الرياض تشهد تأسيس أول مكتب إقليمي لمنظمة السياحة العالمية
إطلاق التأشيرة السياحية قبل الجائحة قلل من تأثر السعودية بكورونا
اجتماع الباحة فرصة طيبة للترويج للسياحة
حاورها: حسين الناظر
إنها نموذج مشرق للمرأة السعودية والعربية، فهي أول عربية وأول خليجية تشغل منصب المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية، التابعة لهيئة الأمم المتحدة، كما صنفها البنك الدولي في مارس الماضي ضمن أصغر الرؤساء التنفيذيين سنًّا في المنطقة العربية، وصنفتها فوربس الشرق الأوسط في المرتبة 13 بين أقوى 100 امرأة عربية، والوحيدة في القائمة التي تمثل قطاع السياحة، إنها بسمة بنت عبدالعزيز الميمان، التي أجرينا معها هذا الحوار…
من هي بسمة الميمان؟
إنسانة سعودية بسيطة، ولدت بالولايات المتحدة الأمريكية، فترة ابتعاث والدي كضابط هناك، ودرست بالمدرسة الأمريكية بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد، فترة عمل والدي كملحق عسكري بها. وعندما عدت للوطن، التحقت بمدارس الرياض للبنين والبنات، وحصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي واللغويات من جامعة الملك سعود، أعقبه ماجستير إدارة الأعمال MBA من جامعة الفيصل بالتعاون مع جامعة أكسفورد البريطانية، ثم حصلت على دورات متقدمة في العلاقات الدولية من معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية.
ما أثر هذه التنشئة عليك؟
كان لنشأتي لها دور كبير في تكويني؛ إذ أتذكر قول سمو الأمير سلطان بن سلمان، عندما هنأني على منصبي الجديد بقوله: «تذكري دائمًا فضل الوالدين عليك؛ فتعليمهما وتربيتهما لك هما ما يميزك اليوم».
نشأت -بفضل الله- في أسرة منفتحة على الثقافات المختلفة؛ نتيجة التنقل بين عدة دول، كانت والدتي قارئة من الطراز الأول، فغرست فيّ حب القراءة والثقافة، وكان والدي كذلك؛ إذ حفظت منه جميع الرتب العسكرية بمسمياتها الأمريكية والبريطانية في سن السابعة أو الثامنة تقريبًا.
كيف كانت بدايتك مع العمل في قطاع السياحة؟
لم يكن عملي في مجال السياحة مخططًا له؛ لأنه قطاع حديث في المملكة، لكن فور تخرجي من الجامعة، عملت في الفريق الأول للهيئة العامة للسياحة منذ فترة التأسيس، فكانت الأعمال في البداية متنوعة، لكن استقر بي العمل كمسئولة عن ملف العلاقات الدولية؛ إذ كنت أمثل المملكة في عدد من مجالس الإدارة واللجان الدولية التي تضم في عضويتها وزراء السياحة، وكنت الوحيدة التي تشارك في هذه اللجان- ممثلة لمقعد المملكة- دون مرتبة وزير. عملت على تطوير وتعزيز علاقات المملكة مع المنظمات الدوليّة المرتبطة بأعمال الهيئة كالبنك الدولي، واليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها، بالإضافة إلى شركاء المملكة الدوليين في مجال السياحة والتراث والآثار والمتاحف والتراث العمراني، كما كنت مسؤولة بالكامل عن ملف علاقة المملكة بمنظمة السياحة العالمية، وساهمت- بالتعاون مع المنظمة- في إجراء دراسات وطنية متعلقة بالسياحة.
كذلك، أنا عضو مجلس إدارة المؤسسة الدولية السياحة المستدامة والحد من الفقر-التابعة لمنظمة السياحة العالمية- التي كانت تضم في عضويتها وزراء السياحة، وكنت العضو الوحيد في المجلس الدولي دون رتبة وزير، حتى تحول إلى منظمة دولية.
