المدربات السعوديات من هاوياتٍ إلى صاحبات مشاريع رياضية

جدة – ليلى باعطية

لم يكن وصول المرأة السعودية إلى التميز في مجال الرياضة بالأمر الهين أو البسيط؛ حيث حققت ذلك بعد تجاوزها الطرق الوعرة المليئة بالمصاعب، سواءً على المستوى التعليمي أو المجتمعي أو على مستوى القبول الخارجي.

لكن، ولأنه لا يصح إلا الصحيح، دعمت رؤية 2030 الرياضة النسائية ومنحتها أهميةً كبرى؛ ليصل المجتمع السعودي بذلك إلى مرحلة كبيرة من الوعي بالرياضة إلى جانب ربطها بالصحة، وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة؛ ليكون سلوكاً راسخًا بين جميع المواطنين في مجتمعهم.

في هذا التحقيق، التقت “الجوهرة” بعدد من المدربات السعوديات اللواتي كانت لهن أحلام في تجاوز سقف ممارسة الرياضة في المدرسة إلى الوصول للمنافسات العالمية، وامتد ذلك إلى امتلاكهن منشآت رياضية يُدرنها وهنّ على مستوى عالٍ من اللياقة الجسدية والذهنية وخبرة أيضًا عالية بمعرفة جميع ما يتعلّق بمجال الرياضة من أبسط التفاصيل لأدقها.

وعدت والدي.. وحققت الوعد

بدأ مشوار المدربة السعودية هديل سعود ،المعروفة باسم “لودي” في عالم الرياضة بعد أن اتسع حجم شغفها، وتساؤلات مفادها: بماذا تتميز المدربة الأجنبية لأصبح مدربة مثلها؟؛ لتبدأ بعدها رحلة الاكتشاف والبحث، فسافرت ودرست وتعلمت الكثير.
وخلال رحلة “لودي” سمعت عن رياضة “الزومبا” التي أعجبت بتكتيكاتها ومدى فائدتها والطاقة الإيجابية التي تمنحها فاحترفتها، وعادت إلى المملكة كأول مدربة “زومبا” سعودية عام 2006، فكان الرفض والانتقاد الجارح يتوجه لها بشكل مستمر مع نعتها بـ “الرقّاصة”، وفي يوم اشتد الجدال بينها وبين والدها فوعدته بأنه سيأتي اليوم الذي سيفخر فيه هو والمجتمع بها، وتكون شخصية يحتذى بها وتعي الناس مدى أهمية هذه الرياضة، وسيكون هناك العديد من السعوديات اللواتي يحترفنه ولن تكون الوحيدة.

ولم تنته الصعوبات في طريق “لودي”، فقد عانت الكثير من الصورة النمطية والتشكيك في إمكانيات وخبرات المدربة السعودية، لذلك كانت تواجه الرفض دائمًا من النوادي التي تتقدم للعمل بها، إلى درجة رفضهن أن تقوم بأداء تجريبي للتقييم.

وفي يومٍ غير متوقع خلال مناسبة عائلية، كان الأطفال حينها يعيثون الفوضى في المكان ويصعب تهدئتهم فجمعتهم هديل على أنغام “الزومبا” التي أصبحوا يرقصون ويستمتعون بأدائها لتنقل المناسبة إلى فعالية رياضية مرحة استمتع فيها الكبار قبل الصغار، فألهمها هذا الحدث وافتتحت مركز “فن سنتر”، وبدأت من خلاله إحياء المناسبات داخل المركز.
وبعد أن ذاع صيتها بدأت في فتح صالات “زومبا” للكبار وكان الإقبال كبيرًا، ثم أصبحت النوادي تتواصل معها لكي تنضم لهم، فكان أمرًا جيدًا لكن لم يتوقف المشوار لدى هديل عند احتراف رياضة “الزومبا”، فعملت وسعت لتطوير نفسها بالدورات المستمرة وسافرت وأكملت دراستها، وهي الآن أول سعودية في رياضة الـ INNER ANXIETY BREATHING OCEAN BREATH TACTIC ، والتي تعني التنفس القلق الداخلي بتقنية تنفس المحيط، كما لديها مركز FUN CENTER .

