لا شك أن الجميع في طفولتهم يحبون التملك، وقد لا يكترث بعضهم لمشاعر الآخرين، لكن مع النضج تتطور رؤية الطفل للعالم ويدرك أن رغباته يجب أن لا تتعارض مع مشاعر الغير ومصالحهم أو أن تتسبب في حرمانهم من الأشياء التي يملكونها.
كتبت- صبحة بغورة:
يرادف في أحوال كثيرة عند الطفل النزوع الشديد نحو حب التملك المرضي لمفهوم الأنانية. وحب التملك عند الأطفال هو التمسك بالأشياء والرغبة في تملكها دون معرفة مفهوم الملكية أو إدراك معنى أن لكل شخص أغراضه الخاصة، وأنه غير مباح لأحد أخذ أشياء الآخرين دون علمهم أو بغير موافقتهم.
ولكن قد يكون لحب التملك فوائد للطفل منها أن يعي معنى أن تكون له حاجاته الخاصة التي يجب التمسك بها والمحافظة عليها. ولكن التطرف في هذا يؤدي به إلى الإفراط المقيت في استباحة حاجات الآخرين ونفور أقرانه منه وابتعادهم عنه.
الأنانية
كثير ما يطلق الوالدان هذه الصفة على طفلهما بصيغة قدحية. وهم لا يدرون أن مجرد إطلاقها على الطفل يعد خطأ شائعًا وسلوكًا سيئًا في التربية. لأنه يمكن أن يؤدي لاحقًا إلى إحراجات معنوية، يمكن أن تبلغ حد التشوهات النفسية.
فكما أن إطلاق الصفات الحسنة على الأطفال في سن مبكرة يسرهم؛ لأنه يؤدي إلى اعتقادهم الكامل بأنهم هكذا، فكذلك الأمر نفسه بالنسبة لإطلاق الصفات السيئة عليهم يجعلهم يظنون أنهم يحملون هذه الصفات فعلًا.
إن لظهور السلوك الأناني المتحور من حب التملك عند الأطفال عدة أسباب منها: سوء معاملته وإهماله، الذي يجعله يميل إلى الاهتمام بنفسه فقط؛ لأنه أصبح يعرف مقدمًا أنه لن يحصل على شيء أو لن ينال أي اهتمام من الآباء.
وفي المقابل فإن التدليل الزائد للطفل والحب المبالغ فيه من الوالدين والمسارعة إلى تلبية كل طلباته وعدم عقابه على تجاوزاته خاصة إذا كان وحيدا كل هذا يؤدي إلى فساد طبعه. كأن يجعله دائمًا يعتقد أنه متميز، وتميزه يبيح له اقتناء ما يريد وقت ما يشاء. ولا يبالي بأي أذى يلحق بالغير بل ويتفاخر على أقرانه بما حصل عليه ولو عن غير حق.
اكتئاب الطفل وعلاقته بالأنانية
أما الطفل المصاب بحالة الاكتئاب، والذي يعاني من القلق الشديد، فغالبًا ما يميل إلى التركيز على ذاته والانكفاء على نفسه. وهذا يجعله في حالة اضطراب دائم وعدم اتزان نفسي. فيصبح نتيجة لذلك فيما بعد أنانيًا. والحقيقة أن مبعث نزوعه إلى هذه الأنانية هو تزايد شعورة بعدم ثقته في الآخرين.
وتعتبر مشاعر الغيرة الزائدة من الحالات شديدة التأثير في سلوك الطفل، سواء تجاه أخيه أو أخته أو أحد آخر من الأقرباء أو الأوساط البعيدة. ويحاول الاستحواذ على أشيائهم.
كما أن حدوث تصرف يصدر من أحد الآباء أو فرد من أفراد العائلة بشكل أناني سيرسخ في ذهن الطفل على سوئه مثالًا بالنسبة له. خاصة عندما يكون الطفل في حداثة عمره أو في حالة عدم نضج المشاعر العاطفية.
سلوك الآباء
مثل هذه الأسباب وغيرها، على الآباء أن يكونوا على دراية بها، وأن يجتهدوا في التعرف على مشاكل طفلهم بالمدرسة. ويحاولوا تقييم السلوك المنزلي ونظام البيت في حالات الثواب والعقاب.