واخترت -بالإجماع- نائبًا لرئيس اللجنة المتخصصة لإعداد المشروع النهائي لاتفاقية منظمة السياحة العالمية الإطارية لآداب السياحة؛ وهي المعنية بأول ميثاق دولي للسياحة في الأمم المتحدة، كما ساهمت – كأول مسؤول عربي- في تأسيس اللجنة الدولية للبرامج والميزانية في منظمة السياحة العالمية ممثلة لإقليم الشرق الأوسط.
ومنذ نوفمبر 2018م؛ توليت منصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية، وكنت المرشحة الرسمية للسعودية، وسط منافسة شديدة من أكثر من 400 مرشح ومرشحة من عدد كبير من دول العالم، فأصبحت بفضل الله أول امرأة عربية، وأول مسؤولة خليجية في تاريخ هذه المنظمة الدولية، يفوز بمنصب رسمي فيها.
والحمد لله علاقتي بجميع الدول جيدة، فأتعامل مع جميع الدول كأنها بلدي، خاصة مصر التي تعد من الدول السياحية الكبرى ذات التاريخ والحضارة العريقة، وهي لها عضوية قديمة في منظمة السياحة العالمية ونشطة جدًا، وتربطها علاقات ومشاريع سياحية مع السعودية.
السياحة الأكثر تضررًا
تواجه السياحة تحديات منذ بداية العام الحالي، فماذا عن جهود المنظمة في التحفيف من هذه الأزمة؟
كان هناك تواصل مع الدول الأعضاء منذ بداية الجائحة؛ لمتابعة الإجراءات والمقاييس التي اتخذتها الدول للتخفيف من أثر الجائحة؛ إذ لا شك في أن قطاع السياحة هو الأكثر تضررًا من غيره، فلأول مرة تُغلق المطارات، ويتوقف الطيران، وتتجمد جميع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالسياحة؛ ما أثر على الدول التي تعتمد على نشاط السياحة بشكل رئيس.
بالنسبة للمملكة- ومن واقع خبراتي- لم تتأثر كثيرًا بالجائحة؛ لأن إطلاق التأشيرة السياحية كان قبل الجائحة بعدة أشهر، فأي ترتيب لتكييف قطاع السياحة مع الجائحة التي قد تستمر عامًا آخر أو عامًا ونصف العام هي بدايات التخطيط السياحي للمرحلة الحالية في المملكة.
الكنوز السياحية بالمملكة
هل كانت أزمة كورونا فرصة لاكتشاف الكنوز السياحية في المملكة، وتنشيط السياحة الداخلية؟
ما زلنا في فترة الوباء، التي أدت إلى انتعاش السياحة الداخلية في دول كثيرة؛ منها المملكة، فبعد فك الحظر بين المناطق وعودة الطيران والتنقل الداخلي، شاهدنا كثيرًا من المواطنين والمقيمين بالمملكة يرغبون في التجول وزيارة مناطق سياحية لم يزوروها من قبل؛ الأمر الذي نتج عنه ما يلي:
– أكبر تسويق للوجهات السياحية.
– التوعية بالسياحة الداخلية، والتعرف على آثار بلدك.
– لفت الأنظار لاحتياجات هذه المناطق السياحية من مرافق وخدمات.
– إحداث تغيير في خطة السياحة الداخلية، بناء على الطلب الذي لم يكن مخططًا له من رواد السياحة الداخلية.
واقع السياحة السعودية
كيف ترين واقع السياحة السعودية؟ ومدى الاهتمام بها؟
السياحة السعودية مبشرة، في ظل اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بقطاع السياحة، ووضعه في أولويات رؤية 2030، وتنفيذ عدد من أكبر المشاريع على خريطة السياحة العالمية؛ مثل مشاريع القدية، ونيوم، والبحر الأحمر، ومشاريع إبراز التراث الثقافي والأهمية التاريخية لبعض الوجهات؛ مثل الدرعية ومدائن صالح والعلا وغيرها.
