الصحة النفسية هي الثروة الحقيقية التي غالبًا ما نغفل عنها في زحمة الحياة اليومية، فهي حالة من الرفاهية تسمح لنا بالعيش حياة كاملة ومريحة.
عندما تكون صحتنا النفسية جيدة، نتمكن من مواجهة تحديات الحياة بمرونة، وبناء علاقات قوية، وتحقيق أهدافنا.
الوعي بأهمية الصحة النفسية.. الخطوة الأولى
ولأن الوعي بأهمية الصحة النفسية، الخطوة الأولى نحو عيش حياة أكثر سعادة وإنتاجية على المستوى الشخصي والاجتماعي والمهني، حرصت “الجوهرة” على إجراء حوار مع الدكتورة صفاء محمود حمودة؛ أستاذ مساعد الطب النفسي بكلية الطب البشري جامعة الأزهر المصرية.
وسلطت الدكتورة “صفاء” خلال الحوار، الضوء على جوانب عدة متعلقة بالصحة النفسية، سواء فيما يخص معرفة بأسرارها، أو أبرز المشكلات النفسية التي تواجه المراهقين وكيفية تعامل الآباء معها.. وإلى نَص الحوار:
– عرفينا بنفسك
أنا الدكتورة صفاء محمود حمودة؛ أستاذ مساعد الطب النفسي بكلية الطب البشري جامعة الأزهر المصرية.
– ما سبب اختيارك مجال علم النفس للدراسة؟
اخترت مجال علم النفس للدراسة لكون النفس البشرية هي أعلى وأعظم ما خلقه الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، ولذلك؛ التعامل معها مهم جدًا وفهمها يساعد الإنسان على عيش حياة جيدة.
كما أن الصحة النفسية تؤثر في الجسم بأكمله، سواء جهاز المناعة أو الجهاز العصبي والكبد والكلى والأورام، ولذلك؛ إذا كانت الحالة النفسية سيئة سيؤثر ذلك في الجسم بأكمله بالسلب، وإذا كانت جيدة سينعكس بالإيجاب على الصحة الجسدية.
– كيف انعكست دراسة علم النفس على حياتك الشخصية والأسرية؟
انعكست بالإيجاب؛ إذ مكنتني الدراسة من معرقة نقاط الضعف لدي وأخطائي والعمل على إصلاحها. كما أنها ساعدتني في تربية أبنائي، وقادتني إلى تحقيق النضج النفسي والاجتماعي والمهني الكافي. وهو ما انعكس أيضًا بالإيجاب على حياتي الشخصية والاجتماعية والمهنية.
4- ما أهمية دراية الإنسان بأسرار صحته النفسية؟
دراية الإنسان بأسرار صحته النفسية أمر بالغ الأهمية، ويلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ عليها ودعمها. كالتالي:
1. فهم الذات بشكل أعمق من خلال:
- معرفة نقاط القوة والضعف: يساعد فهم الصحة النفسية على تحديد الجوانب الإيجابية في شخصيتك وكيفية استثمارها. وكذلك التعرف على نقاط الضعف وطرق التعامل معها أو تحسينها.
- فهم المشاعر وردود الفعل: يمكّنك من خلال فهم سبب شعورك بطريقة معينة في مواقف مختلفة، وكيفية تأثير ذلك في سلوكك وتفاعلك مع الآخرين.
- معرفة المحفزات والضغوط: يساعدك على تحديد العوامل التي تسبب لك التوتر أو القلق أو غيرها من المشاعر السلبية، وكيفية التعامل معها أو تجنبها.
2. الوقاية من المشكلات النفسية:
- الكشف المبكر عن المشكلات: من خلال فهم الصحة النفسية، يمكنك التعرف على العلامات المبكرة للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، وبالتالي طلب المساعدة مبكرًا.
- اتخاذ إجراءات وقائية: يمكنك اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على صحتك النفسية، مثل ممارسة الرياضة، والتغذية الصحية، والنوم الكافي، وتقنيات الاسترخاء.
