في تطور طبي بالغ الأهمية، أعلنت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا (NHS) عن إطلاق برنامج علاجي جديد يعتمد على نسخة مُعدلة من عقار “نيفولوماب” (Nivolumab)، والذي يُعطى عن طريق الحقن تحت الجلد في غضون خمس دقائق فقط. ويُبشر هذا العلاج المناعي المبتكر بعلاج ما يصل إلى 15 نوعًا مختلفًا من السرطان، مستغنيًا بذلك عن الحاجة إلى العلاجات التقليدية القاسية كالعلاج الكيميائي والإشعاعي.
عقار “نيفولوماب” لعلاج أنواع مختلفة من السرطان
يُعرف هذا العقار إعلاميًا بـ “الحقنة الخارقة”، ويستخدم حاليًا في علاج مجموعة واسعة من الأورام الخبيثة، تشمل سرطانات الرئة، والجلد (الميلانوما)، والكلى، والمثانة، والمريء، بالإضافة إلى أنواع أخرى.
كما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1200 مريض في إنجلترا يستفيدون من هذا العلاج شهريًا. وذلك في إطار اتفاقية تسعير مجدية مع شركة “بريستول مايرز سكويب” المصنعة للدواء، والتي لن تُحمل النظام الصحي أعباء مالية إضافية.
تحفيز قوة المناعة الذاتية
بينما يكمن جوهر الابتكار في آلية عمل “نيفولوماب”، الذي يختلف جذريًا عن العلاجات التقليدية التي تستهدف تدمير الخلايا السرطانية بشكل مباشر. وغالبًا ما تلحق أضرارًا بالخلايا السليمة في الجسم. يعتمد العقار الجديد على مبدأ العلاج المناعي. حيث يعمل على تعزيز وتنشيط الجهاز المناعي للمريض، وتمكينه من التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها والقضاء عليها بكفاءة عالية. هذه الآلية الفريدة تقلل بشكل ملحوظ من الآثار الجانبية المصاحبة للعلاجات التقليدية، وبالتالي تحسين جودة حياة المرضى بشكل كبير. حسب “مونت كارلو الدولية”.
خطوة ضمن استراتيجية وطنية طموحة
كما يعد إدخال “نيفولوماب” بتقنيته الجديدة جزءًا من خطة وطنية شاملة تتبناها بريطانيا لتحديث. وتطوير سُبل علاج السرطان، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز الاعتماد على العلاج المناعي. كما يطمح الخبراء إلى أن يمتد استخدام هذه التقنيات مستقبلًا ليشمل الاستخدام الوقائي للأفراد الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان. ويرى الأطباء أن هذه الخطوة تمثل بداية حقبة جديدة في علاجات الأورام، تجمع بين الفعالية العالية وسرعة وسهولة التطبيق.
بريطانيا في طليعة الابتكار الطبي
مع التوسع التدريجي في استخدام “نيفولوماب” بتقنيته الحديثة، تبرز بريطانيا كإحدى الدول الرائدة في تبني الحلول الطبية المتقدمة لمكافحة السرطان. كما يعزز هذا التوجه الآمال بتحقيق تحولات جذرية في علاج هذا المرض المعقد خلال السنوات القادمة.
“نيفولوماب”.. نافذة أمل جديدة في عالم الطب
يعد إقرار استخدام عقار “نيفولوماب” لعلاج هذا العدد الكبير من أنواع السرطان بمثابة “نقطة تحول غير مسبوقة” في المعركة ضد أحد أخطر التحديات الصحية في عصرنا.
آلية عمل “نيفولوماب”
ينتمي “نيفولوماب” إلى فئة من الأدوية تُعرف باسم مثبطات نقاط التفتيش المناعية (Immune Checkpoint Inhibitors)، ويمثل طفرة نوعية في مجال العلاج المناعي للأورام. يعتمد العلاج على آلية معقدة تهدف إلى تحرير قدرة الجهاز المناعي على مكافحة الخلايا السرطانية.
يستهدف “نيفولوماب” بروتين محدد يُطلق عليه اسم PD-1 (Programmed Death-1)، وهو بروتين يتواجد على سطح الخلايا التائية (T-cells)، وهي خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن الاستجابة المناعية في الجسم. تستغل الخلايا السرطانية هذا البروتين كآلية دفاعية للتهرب من اكتشاف ومهاجمة الجهاز المناعي، حيث تقوم بتفعيل PD-1 على الخلايا التائية، مما يعطل قدرتها على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها.
يعطل “نيفولوماب” بدوره هذا التفاعل بين بروتين PD-1 والخلايا السرطانية، وبالتالي إزالة “الحاجز” الذي كانت تستخدمه الخلايا السرطانية للاختباء. ونتيجة لذلك، يستعيد الجهاز المناعي قدرته الطبيعية على التعرف على الخلايا السرطانية وتوجيه استجابة مناعية قوية ضدها، مما يؤدي في النهاية إلى تدمير الورم.