إننا ننظر لهذه المشاريع على أنها سياحية فقط، بينما لها أبعاد أخرى؛ فمثلًا سيؤدي إطلاق مشروع نيوم إلى التكامل الإقليمي في السياحة، وفي الطيران بين المملكة ومصر والأردن.
لكن البنية التحتية في بعض المناطق السياحية، لاتزال تحتاج لعمل كبير لتكون جاهزة ولائقة بالمكانة الاقتصادية للمملكة.
ما رأيك في الإجراءات الإصلاحية وإعادة هيكلة قطاع السياحة؟
لا شك في ضرورة إعادة هيكلة القطاع؛ إذ تم إنشاء وزارة السياحة، وأصبحت الهيئة العامة للسياحة ذراعًا قويًا لها، وأعيد هيكلتها، علاوة على نقل قطاعات لوزارة الثقافة، وأُنشئ صندوق التنمية السياحية لدعم وتمويل المشروعات السياحية للقطاع الخاص، كما أُنشئت هيئة السياحة في البحر الأحمر؛ لتكون أهم مفردات هوية السياحة السعودية، وأهم الأنماط السياحية التي تُعرف بها المملكة.
وماذا عن إمكانيات واستعداد العنصر البشري في المملكة؟
في جميع دول العالم، نجد أن نسبة العنصر البشري من النساء في قطاع السياحة هي الأقل، وفق مسوحات وتقارير دولية لمنظمة السياحة العالمية؛ لذا نعمل الآن على تقرير إقليمي لعمل المرأة في القطاع في منطقة الشرق الأوسط.
وبشكل عام، تحتاج الكوادر في المملكة إلى تدريب، وإن كنا نرى في بعض المناطق، مجتمعًا يعمل في السياحة بطبيعته؛ مثل منطقة عسير؛ حيث كل من بالبيت يعمل بالسياحة والضيافة والمنتجات المرتبطة بالسياحة؛ كالحرف التقليدية، وفنون الطهي، والإرشاد السياحي، وتحويل بعض البيوت لمتاحف خاصة، فتجد جميع أفراد الأسرة يشاركون في هذا المنتج السياحي؛ الأمر الذي يستحق الدعم والتركيز عليه. وقد رأينا كيف استقبلت منطقة عسير الآلاف من المواطنين والمقيمين بسبب الجو البديع في فصل الصيف.
بشكل عام، تعد السياحة قطاعًا متطورًا، ويحتاج العمل فيه دائمًا إلى تدريب مستمر.
ما جهود المنظمة في هذا المجال؟
من الأخبار السارة، أن منظمة السياحة العالمية وقعت اتفاقية مع حكومة المملكة -ممثلة في معالي وزير السياحة أحمد الخطيب- لإنشاء أكاديمية للتدريب السياحي، بمعايير عالمية، ومتوافقة مع معايير الأمم المتحدة لتدريب العاملين في قطاع السياحة والقطاعات المرتبطة بالسياحة، تُفتتح إن شاء الله مطلع العام القادم. تسهم الأكاديمية في تطوير الموارد البشرية لمواكبة العرض والطلب في سوق السياحة الوطني؛ إذ من المتوقع أن يشهد هذا السوق توسعًا مذهلًا في المملكة.
اليوم العالمي للسياحة
احتفل العالم مؤخرًا باليوم العالمي للسياحة، فما أهم الرسائل التي نؤكد عليها في هذه المناسبة؟
اليوم العالمي للسياحة، أقرته هيئة الأمم المتحدة عام 1970؛ للتركيز على أنماط السياحة؛ حيث يأتي هذا العام تحت شعار” السياحة والتنمية الريفية”؛ خاصةً وأن للمجتمعات الريفية دورًا كبيرًا في العائد الاقتصادي والوظائف السياحية والترويج للسياحة في أي بلد، لكن ينقصها التمويل والتوعية والإعلام.
وللأسف استغرقنا هذا العام كله في مقاومة فيروس كوفيد-19؛ لذا قد لا تتمكن جميع الدول من الاحتفال به، لكنه قد يكون فرصة للتركيز على المناطق الريفية وإبراز مقوماتها وجمالياتها، والتعريف يهذه المجتمعات، وجهودها في تنمية السياحة الوطنية.
