدام، حيث تعتمد مبادئ العمارة الخضراء بشكل متزايد في مشاريعها الجديدة. فقد حصل أكثر من 80 مشروعًا على شهادة LEED، ومن أبرزها حي الملك عبدالله المالي، الذي يعتمد على تصميمات موفرة للطاقة. كما أن كود البناء السعودي (SBC) يلزم بدمج تقنيات الاستدامة مثل الأسطح المزودة بالطاقة الشمسية، العزل الحراري المتقدم، وأنظمة السباكة الموفرة للمياه.

كيف يكون مستقبل العمارة والبناء في المملكة؟

يتجه قطاع العمارة والبناء في السعودية نحو اعتماد تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، البناء المعياري، والطباعة ثلاثية الأبعاد، مما يعزز الكفاءة ويقلل من التكاليف ومدة التنفيذ. كما أن مفهوم “العمارة الذكية” أصبح أكثر حضورًا، من خلال دمج أنظمة متصلة بالإنترنت، تحكم آلي في المناخ، وصيانة تنبؤية تعتمد على البيانات. إلى جانب ذلك، تركز المشاريع المستقبلية على تصاميم بيئية تتكيف مع تحديات المناخ وتعزز الاستدامة.

كيف تصبح السعودية مركزًا إقليميًا للابتكار في العمارة والبناء؟

يمكن للسعودية تحقيق ذلك من خلال تعزيز الشراكات الدولية مع كبرى الشركات الهندسية مثل Foster + Partners، Snøhetta، وBechtel. إلى جانب تنفيذ إصلاحات حكومية تسهل ملكية الأجانب للعقارات وتحسن البيئة الاستثمارية. كما تلعب مبادرات مثل “لجنة العمارة والتصميم” دورًا محوريًا في تشجيع المعماريين السعوديين على تطوير هوية معمارية فريدة. تمزج بين التراث الثقافي والابتكار التكنولوجي.

 

 

الرابط المختصر :