تحدث رؤية المملكة العربية السعودية 2030 نقلة نوعية في سوق العمل، وخاصة المرأة السعودية؛ حيث تحرز المرأة تقدمًا ملحوظًا في قطاعات رئيسية كالتكنولوجيا والرعاية الصحية وريادة الأعمال والتعليم. وتسهم إصلاحات سوق العمل، وزيادة فرص الحصول على التعليم، وتوسيع فرص التواصل، في تمكين المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين في مكان العمل، والمساهمة في بناء اقتصاد أكثر تنوعًا وشمولًا وتنافسية.
كما تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا، متجاوزةً اعتمادها التاريخي على النفط نحو اقتصاد أكثر تنوعًا. ويشكل رؤية 2030، وهي خطة وطنية طموحة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية، محور هذا التحول.
لا تركز هذه الرؤية على إعادة تشكيل اقتصاد المملكة فحسب، بل تتناول أيضًا إصلاحات اجتماعية جوهرية، لا سيما في مجال دمج القوى العاملة والمساواة بين الجنسين. وفي إطار هذه المبادرة الطموحة، أدخلت المملكة العربية السعودية إصلاحات في سوق العمل تعمل على إزالة العوائق أمام المرأة وتوفر فرصًا جديدة في قطاعات كانت مغلقة أمامها سابقًا. وفي السنوات الأخيرة، حققت المملكة تقدمًا ملحوظًا في تعزيز أطرها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
مشاركة المرأة السعودية في القوى العاملة بالمملكة.. التقدم والاتجاهات
النمو الإجمالي في مشاركة القوى العاملة النسائية
تكشف البيانات الأخيرة للهيئة العامة للإحصاء أن معدل مشاركة القوى العاملة للإناث السعوديات بلغ 36.2% في الربع الثالث من عام 2024. ويمثل هذا زيادة قدرها 0.8 نقطة مئوية عن الربع السابق. ما يؤكد الدور المتزايد للمرأة في القوى العاملة.
وشهدت المملكة العربية السعودية على مر السنين تقدمًا مطردًا في هذا المجال، مع ارتفاع معدل المشاركة بشكل مطرد مع حصول النساء على المزيد من الفرص المهنية في مختلف القطاعات.
مشاركة الشابات.. اتجاه متزايد
شهدت مشاركة الشابات السعوديات في القوى العاملة اتجاهًا تصاعديًا مشجعًا. ففي الربع الثالث من عام 2024، ارتفع معدل مشاركة النساء في الفئة العمرية 15-24 عامًا بمقدار نقطة مئوية واحدة، ليصل إلى 18%. ويمثل هذا تحسنًا ملحوظًا. ما يشير إلى انضمام المزيد من الشابات إلى سوق العمل في سن مبكرة. ويمكن أن يعزى هذا الارتفاع إلى توسع فرص الحصول على التعليم والتطوير المهني، إلى جانب تغير النظرة المجتمعية تجاه المرأة في سوق العمل.
ومع حصول المزيد من الشابات على المؤهلات والخبرة المهنية، فإن اندماجهن المبكر في سوق العمل يعزز الأساس لمشاركتهن في القوى العاملة في المستقبل والنمو المهني.
الصناعات الرائدة في مجال عمل المرأة السعودية في المملكة العربية السعودية
مع تزايد عدد النساء اللواتي يدخلن سوق العمل، يتزايد تنوع القطاعات التي ينخرطن فيها. وتعد العديد من القطاعات الرئيسية في المملكة العربية السعودية مناسبة بشكل خاص للتطور المهني للمرأة. حيث توفر فرصًا وفيرة للنمو والقيادة. وتشمل هذه القطاعات:
- التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات: يشهد قطاع التكنولوجيا في المملكة العربية السعودية توسعًا ملحوظًا، مدفوعًا بجهود المملكة لتنويع اقتصادها. وتشهد الأدوار الرئيسية في تطوير البرمجيات والأمن السيبراني وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي طلبًا متزايدًا. حيث تلعب المرأة دورًا حيويًا متزايدًا في تلبية هذه الاحتياجات. وقد ساهمت المبادرات الحكومية، مثل برنامج “السعودية الرقمية” والمنح الدراسية الموجهة للنساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في جعل فرص العمل في مجال التكنولوجيا أكثر سهولة وجاذبية للمتخصصات.
