تشق المخرجة السعودية الشابة ثريا أبار طريقها بثبات في عالم صناعة الأفلام، قادمة بخلفية ثرية في عالم التصوير الفوتوغرافي والفيديو الرقمي. قبل أن تستقر خلف كاميرات السينما، إذ أمضت أبار سنوات في إنتاج إعلانات الفيديو ولوحات الطرق، بالإضافة إلى ذلك الإعلانات المتحركة لمنصات الإنترنت والوسائط المتعددة. لم تكتفِ بالإخراج والإنتاج، بل تعدت ذلك إلى كتابة السيناريوهات والتمثيل، وحتى إدارة الإنتاج المشترك مع مؤسسات تجارية تسعى للترويج لمنتجاتها.
“ثريا أبار” من التصوير الفوتوغرافي إلى السينما
ثريا أبار، هذه الموهبة الصاعدة، التي قدمت من مدينة لندن، تحمل رؤية فنية تعكس تطلعات المرأة السعودية الشابة والأجيال الصاعدة التي تلقت تعليمها في الخارج. يبدو أن هذه التجربة الدولية قد منحتها جرأة لخوض غمار الفن السابع، الذي لا يزال في خطواته الأولى نحو التأسيس في المملكة العربية السعودية. وفقًا لموقع “CNN” بالعربي.
وقد سطع نجم أبار في سماء السينما المستقلة بحصولها على الجائزة الأولى في مهرجان الأفلام المستقلة الدولي بلوس أنجلوس عام 2014 عن فيلمها الروائي الطويل “The Tube”، وهو إنتاج مشترك مع شركة “آرت ديلوكس” النمساوية.
ولم يكن هذا التتويج هو الأول في مسيرتها الفنية، فقد حصدت المخرجة الشابة ثريا أبار، التي درست الإخراج السينمائي في لندن، العديد من الجوائز على المستوى المحلي البريطاني. كما أخرجت سابقًا مجموعة من الأفلام القصيرة اللافتة، من بينها فيلم “في وأنا” (V & Me)، وهو عمل صامت يعتمد بشكل مكثف على الموسيقى والمؤثرات الصوتية لخلق تأثير درامي عميق بدلًا من الحوار. بالإضافة إلى فيلم “أين نختفي؟” (?Where we disappear)، الذي لاقى استحسانًا واسعًا وأظهر قدرتها المتميزة على توظيف الموسيقى في خدمة السرد البصري. كما شاركت أبار في العديد من المحافل السينمائية الإقليمية والدولية، مؤكدة حضورها كصوت سينمائي واعد.
بدايات فنية راسخة
تعود جذور اهتمام ثريا أبار بالفن إلى سنوات دراستها الجامعية في كلية “كامبرويل” بجامعة لندن للفنون. حيث كان التصوير الفوتوغرافي محور دراستها. لكن سرعان ما أدركت أن رؤيتها الفنية يمكن أن تتجاوز حدود الصورة الثابتة لتنطلق نحو عالم التصوير السينمائي. هذا الإدراك دفعها لدراسة تخصصات متنوعة في مجال الفنون السينمائية، بما في ذلك كتابة السيناريو والتصوير والإخراج السينمائي، الذي أظهرت فيه تفوقًا ملحوظًا.
وفي أبريل من عام 2014، شاركت أبار في معرض لندن للفنون إلى جانب شقيقها المصور عبدالله أبار. الذي كان له دور في دعمها في بداية تعلمها للتصوير. ضم المعرض أعمالًا فنية متنوعة شملت الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي. وتصوير الفيديو الرقمي؛ ما يعكس اهتمامات عائلة أبار بالفنون البصرية.
نظرة مقربة على أعمالها السينمائية
يُعد فيلمها القصير “أين نختفي”، الذي أخرجته وأنتجته وقامت ببطولته عام 2009. علامة فارقة في مسيرتها. فقد تم اختياره رسميًا للمشاركة في مهرجان “شيكاغو للأفلام القصيرة” عام 2010. وكذلك في مهرجان “سينما انترناسيونال دي برشلونة” في العام نفسه.


يقدم الفيلم، الذي لا تتجاوز مدته ثماني دقائق ونصف، تصويرًا لحالة وجودية غامضة لفتاة تعيش إحساسًا عميقًا بالغربة الداخلية في خضم وحدتها ولحظات شرودها. وربما يعكس الفيلم أيضًا اغترابها عن محيطها الخارجي والمجتمع الذي تعيش فيه. تاركًا للمشاهد مساحة للتأويل والتفكير في طبيعة هذه الوحدة.
أما فيلمها القصير الثاني “في وأنا” (V & Me)، الذي لا تتجاوز مدته خمس دقائق. فقد كان عرضه الأول في مركز “Shortnonstop” السينمائي الكندي في مدينة تورنتو في أبريل 2012. وقد حظي الفيلم بترحيب كبير وتشجيع من الجمهور والنقاد على حد سواء، كما شاركت به أبار في عدد من المعارض الفنية.
يروي الفيلم قصة فتاة تستيقظ عند الفجر على ضفة نهر، وتبدو في تلك اللحظة وكأنها فاقدة للوعي وغير قادرة على فهم ما يحدث حولها. يستعرض الفيلم عبر لقطات متتابعة ذكريات الفتاة وتأثرها بعلاقتها مع صديقها “V”. ثم ينقلنا إلى تفاصيل هذه العلاقة وتداخلها مع صديقة أخرى لها. لكن هذه الحالة لا تبدو مريحة للبطلة. حيث نراها تلقي بنفسها في النهر. ومع ذلك، يتجاوز الفيلم السرد الواقعي. ليقدم للمشاهد سلسلة من المشاهد التي تحتمل أن تكون مجرد تخيلات تدور في ذهن البطلة. ما يقود المتفرج إلى استنتاجات وتهيؤات تعتمل داخل نفسها، وينتهي الفيلم على هذا الإحساس بالضياع الذي تعانيه الفتاة.

تم تصوير الفيلم في لندن، وتكون معظم طاقم العمل من ممثلين من المملكة المتحدة. بينما تولى إدارة التصوير السينمائي البريطاني الشهير ألكسندر كينسمان، المعروف بعمله في برنامج “X-Factor” البريطاني.
أسلوب المخرجة ثريا أبار
من خلال هذين الفيلمين القصيرين، يتضح أسلوب المخرجة ثريا أبار الذي يتجلى في تتابع اللقطات والمشاهد بإيقاع سريع. خاصة في فيلمها “في وأنا”، إذ عمدت إلى التنقل بين مواقع تصوير متعددة في فترة زمنية قصيرة. كما لجأت إلى التأثيرات البصرية في بعض اللقطات باستخدام تقنية “التصوير البطيء” (Slow Motion).
وفي فيلمها “أين نختفي”، اهتمت بتقنيات الإضاءة والظلال لخلق تأثير نفسي لدى المشاهد. وعملت على تعزيز الإحساس النفسي من خلال نوعية الموسيقى المختارة وتوقيت بثها. بالإضافة إلى ذلك، يبرز أداؤها التمثيلي بثقة وتماسك، بعيدًا عن الارتباك أو التصنع أو المبالغة. سواء في أدائها الشخصي أو في توجيهها للممثلين الآخرين.
ورغم أن بعض المشاهد قد تحمل تأثيرًا قويًا على المشاهد. فإن أبار تؤكد في لقاءاتها الصحفية أنها تسعى لنقل حالات واقعية تحدث في الحياة الغربية كما هي. وترفض تقديم سينما تخدش القيم والتقاليد الدينية.