أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا جدلًا واسعًا في الأوساط العلمية والأخلاقية؛ إذ اعتبره كثيرون خطوة تمهد لاستخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثيًا، ما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تعلن تبني هذا التوجه بشكل علني. وفقًا لـ”aawsat”.
القص الجيني وتقنية “كريسبر”
يرتبط الجدل الدائر بتقنية «كريسبر» (CRISPR) وهي أداة حديثة لتعديل الجينات تمكن العلماء من تعديل الحمض النووي لأي كائن حي. بما في ذلك الإنسان بهدف علاج الأمراض الوراثية. رغم ما يحيط بها من مخاوف أخلاقية وعلمية.
وتتميز هذه التقنية بانخفاض تكلفتها وسهولة استخدامها، إذ تعمل بمبدأ يشبه “المقص الجيني” الذي يحدد الأخطاء في تسلسل الحمض النووي ويستبدلها بجينات سليمة .
وتتميز هذه التقنية بانخفاض تكلفتها وسهولة استخدامها، إذ تعمل بمبدأ يشبه “المقص الجيني” الذي يحدد الأخطاء في تسلسل الحمض النووي ويستبدلها بجينات سليمة .
وتشير الباحثة كاتي هاسون؛ المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع، إلى أن هذه الخطوة تعكس توجهًا لتسهيل الأبحاث الجينية في جنوب أفريقيا، رغم المخاطر العالية التي تحيط بها. وذلك بحسب مقال نشرته في أكتوبر 2024 بمجلة “The Conversation”.
والجدير بالذكر أن العالم شهد عام 2018 واقعة مثيرة للجدل حين أقدم عالم صيني على تعديل جينات طفلين باستخدام تقنية “كريسبر” لحمايتهما من فيروس نقص المناعة البشرية. ما أثار استنكارًا عالميًا واسعًا بسبب غياب المبررات العلمية الكافية وافتقار التجربة للشفافية والرقابة الأخلاقية.
إرشادات جديدة ومخاوف قانونية
ورغم أن التوجيهات الجديدة في جنوب أفريقيا وضعت معايير لتبرير الأبحاث من الناحية العلمية والطبية، وأكدت أهمية السلامة والضوابط الأخلاقية؛ فإنها تبقى أقل صرامة من توصيات منظمة الصحة العالمية. ولا تنص بوضوح على آليات الرقابة المجتمعية.
كما يبرز تناقض قانوني محتمل حيث إن قانون الصحة الوطني الصادر عام 2004 يحظر التلاعب بالمادة الوراثية للأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. بينما لا يذكر صراحة تقنيات التعديل الحديثة مثل “كريسبر”. ما يثير تساؤلات حول مدى توافق الإرشادات مع القوانين الوطنية.
مخاوف من “السياحة العلمية”
بينما يرى خبراء الأخلاقيات أن هذه التسهيلات قد تجعل من جنوب أفريقيا وجهة عالمية للبحوث الجينية المثيرة للجدل، وربما مركزًا لما يعرف بـ”السياحة العلمية”. حيث تتوافد المختبرات الأجنبية لاستغلال الثغرات القانونية.
ذلك وتتركز المخاوف على تأثير التقنية على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع، فضلاً عن انعكاساتها على الجينات البشرية عبر الأجيال.
“كريسبر” في الطب.. نجاحات علمية مثيرة
وكذلك رغم الجدل الأخلاقي، فقد حققت تقنية “كريسبر – كاس9” (CRISPR-Cas9) إنجازات طبية مهمة. ففي عام 2023، وافقت الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة على أول علاج جيني باستخدام “كريسبر” لعلاج فقر الدم المنجلي وبيتا ثلاسيميا، وهما اضطرابان وراثيان في الدم ناتجان عن خلل في جين الهيموغلوبين.
وتعتمد التقنية على تحرير الخلايا الجذعية المأخوذة من نخاع العظم لإصلاح الخلل الجيني. ثم إعادتها إلى جسم المريض لتبدأ في إنتاج خلايا دم سليمة. وأظهرت التجارب السريرية نتائج مذهلة:
- 28 من أصل 29 مريضاً بفقر الدم المنجلي تخلصوا من الآلام المزمنة.
- 93 % من مرضى بيتا ثلاسيميا لم يعودوا بحاجة إلى نقل دم لمدة عام على الأقل.
اختراق علمي بمستقبل واعد
يصف البروفيسور جوسو دي لا فوينتي، من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية. العلاج بأنه تحول جذري في الطب الوراثي، مع إمكانية تحسين جودة حياة الآلاف من المرضى حول العالم.
وينظر إلى كريسبر اليوم كواحدة من أهم الابتكارات في علم الأحياء. بعد أن حصلت مكتشفاتهما جينيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 تقديرًا لاكتشاف هذه الأداة الثورية في تعديل الحمض النووي.
وفي النهاية، ورغم الوعود الطبية الكبيرة التي تحملها كريسبر، يبقى الخطر قائمًا في استخدام التقنية لتعديل الأجنة أو “تصميم الأطفال”؛ ما يعيد طرح السؤال الأخلاقي:
هل يمكن للبشر أن يتحكموا في مستقبلهم الوراثي دون أن يفقدوا إنسانيتهم؟
الرابط المختصر :




















