تطوير الذات.. حقيقة أم وهم تنمية بشرية؟

ظهر خلال الأعوام الأخيرة، مصطلح "تطوير الذات"، وانتشر بكثرة بين جيل الألفية على وجه الخصوص، وبينما تواصل المرأة الركض في كل الطرق التي يمكنها أن تؤدي بها إلى بلوغ أحلامها؛ فإن هاتين الكلمتين – أي تطوير الذات – بمثابة طوق النجاة لها سواء في حياتها الشخصية أو العملية.

تتمثل عملية تطوير الذات – كما يعرفها خبراء التنمية البشرية في العالم – في العمل على الاستثمار بشكل مباشر أو غير مباشر في تنمية القدرات والمهارات التي يتمتع بها الفرد، وعند الحديث عن قدرات المرأة؛ فإنها في الأغلب تكون مدفوعة بمجموعة من العوامل والمشاعر التي تتميز بها عن الرجل.

حدس المرأة

المرأة بشكل عام تعتمد على عاطفتها كثيرًا؛ ما يدفعها للتمتع بالعديد من الصفات الأساسية سواء الإصرار، المثابرة، التحدث بلباقة، كسر كل الحواجز من أجل الوصول إلى شيء معين، وغيرها الكثير من الخصائص الرئيسة التي تظهر دائمًا في الوقت الذي لا تحتاج فيه إلى دروس تطوير الذات العالمية.

فعلى سبيل المثال: يمكن للأم أن تفعل المستحيل لإنقاذ أولادها، أو يمكن أن تنتفض المرأة العاملة على رؤسائها في حالة التعرض للظلم، وكل هذه الأمور التي قد تساعدها في اكتشاف جانب جديد من شخصيتها كانت تجهله.

إذن في هذه الحالة، يمكن اعتبار عملية تطوير الذات الخاصة بالمرأة، ترتبط بعنصر المفاجأة أو الصدمات بالأحرى التي قد تصادفها في حياتها، فتساهم في تعزيز إدراكها ووعيها بما يمكن أن تقدمه حقًا في الحياة؛ لكن إذا كان هذا هو الواقع، لم تحث التنمية البشرية على قراءة المزيد من الكتب، والعمل على حضور الندوات وغيرها من الأمور المنتشرة التي تتعلق بعلم كبير تم تسميته مؤخرًا بـ "تطوير الذات"؟

أكدت العديد من الأبحاث أن "تطوير الذات" لا يمكن أن يكون علمًا في حد ذاته؛ بل إنه الطريقة التي يكتسب بها الفرد أو المرأة في هذه الحالة، مجموعة من الصفات أو الخصائص التي تساعدها في الحياة بطريقة أفضل، والتطور في المكانة، وإيجاد الحلول لكل مشكلة قد تعيق طريقها.

وعلى جانب آخر، فإن التنمية البشرية تبث الكثير من المفاهيم الأخرى، بداية من أهمية الاستماع إلى خبراء تطوير الذات، وحضور الندوات بصفة مستمرة، وكأنه نوع من الخطاب الدوري الذي يجب أن يتلقاه الفرد، للمضي قدمًا كل في عالمه الخاص.

اقرأ أيضًا: مرض ADHD.. صحتك العقلية في خطر!

أوهام تنمية بشرية

هل كل ما تقوله لنا التنمية البشرية يعتبر حقيقة، أم هي عمل تجاري اختاره مجموعة من الأفراد للتربح بفضل الأفراد الذين ضلوا دربهم؟، وللإجابة على التساؤل، تَحدثنا في "الجوهرة"، مع الأستاذة صالحة مرسي؛ الحاصلة على دبلومة في التنمية البشرية، والتي أكدت أن كل شيء في الحياة قابل للتغيير والتأويل وفقًا لأهواء البشر.

وأضافت: "عندما يكون الإنسان عامة في حالة من الضياع التام؛ فإنه لا يبحث عن الطرق التي يمكنها إنقاذه، بل إنه يبدأ في الاستماع إلى توصيات الآخرين، ومنها قد يقع للأسف في فخ العديد من الأشخاص الذين اتخذوا مجال التنمية البشرية كوسيلة للتربح المادي، دون النظر إلى الحالة الفعلية للشخص، وما يحتاجه.. إلخ".

واستطردت: "لكن الحياة عامة هكذا؛ لكن ليس كل ما يقوله علم التنمية البشرية يعتبر عملية احتيال على البشر؛ فالدارسون لهذا المجال يعرفون أهمية كل كلمة وكل إيماءة تصدر منهم؛ لأنها تنعكس بالضرورة على الأفراد، وعندما تتحدث إلى المرأة فأنت تقف أمام منظار من نوع خاص؛ حيث إنها تمتلك حاسة سادسة تجاه الكاذبين، والمحتالين؛ لذا فلا خوف عليها أبدًا؛ إلا في حالة اختيارها بإرادتها أن تنخدع فيمن أمامها".