ما دور المكتب الإقليمي لمنظمة السياحة العالمية بالرياض؟
جاءت فكرة أن يكون لدينا مكتب إقليمي للمنظمة- كأول مكتب خارج المنظمة والأول في منطقة الشرق الأوسط- تقديرًا من منظمة السياحة العالمية للسعودية، وجهودها التي وضعت التحول الاقتصادي في السياحة على أجندة رؤية 2030، وما تقوم به من إنشاء أكبر المشروعات السياحية العالمية.
يقع مقر المنظمة بالعاصمة الإسبانية مدريد، ولا شك في أن وجود مكتب إقليمي للمنظمة بالرياض- قلب منطقة الشرق الأوسط- يعزز من تواجدها في المنطقة، ويسهل التواصل مع الشركاء الرؤساء في هذه المشاريع.
فالمنطقة الحمد لله بخير، فهناك دول عربية تركز على السياحة أولها مصر والإمارات وعمان والسعودية والأردن وغيرها، كما أن هناك عملًا مباشرًا من الرياض مع مدريد لتفعيل دور هذا المكتب، الذي يخدم جميع دول الشرق الأوسط.
اجتماعات مجموعة العشرين
تستضيف المملكة هذا العام ضمن اجتماعات مجموعة العشرين اجتماعات مهمة، فما نصيب السياحة منها؟
استضافت السعودية الشهر الماضي لأول مرة لجنة السياحة بالشرق الأوسط، افتراضيًا بمدينة الباحة؛ بسبب الجائحة، باسم “اجتماع الباحة” لوزراء السياحة، وكان فرصة طيبة للترويج للسياحة في الباحة، وحشد جهود رجال الأعمال للاستثمار في مشروعات السياحة بالمنطقة.
وسوف تستضيف الرياض اجتماع وزراء السياحة بمجموعة العشرين، ومجموعة العشرين لوزراء السياحة، التي أسستها منظمة السياحة العالمية منذ أكثر من 11 عامًا. وهذا العام ستستضيف المملكة اجتماعاتها ضمن اجتماعات مجموعة العشرين، التي نأمل أن تخرج بتوصيات تسهم في دعم وتعزيز السياحة على مستوى العالم، وتخفيف آثار جائحة كوفيد-19 على قطاع السياحة والعاملين فيه.
بسمة الميمان في سطور
ــ المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية منذ نوفمبر 2018م.
ــ بكالوريوس الأدب الإنجليزي واللغويات من جامعة الملك سعود.
ــ ماجستير إدارة الأعمال MBA من جامعة الفيصل بالتعاون مع جامعة أكسفورد البريطانية.
ــ دورات متقدمة في العلاقات الدولية من معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية.
ــ أول عربية وخليجية تشغل منصب المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية.
ــ صنفها البنك الدولي في مارس الماضي ضمن أصغر الرؤساء التنفيذيين سنًّا في المنطقة العربية.
ــ صنفتها فوربس الشرق الأوسط في المرتبة 13 بين أقوى 100 امرأة عربية، والوحيدة في القائمة التي تمثل قطاع السياحة.
ــ مسؤولة بالكامل عن ملف علاقة المملكة بمنظمة السياحة العالمية.
ــ ساهمت في إجراء دراسات وطنية متعلقة بالسياحة.
ــ عضو مجلس إدارة المؤسسة الدولية السياحة المستدامة والحد من الفقر-التابعة لمنظمة السياحة العالمية.
ــ نائب رئيس اللجنة المتخصصة لإعداد المشروع النهائي لاتفاقية منظمة السياحة العالمية الإطارية لآداب السياحة.
ــ أول مسؤول عربي يشارك في تأسيس اللجنة الدولية للبرامج والميزانية في منظمة السياحة العالمية ممثلة لإقليم الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا: «بسمة الميمان»: اليوم العالمي للسياحة فرصة للتركيز على المناطق الريفية