3. تحسين جودة الحياة:
- علاقات أفضل: فهم الصحة النفسية يساعدك على بناء علاقات صحية وإيجابية مع الآخرين، من خلال فهم احتياجاتهم ومشاعرهم والتواصل معهم بفاعلية.
- أداء أفضل في العمل والدراسة: الصحة النفسية الجيدة تسهم في زيادة التركيز والإنتاجية والإبداع. وبالتالي تحقيق النجاح في مختلف جوانب الحياة.
- الشعور بالسعادة والرضا: فهم الصحة النفسية يساعدك على فهم مصادر سعادتك ورضاك، وكيفية تعزيزها في حياتك.
4. التعامل مع التحديات والصعاب:
- المرونة النفسية: فهم الصحة النفسية يساعدك على تطوير المرونة النفسية والتكيف مع التغيرات والتحديات في الحياة.
- إستراتيجيات المواجهة: يمكنك تعلم إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الضغوط والمواقف الصعبة، مثل حل المشكلات والتفكير الإيجابي.
5- ما أبرز المشكلات النفسية التي تواجه المراهقين؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
مرحلة المراهقة هي مرحلة انتقالية مهمة في حياة الإنسان، يشهد فيها المراهق تغيرات جسدية وعقلية وعاطفية كبيرة، تجعله عرضة للعديد من المشكلات النفسية. من أبرز هذه المشكلات:
- اضطراب الهوية: لا يعرف مَن هو أو ما يريده وما هي مكانته الحقيقية في المجتمع.
- مشكلات صورة الذات: قد يعاني المراهق من تدني صورة الذات والشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس.
- الاكتئاب: يعد الاكتئاب من أكثر المشكلات النفسية شيوعًا بين المراهقين؛ حيث يشعر المراهق بالحزن الشديد وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كان يستمتع بها سابقًا، وقد يعاني من تغيرات في الشهية والنوم والتفكير.
- القلق: يشعر المراهق بالقلق والتوتر والخوف بشكل مفرط، وقد يعاني من أعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة وصعوبة التنفس.
- اضطرابات الأكل: قد يعاني المراهق من مشكلات في الأكل مثل فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، وقد يتطور الأمر إلى اضطرابات خطيرة مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي.
ويمكن التعامل مع هذه المشكلات من خلال اتباع مجموعة من النصائح، مثل:
- التواصل الفعال: من المهم أن يتواصل الأهل والمربون مع المراهق بفاعلية، والاستماع إليه بانفتاح وتفهم، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره وأفكاره.
- الدعم العاطفي: يحتاج المراهق إلى الدعم العاطفي من الأهل والأصدقاء، والشعور بالحب والقبول والتقدير.
- طلب المساعدة المتخصصة: إذا كان المراهق يعاني من مشكلات نفسية حادة، فمن المهم طلب المساعدة من متخصص نفسي، مثل طبيب نفسي أو معالج نفسي.
- خلق بيئة داعمة: يجب توفير بيئة داعمة للمراهق في المنزل والمدرسة والمجتمع، تشجعه على النمو والتطور الصحي.
- تشجيع الهوايات والأنشطة الإيجابية: يساعد ممارسة الهوايات والأنشطة الإيجابية المراهق على التعبير عن نفسه. وتنمية مهاراته وتعزيز ثقته بنفسه.
- التوعية والتثقيف: من المهم توعية المراهقين وأسرهم حول المشكلات النفسية وكيفية التعامل معها. وذلك من خلال البرامج التثقيفية والمحاضرات وورش العمل.
6- كيف يمكن بناء علاقة صداقة مع الأبناء في سن المراهقة؟
بناء علاقة صداقة مع الأبناء في سن المراهقة يُعد تحديًا ولكنه استثمار قيم في مستقبل علاقتكما.
هذه المرحلة العمرية، تتسم بالتغيرات الجسدية والنفسية والعاطفية السريعة، وتتطلب من الآباء والأمهات بذل جهد مضاعف لفهم أبنائهم والتواصل معهم بفاعلية.