أكدت الأستاذة صالحة أن المرأة عندما تنخدع في الآخرين يكون بكامل إرادتها؛ لأنها تحبهم، أو تريد الاستماع إليهم، أو إعطائهم فرصة جديدة، وبالتالي فإن هذا الأمر يقف عائقًا أمام برنامج تطوير الذات، في حال اختيارها لهذا الطريق.

تطوير الذات

حقيقة تطوير الذات

وعن مفهوم تطوير الذات، قالت خبيرة التنمية البشرية: "إن تطوير الذات أو self improvement، ظهر بكثرة خلال الفترة الأخيرة وانتشر هذا المصطلح بين الشابات على وجه الخصوص؛ فهن دائمًا في حاجة إلى التطور سواء في حياتهن الشخصية للتعامل مع الأبناء، شريك الحياة، أو الأقارب والأصدقاء بصفة عامة، أو في حياتهن العملية؛ سعيًا للتطوير والحصول على الترقيات المختلفة، ومعرفة كيفية التعامل مع أنماط المدراء والموظفين المختلفين، خاصة أن المرأة العاملة – للأسف – وحتى وقتنا الحالي فهي مازالت تكافح لتأخذ حقوقها المادية والمعنوية، رغم الاعتراف بقوتها في العمل".

وأوضحت: "تطوير الذات يعتمد على الإرادة في المقام الأول؛ لذلك عندما نتحدث مع المرأة فإننا نبحث عن أسباب اقتحام اليأس لحياتها، ونحاول أن نمسك بدليل الأمل، لنأخذ بيدها ومساعدتها لاتخاذ القرار الصحيح وتنمية مواهبها".

عندما تسعى المرأة إلى اتخاذ برنامج لتطوير الذات؛ فإنها تعلم جيدًا كيف سيؤثر هذا القرار في حياتها إيجابيًا؛ لذلك فهي تبحث غالبًا عن المهارات التي تريد أن تصقل شخصيتها، سواء المزيد من العزيمة، أو التغلب على الفشل والخوف، أو حتى دراسة لغة جديدة، وممارسة رياضة أو مغامرة من نوع خاص؛ لذلك فإن كل هذه الأمور شخصية للغاية بالنسبة إليها، ولا يمكن تجاهلها أو تأجيلها.

القراءة الخاطئة

حذرت خبيرة التنمية البشرية من القراءة المستمرة لكتب تطوير الذات، مبيّنة أن القراءة المفيدة تعتمد على الكتب العملية، الفلسفية أو القصص والروايات؛ لكن الكتب الخاصة بتطوير الذات، لا تُمثل كل امرأة أو كل فرد في العموم؛ لذلك قد يتسبب هذا الأمر في معاناة القارئ؛ بسبب عدم تشابه طبيعة الحياة مع محتوى الكتاب، أو صعوبة وصول الهدف أو المغزى منه إلى إدراكه، ويمكن أن ينقلب الأمر بطريقة عكسية تمامًا؛ ما يجعله يفقد شغفه، وإصراره، بل يكون فكرة سيئة عن هذا المحتوى ككل.

التغيير للأفضل

واختتمت الأستاذة صالحة حديثها قائلة: "إن الخطوة الأولى التي تتخذها المرأة نحو تغيير حياتها إلى الأفضل، لا يُسمى درسًا من دروس التنمية البشرية إطلاقًا؛ لأنها عندما تذهب للاستماع إلى شخص ما يمكنه أن يحثها على المضي قدمًا، ويكون كنور بسيط يظهر بين ظلام اليأس، فإنها في هذه الحالة لا تبحث عن المسميات، ولا يمكنها أن تخبر عائلتها إنها ذاهبة إلى درس تطوير الذات على سبيل المثال، هي فقط تريد العبور من حالة بائسة حالية إلى حالة أفضل، وبالتالي فإن الأمر حقيقة تامة، ويمكن رؤية نتائجها ولمسها خلال فترات متباينة وفقًا للحالة النفسية للمرأة والظروف الحياتية التي مرت بها.

وإن كانت لا تريد أن تتحدث مع شخص ما؛ فإن تطوير الذات في هذه الحالة سينبع من الداخل، وستكون هي بنفسها الدليل والمرشد الذي يساعدها في الوصول للنجاح".

اقرأ أيضًا: إنجازات المرأة السعودية تبلغ عنان السماء.. رائدات وصلن للعالمية