قائمة بأنواع السرطان المستهدفة
وفقًا للإعلانات الرسمية الصادرة عن هيئة الصحة البريطانية، فقد تمت الموافقة على استخدام “نيفولوماب” لعلاج ما يزيد عن 15 نوعًا من السرطان، تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
- سرطان الرئة
- سرطان الكلى
- سرطان الجلد (الميلانوما)
- سرطان المثانة
- سرطان الرأس والعنق
- سرطان الكبد
- سرطان الغدد الليمفاوية هودجكين
- أنواع معينة من سرطان القولون والمستقيم
- أنواع معينة من سرطان المعدة والمريء
- بعض أنواع سرطان الثدي المتقدمة أو المنتكسة
- سرطان عنق الرحم المتكرر أو المنتشر
- ورم الظهارة المتوسطة الجنبي الخبيث
وتشمل القائمة أيضًا أنواعًا أخرى من السرطانات المتقدمة أو التي أظهرت مقاومة للعلاجات التقليدية الأخرى.
مزايا “نيفولوماب”
كما يحدث “نيفولوماب” نقلة نوعية في علاج السرطان لعدة أسباب جوهرية:
- استهداف دقيق: على عكس العلاج الكيميائي والإشعاعي اللذين يستهدفان الخلايا سريعة الانقسام بشكل عام (بما في ذلك الخلايا السليمة)، يحفز “نيفولوماب” الجهاز المناعي لاستهداف الخلايا السرطانية تحديدًا، مما يقلل من الأضرار التي تلحق بخلايا الجسم السليمة.
- آثار جانبية أقل: بفضل آليته الدقيقة، يتميز العلاج المناعي بشكل عام بآثار جانبية أقل حدة مقارنة بالعلاجات التقليدية، مما يحسن بشكل كبير من تحمل المرضى للعلاج ونوعية حياتهم.
- فعالية في المراحل المتقدمة: أظهر “نيفولوماب” نتائج واعدة في علاج أنواع من السرطان كانت تعتبر سابقًا صعبة العلاج أو غير قابلة للشفاء، خاصة في المراحل المتقدمة أو عندما تفشل العلاجات الأخرى.
- تحويل السرطان إلى مرض مزمن: في بعض الحالات، ساهم “نيفولوماب” في تحويل بعض أنواع السرطان من أمراض قاتلة إلى أمراض مزمنة يمكن التعايش معها لفترات طويلة.
- تحقيق شفاء جزئي أو كلي: في بعض الحالات الأخرى، أدى استخدام “نيفولوماب” إلى تحقيق استجابات علاجية عميقة، بما في ذلك حالات الشفاء الجزئي أو حتى الكلي للمرض.
نتائج التجارب السريرية تزرع الأمل
كما أكدت نتائج العديد من التجارب السريرية التي شملت آلاف المرضى المصابين بأنواع مختلفة من السرطان. وفي مراحل مختلفة من المرض، على الفعالية الكبيرة لعقار “نيفولوماب”. وقد لوحظ تحقيق نسب استجابة مرتفعة للعلاج، حتى لدى المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسات زيادة ملحوظة في فترات البقاء على قيد الحياة لدى المرضى الذين تلقوا العلاج المناعي. ما يعزز الآمال في تحقيق شفاء أو سيطرة طويلة الأمد على المرض.
إشادة الخبراء وتطلعات مستقبلية
وصف خبراء هيئة الصحة البريطانية إدراج “نيفولوماب” ضمن بروتوكولات العلاج بأنه “لحظة تاريخية” و”نقلة نوعية حقيقية في مسيرة الطب الحديث”.
وأكد الأطباء أن هذا العلاج يمثل بصيص أمل جديد لملايين المرضى حول العالم. ويساهم في تغيير النظرة إلى مرض السرطان من كونه حكمًا بالإعدام إلى تحدٍ طبي يمكن السيطرة عليه.
ومع استمرار الأبحاث والتطورات في مجال العلاج المناعي، يبدو أن “نيفولوماب” يمثل مجرد بداية لعصر جديد في طب الأورام، يعتمد على تسخير قوة البيولوجيا الذكية والجهاز المناعي في مكافحة الأمراض الخبيثة، بدلًا من الاعتماد بشكل أساسي على العلاجات الكيميائية والإشعاعية ذات الآثار الجانبية الكبيرة. وإذا استمرت هذه النجاحات السريرية، فقد نشهد تحولًا جذريًا في كيفية التعامل مع مرض السرطان، وصولًا إلى إمكانية تحويله إلى مرض مزمن قابل للتعايش أو حتى القضاء عليه نهائيًا.