- الرعاية الصحية والطب: يوفر قطاع الرعاية الصحية فرصًا عديدة للنساء، بدءًا من وظائف الطبيبات والممرضات وصولًا إلى مديرات الرعاية الصحية والباحثات. ومع تركيز المملكة العربية السعودية على تحسين بنيتها التحتية الطبية وتوسيع خدمات الرعاية الصحية، تلعب المرأة دورًا أساسيًا في هذه التطورات. كما يدعم هذا القطاع بشدة النمو المهني للمرأة، من خلال سياسات مصممة لتعزيز التوازن بين العمل والحياة في قطاع الرعاية الصحية.
- التعليم والمجال الأكاديمي: لا يزال التعليم أحد أكثر المسارات المهنية استقرارًا ومكافأةً للنساء في المملكة العربية السعودية. وقد مكّنت المبادرات الحكومية، بما في ذلك التدريب على القيادة والمنح الدراسية، النساء من التفوق في التدريس والبحث الأكاديمي. ويهيئ تركيز المملكة العربية السعودية المتزايد على إصلاح التعليم والتزامها بتحسين جودة التعليم بيئةً خصبةً لازدهار المعلمات.
- ريادة الأعمال والشركات الناشئة: يشهد قطاع ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية نموًا متسارعًا، حيث تلعب المرأة دورًا محوريًا متزايدًا. وقد دعمت مبادرات مثل “مجمع الأعمال النسائي”، الذي يوفر الموارد وفرص التواصل، النساء في إطلاق مشاريع ناجحة. وتكتسب الشركات الناشئة التي تقودها النساء في قطاعات مثل التجارة الإلكترونية، وتكنولوجيا الرعاية الصحية، وتجارة التجزئة زخمًا متزايدًا، بدعم من المنح الحكومية، وبرامج الإرشاد، بالإضافة إلى ذلك إمكانية الوصول إلى المستثمرين. ومن النماذج في ريادة الأعمال.
سارة السحيمي.. رائدة في عالم أسواق المال
تعد سارة السحيمي أول امرأة تتبوأ منصب رئيس مجلس إدارة في “تداول”، أكبر شركة لتداول البورصة في الشرق الأوسط، والتي تأسست عام 2007. قبل ذلك، شغلت منصب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة في شركة “إن سي بي” كابيتال. حيث شهدت قيمة الأصول تحت إدارتها نموًا مضاعفًا. كما حصلت سارة على شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في المحاسبة من جامعة الملك سعود.

واستكملت برنامج الإدارة العامة في جامعة هارفارد لإدارة الأعمال عام 2015. وفي عام 2017، أدرجت بلومبيرغ اسمها ضمن قائمة 50 شخصًا تجب متابعتهم في عالم المال والأعمال.
- تجارة التجزئة والفنون والإعلام: تشهد قطاعات تجارة التجزئة والفنون والإعلام ازدهارًا ملحوظًا في المملكة العربية السعودية. ما يوفر فرصًا واعدة للنساء المبدعات. كما يمكن للنساء استكشاف أدوار في تصميم الأزياء، والفنون الجرافيكية، وإنشاء المحتوى، بدعم من الفعاليات الثقافية مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي والمعارض الفنية. وتلعب هذه الصناعات مجتمعة دورًا حاسمًا في تشكيل الصورة العالمية للمملكة، كذلك تحتل المرأة مركز الصدارة في هذه النهضة الثقافية.
بناء مسارات مهنية ناجحة.. التعليم والتواصل والحقوق القانونية
ولدعم النساء في هذه الصناعات، تعمل العديد من المبادرات على توفير الأدوات اللازمة للنمو المهني والنجاح الوظيفي. ما يساهم في إحداث تحول جذري في القوى العاملة في المملكة العربية السعودية.
البرامج التعليمية والتدريبية
تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بالتعليم كأساس للتقدم المهني. وتساعد البرامج والمبادرات الحكومية، مثل تلك التي تقدمها مؤسسة مسك، النساء على تطوير المهارات اللازمة للتفوق في المجالات ذات الطلب العالي، مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية بالإضافة إلى ذلك الأعمال.
