الموسيقى.. حلية الوجود النغمية

اختلفت الآراء حول الموسيقى كفن تعبيري بحسب اختلاف طبيعة النظرة إليها، والثابت أن صوت الموسيقى هو الدال على الحياة. فكل كائن حي يتميز بصوت شجي يحمل إيقاعًا خاصًا به.

وإذا اعتبرنا أن صوت الموسيقى هو لحن الشعر فإن صوت الإنسان هو نغمة الوجود ومنهما تشكل الطرب المحبب للنفوس. فهي تؤدي دورًا كبيرًا في تغيير مشاعر الإنسان وتنمية حواسه سواء سلبًا أو إيجابًا. لذلك؛ اعتمد الإنسان على ألوان معينة يختار منها ما يناسبه لأوقات محددة أو ما يناسب مشاعر معينة قد تجتاحه.

وتحتل الموسيقى في أوساط جميع الناس ولدى مختلف الشرائح الاجتماعية منزلة مرموقة في معظم المناسبات. فهي رفيق مفضل لدى المسافر والسائق خلال مدة الرحلات الطويلة. وهي أنيسة الوحيد في دجى الليل، ومصدر البهجة في حفلات الأعراس. وسيدة الانتصارات ومخلدة الأمجاد. ورفيقة البهجة والأفراح والتأمل والكتابة.

الموسيقى حياة جميع الكائنات

الموسيقى أنماط ومقامات متنوعة والقاسم المشترك بينها أنها تهدئ الأعصاب وتعين على الاسترخاء. وتبعث على الراحة الجسدية والنفسية والذهنية وأيضًا النوم.

وفي المقابل، ثمة مقامات أخرى تثير الحماسة وتشد العزائم وتنشط اليقظة والانتباه، وأخرى تهيج الأعصاب.

إن الموسيقى موجودة في معظم أوقات حياة كل الناس سلمًا وحربًا. بينما أصبح الإنسان يعتمد عليها في الكثير من مفردات حياته؛ من خلال الرنات العذبة لجرس الباب والرنين الموسيقي والغنائي للهاتف. وكذلك منبه السيارات.

كما تؤدي الموسيقى دورًا حيويًا بارزًا لدى الحيوان والنبات. إذ تبين أن البقرة تدر حليبًا أكثر بسماعها صوت الموسيقى. والجمل يمد خطواته فوق رمال الصحراء متبعًا الوزن والإيقاع، وأن الخيل يتجاوب مع الموسيقى برقصات بارعة مضبوطة.

وتروي كتب التراث أنها كانت تسهل قيادة الغزلان، وأن من الموسيقى ما يسحر الحيات فتتلاعب راقصة في الهواء. واكتشف العرب في البيئة الصحراوية أن الغناء يبدد وحشة المكان وصمت الصحراء بالليل.

التنغيم والتلوين الصوتي الشعري العربي

يؤكد اللسانيون من الباحثين والمفكرين أن من رقصات الخيل المعروفة بحركة “الخبب” ظهر الإيقاع العربي ثم ظهر الطرب.

ومن ثم أصبحت اللغة العربية موسيقية وشعرية وإيقاعية في المقام الأول. ثم توالت أنهار الإيقاعات والتنغيم والتلوين الموسيقي على جسد هذه اللغة المعتقة بالنغم والممزوجة بنوازع الشجن والنشوة والألم.

إن علاقة الموسيقى بالشعر العربي أعمق من اللسانيين والباحثين والمفكرين؛ لأنها تمنح وتستقي من الأصول الإنسانية.

الآلات الموسيقية وقيمة الصوت البشري

للآلات الموسيقية في البلاد العربية والإسلامية أصول تختلف عن أصول الموسيقى في البلاد الأخرى. خاصة في الدول الغربية. حيث تميزت الآلات وصارت رمزًا لها.

وهذه الآلات لم تظهر فقط في الشرق الأوسط بل ظهرت لدى معظم البلاد الإسلامية بإفريقيا وجنوب شرق آسيا. وامتد تأثير الموسيقى والآلات الموسيقية إلى مناطق بعيدة، مثل: الصين وأوروبا؛ لما لها من خصائص مميزة خاصة الآلات الوترية المختلفة وآلات النفخ والدفوف والطبول.

وللصوت البشري المصاحب للآلات الموسيقية أهمية. حيث يتخذ الغناء أساليب مختلفة اختلاف الآلات نفسها وأغاني التراث الشعبي تكاد تشبه المقطوعات القائمة بذاتها.

وفي أكثر الأحيان تؤدي المقدمة الموسيقية دور مساعدة المطرب على الاندماج في أغنيته. ما يجعل للصوت البشري قيمة أساسية.

منا اهتم الشاعر بالإلقاء الشعري تمامًا كاهتمامه باختيار ألفاظ قصيدته؛ فكانت طريقة الإلقاء وجمالية الصوت لهما دور أساسي في شهرة القصيدة وصاحبها.

الموسيقى واللحن في تاريخ العرب

نادرًا ما توجد موسيقى بلا لحن؛ أي التعاقب الخطي للنغمات التي تشكل النسيج الأساسي للأغنية. لذا؛ يعد اللحن عنصرًا أساسيًا في الموسيقى.

وتعود علاقة المجتمعات العربية بالغناء إلى زمن بعيد. إذ كان للشعر منزلة كبيرة في نفس العربي والشاعر بطبعه موسيقي يعتمد الإيقاع في نظم الشعر، واستخدم الشعراء آلة تسمى القضيب وهي عصا يضرب بها الأرض لضبط وزن البحر الشعري الذي سينظم عليه قصيدته.

كما كان أول إنشاد ومديح ديني في الإسلام مع هجرة الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة بالإنشاد الجماعي “طلع البدر علينا” وتكرر الإنشاد الجماعي في الغزوات ومناسبات أخرى مثل بناء مسجد قباء.

وفي العصر الأموي أخذ الغناء العربي في الوضوح والارتقاء، وخلال العصر العباسي ازدهرت الموسيقى العربية والغناء بفضل كبار أعلامها: إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وآخرون. وكذلك بفضل الآلات الرئيسة: العود والقانون والناي. كذلك سبق الأصفهاني في مضمار التأليف عن الغناء العربي بمائتي عام.

الإيقاع العربي في الموسيقى الأوروبية

قبل أن تعرف أوروبا الموسيقى العربية كان الغناء الأوروبي والإنشاد الكنسي بسيطًا وخاليًا من التركيب النغمي. وإن أقدم موسيقى كنسية ترجع إلى العصور الوسطى لا تعرف الإيقاع فتعلموا من العرب إدخال أنغام إضافية على النغم البسيط ليصنعوا منه ما يسمى بالحلية النغمية.

ويعد البناء الإيقاعي شرقي أصيل، وقد يكون أهم تراث موسيقي قدمه العرب لأوروبا التي أدت إلى إيجاد المازورة.

أما النوتات الموسيقية “دو ري مي فا صول لا سي” فإنها في الواقع مقتبسة من المقاطع النغمية للحروف العربية (در مفصل) الموجودة في مصنفات لاتينية ترجع إلى القرن الحادي عشر، عثر عليها في جبل “كاسينو” في جنوب العاصمة الإيطالية روما الذي كان يقيم فيه العرب.

الرابط المختصر :