فبدلًا من التركيز على السلطة والتوجيهات الصارمة، من المهم بناء جسور من الثقة والاحترام المتبادل؛ ما يُمهد الطريق لعلاقة صداقة متينة تساعد المراهق على اجتياز هذه المرحلة بأمان وثقة.
لكي تكون صديقًا لابنك أو ابنتك المراهقة، يجب أن تكون قدوة حسنة لهم. كن ملتزمًا بالقيم والمبادئ التي تريد أن تُغرسها فيهم، وكن مثالًا يُحتذى به في سلوكك وأفعالك.
تحكم في انفعالاتك وغضبك أمامهم، وعلمهم كيفية التعامل مع المشاعر السلبية بطريقة صحية. إذا أخطأت، اعترف بخطئك واعتذر، فهذا يعلمهم التواضع والصدق والمسؤولية.
قضاء وقت ممتع معًا يعزز الروابط بينكما ويساعد على بناء ذكريات مشتركة. شارك ابنك أو ابنتك في الأنشطة التي يحبونها، سواء كانت مشاهدة فيلم، أو ممارسة رياضة، أو الذهاب في نزهة، أو حضور فعالية ثقافية.
خصص وقتًا خاصًا لكل منهم على حدة، فهذا يشعرهم بأهميتهم وبأنك تخصص لهم اهتمامًا خاصًا. حاول أن تتناول وجبات الطعام معًا كعائلة قدر الإمكان، فهذه فرصة جيدة للتواصل وتبادل الحديث في جو مريح.
التواصل الفعال مهم أيضًا، ولا يقتصر التواصل على مجرد تبادل الكلمات، بل يتعداه إلى الإنصات الحقيقي والاهتمام بما يشعر به المراهق ويفكر فيه.
عندما يتحدث ابنك أو ابنتك، امنحه كامل انتباهك، وتجنب مقاطعته أو إصدار الأحكام السريعة، وحاول فهم وجهة نظره حتى لو كانت مختلفة عن وجهة نظرك.
من المهم أيضًا أن تتحدث أنت بصراحة وصدق عن مواضيع مختلفة، حتى تلك الحساسة مثل العلاقات والصداقات والضغوط الاجتماعية. شاركهم تجاربك الشخصية وكيف تعاملت مع مواقف مماثلة، فهذا يُساعدهم على الشعور بأنك تفهمهم وأنك كنت في مكانهم يومًا ما.
الاحترام المتبادل هو حجر الزاوية في أي علاقة صداقة، بما في ذلك العلاقة مع الأبناء المراهقين. امنح ابنك أو ابنتك مساحة من الحرية والخصوصية، واحترم رغبته في قضاء بعض الوقت بمفرده أو مع أصدقائه.
وقدّر آراءهم وأفكارهم حتى لو كنت لا تتفق معها، وحاول فهم منطقهم. وتجنب الانتقاد المستمر والمقارنة بالآخرين، فهذا يضعف ثقتهم بأنفسهم ويبعدهم عنك. بدلًا من ذلك، ركز على الإيجابيات وشجع السلوك الجيد.
كما أن الدعم والتشجيع المستمر يساعد المراهق على النمو والتطور بثقة. شجع ابنك أو ابنتك على تنمية مواهبهم وقدراتهم، وادعمهم في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
كن بجانبهم في الأوقات الصعبة، وقدم لهم الدعم النفسي والمعنوي. واستمع إليهم، وساعدهم على إيجاد حلول لمشكلاتهم. واحتفل بإنجازاتهم مهما كانت صغيرة، فهذا يعزز ثقتهم بأنفسهم ويشعرهم بالفخر.
وتذكر أيضًا أن بناء علاقة صداقة مع الأبناء في سن المراهقة يتطلب المرونة والتفهم. تفهم التغيرات الهرمونية والنفسية التي يمرون بها، وكن صبورًا ومتفهمًا لتقلبات مزاجهم. وتكيف مع تطور احتياجاتهم واهتماماتهم مع نموهم.