ساهمت منصات التعلم الإلكتروني والمنح الدراسية وفرص التبادل الدولي في توسيع نطاق وصول المرأة إلى المعرفة بالإضافة إلى ذلك الخبرات العالمية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الحضور المتزايد للمرأة في مجال التكنولوجيا، مع زيادة ملحوظة في مشاركتها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، مدعومةً بالمنح الدراسية المخصصة وبرنامج “السعودية الرقمية”. تهدف هذه البرامج إلى تلبية الطلب المتزايد على الوظائف في مجالات تطوير البرمجيات وعلوم البيانات والأمن السيبراني، والتي شهدت ارتفاعًا في عدد المهنيات في السنوات الأخيرة. ومن النماذج في قطاع الهندسة.
مشاعل الشميمري.. مهندسة الصواريخ التي تتحدى المستحيل
تعد مشاعل الشميمري أول مهندسة صواريخ خليجية، وتشغل حاليًا منصب أستاذة في قسم الهندسة الميكانيكية والفضاء في جامعة ميامي. في سن مبكرة لم تتجاوز السادسة والعشرين، أسست شركتها الخاصة للصواريخ “مشاعل آيروسبيس”، التي تعمل على تصميم وتصنيع الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة. بالإضافة إلى عملها في مجال هندسة الفضاء، تعمل “مشاعل” على نشر المعرفة عبر الإنترنت، خاصة من خلال قناتها على يوتيوب. حيث تقدم محادثات ملهمة ونصائح قيمة للشباب الطموح.

فرص التواصل
يلعب التواصل دورًا حاسمًا في النمو المهني، وتتمتع النساء السعوديات الآن بفرص أكبر للتواصل مع متخصصين ذوي اهتمامات مشتركة. وتوفر منصات مثل شبكة تمكين المرأة السعودية مساحات قيّمة للتعاون والتوجيه بالإضافة إلى ذلك تبادل المعرفة. كما ازدادت أهمية فعاليات مثل القمة العالمية للمرأة ومؤتمر سيدات الأعمال السنوي. ما يوفر فرصًا قيّمة للنساء للتقدم في مسيرتهن المهنية.
وبالإضافة إلى ذلك تسلط البيانات الحديثة الضوء أيضًا على ازدياد عدد رائدات الأعمال. حيث تنمو الشركات التي تقودها النساء بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. ويعد مجمع الأعمال النسائي، المدعوم من الحكومة، مثالًا بارزًا على ذلك، إذ يوفر للنساء الموارد والتمويل والتوجيه اللازمين للنجاح في ريادة الأعمال. في عام 2023، وصلت مشاركة المرأة في المشهد الريادي إلى مستويات قياسية جديدة؛ حيث أطلقت النساء مشاريع في قطاعات مثل التجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة والرعاية الصحية.
قوانين العمل والحقوق
شهدت قوانين العمل في المملكة العربية السعودية إصلاحات جوهرية لتعزيز حقوق المرأة في مكان العمل. ما جعل سوق العمل أكثر عدالة. وقد وفرت تدابير الحماية الأساسية، بما في ذلك تطبيق قوانين المساواة في الأجور، ومزايا إجازة الأمومة الممتدة، بالإضافة إلى ذلك الحماية القانونية من التحرش، بيئة عمل أكثر أمانًا للمرأة.
على سبيل المثال، يعد تطبيق إجازة الأبوة المدفوعة الأجر، وهي الأولى من نوعها في المملكة العربية السعودية. لا يدعم المرأة في تحقيق التوازن بين حياتها المهنية وأسرتها فحسب، بل يسهم أيضًا في تغيير الأعراف الجندرية التقليدية. وقد مكّن فهم هذه الحقوق وممارستها المرأة السعودية من مواصلة مسيرتها المهنية بثقة وأمان.
اقرأ أيضًا: المرأة السعودية ترسم ملامح المستقبل.. قصص ملهمة لـ 10 قياديات استثنائيات
علاوة على ذلك، مع استمرار تطور المملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030، يعد تزايد مشاركة المرأة في القوى العاملة مؤشرًا قويًا على تقدم المملكة. وقد ارتفع معدل مشاركة المرأة السعودية في القوى العاملة بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. ويعود هذا التحول بشكل كبير إلى اتساع الفرص المتاحة في قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتعليم وريادة الأعمال.