والأهم أن يراقب الوالدين سلوكهما وأفعالهما وأقوالهما، إن كانت تتسم بحب الذات أو بعدم الاكتراث بالآخرين، والتصحيح الفعّال يبدأ بعدم التسامح مع أفعال الأنانية، كخطف متعلقات الغير، سواء بالمنزل أو المدرسة أو الحي أو تناول الطفل حلوى بغير استئذان صاحبها.
ووجب التنبيه إلى أن نوع العقاب لا ينبغي أن يصل حد الإيذاء الشديد؛ إذ يكفي حرمان الطفل من ممارسة لعبة مفضلة إليه أو مشاهدة التلفاز.
ويجب وضع حدود مناسبة لسن الطفل والالتزام بها وعدم الاستسلام في حالة البكاء ولو كان عنيفًا، حتى يفهم أنه لن يحصل على ما يريد في أي وقت يشاء حتى ولو كان بسيطًا أو كان من الممكن تنفيذه بسهولة.
أي يجب أن يكون هناك حزم في النهي من الجانبين، الأب والأم، حتى لا يعتاد الطفل على تنفيذ ما يريد وقد أدرك عدم جدية الآباء. أو أن الأمر في تقديره لن يتعدى مجرد التهديد. أو أن يلجأ إلى الطرف الأكثر تساهلًا، محاولًا ابتزازه عن طريق البكاء، ومن المفضل الحرص على إخباره سبب خطأ السلوك الأناني، وجعله مدركًا لعواقبه.
أساليب تربوية ناجحة
ومن الأساليب التربوية الناجحة المطبقة في مجال تدريب وتعليم الطفل كيفية التعاطف مع الآخرين وذلك من خلال تفهّم أعذارهم وتقدير مواقفهم والاحساس بآلامهم. وبأن يحاول أن يضع نفسه في مكانهم.
وسيكون من الواجب مساعدة الطفل في إدراك ذلك والتدرب عليه، كلما سنحت الفرصة عن طريق الإشارة إلى مواقف ومشاعر الآخرين كشرح معاني تعبيرات وجوه الأشخاص من خلال تأمل تقاسيمهم؛ لمساعدته على فهم الفرق بين المشاعر المختلفة، مثل: الفرح والحزن والرضا والغضب، والتعرف على طبيعة الأفعال التي أحدثت مثل ردود الفعل هذه.
ومن الأساليب الشائعة توجيه السؤال إلى الطفل عما سيكون شعوره لو أن أحدهم خطف لعبته منه. أو أخذها دون علمه، هل سيشعر حينها بالسعادة؟
هذا الأسلوب سيساعده على بناء مشاعر التعاطف في نفسه. ويحبذ لو أمكن تقديم مكافأة على الأعمال الخالية من الأنانية وحب التملك التي يقوم بها الطفل لتشجيعه على الإكثار منها وتكرارها. وشرح الأثر الطيب للفعل الجيد على الآخرين. والثناء عليه بالكلمات، كلما بادر بها وأكثر من فعل المزيد من أعمال الخير المختلفة.
وخاصة عندما يشركه الوالدان في تقديم الصدقات. ويحثانه على توفير بعض المال من مصروفه والتبرع به. إلى جانب الملابس والأدوات للفقراء والمعوزين وحضوره في حساب ودفع زكاتي المال وعيد الفطر.
الآباء مسؤولون عن تقديم النموذج الجيد في عدم الأنانية وإظهار المثال الحي على عدم حب التملك المرضي. لأن الأطفال يتأثرون بالأفعال أكثر من الأقوال، وهنا يكون من الحكمة أن تشرح الأم ربة البيت التضحيات التي يقوم بها الأب لتوفير الحياة الكريمة لكل أفراد الأسرة. وكذلك الأب بالنسبة لدور الأم.
وكلما تنوعت مشاركة الأب في مجال الأعمال الاجتماعية والخيرية. وتوسعت إلى الأعمال التطوعية. كان ذلك مؤثرًا في توجيه سلوك الطفل وتهذيب تصرفاته. فتربية الطفل على حب العطاء والمسارعة في تقديم الخيرات هو العلاج الرئيس المناسب لحب التملك المرضي عند الأطفال.