وتدير “هديل” حاليًا عددًا من النوادي الرياضية، ولها دور كبير في تخريج المدربات ومعلمات التربية الرياضية باعتماد من وزارة التعليم التي تأتي متوافقة مع رؤية 2030، وتسعى للقادم الأفضل ويملئها تجاه شغفها مسؤوليةٌ كبيرة.

تركت عملها لتصبح أول مدربة كروس فيت سعودية

من الصغر والمدربة السعودية “أمل باعطية” تعشق الرياضة، فقد كانت تلعب الجمباز ورياضات أخرى، واستمرت تمارسها حتى بعد الزواج وإنجابها، وفي عام 2014 تخصصت في مجال الـ”CROSS FIT”؛ حيث سافرت للخارج لتصبح ملمة بها أكثر، واستمر شغفها به لتعود إلى السعودية وتصبح أول مدربةً فيه.

بعد ذلك، أنشأت أمل استوديو رياضيًا لديها في المنزل؛ لتمارس هوايتها، فاقترح عليها صديقاتها والمقربات لها بأن تفتح المجال لإعطاء “كلاسات” نظير خبرتها، فدربت المنضمّات لها في المساء لمدة ساعتين بعد الخروج من عملها، لكن أصبح الأمر مجهدًا لها فاستقالت من عملها “مديرة استثمار”، وتفرغت تمامًا للتدريب الرياضي الشخصي.

الجمع بين الجسد والروح لحياة طيبة

اعتبرت ريم بافقيه؛ المدربة الشخصية، الرياضة في حياتها مثل السحر، وعن بدايتها في هذا العالم، أشارت إلى أنها كانت تمارسها بشكل خفيف، وفي يوم قررت أن تلتحق بأحد النوادي وكان دخولها إلى الكلاسات بشكل عشوائي وتمارس “كارديو” أغلب الوقت، ثم بعد شهرين قررت التسجيل مع مدربة تدريب شخصي، فلمست مدى الفائدة الكبيرة والمتعة سواء من الناحية الجسدية واللياقة أو التطور الذي لاحظته على نفسها.

ومن جهةٍ أخرى، استفادت “ريم” من معرفة التمارين والتكنيك الصحيح والحركات الخاطئة مما زاد خبرتها، والتزمت على هذا النمط 3 سنوات، وأصبحت الرياضة من أولوياتها وتجري في دمها، حتى في السفر لا تنسى الملابس والمستلزمات الرياضية، لذلك لمست التغيير في نفسها، وأيضًا من حولها لمسوه من ناحية رويتنها اليومي، وأصبحت أكثر هدوءًا وسلامًا مع نفسها، وزاد حبها لذاتها وثقتها بنفسها.

وبعد ثلاث سنوات، تركت ريم النادي وجرّبت رياضة جديدة بالتسجيل في تدريب شخصي لدى المدربة أمل باعطية لمدة 3 أشهر، وبعدها بدأت أول تجربة تدريب شخصي دربت فيه صديقتها التي دعمتها وكانت مؤمنة بموهبتها.

وانطلقت “ريم” واتسعت دائرة متدرباتها، وهي تستشعر خلالها إلهام الله لها في كل خطواتها نحو شغفها، وكانت تسمع من متدرباتها ما يُسعد قلبها وهي تُعطيهم بحُب ويستشعرون هم هذا الحب من خلال التدريب ونيّتها ورسالتها في مساعدة الآخرين على حب ذواتهم وتقبل أجسادهم وتحرير طاقتهم بطريقة صحية، وإدخال السعادة إلى قلوبهم مع كل تطور في صحتهم ولياقتهم لتزداد ثقتهم بنفسهم.

وحصلت “ريم” على اعتماد من أكاديمية “WST”، بالإضافة إلى شهادة “Functionai Training” المعتمدة من IFAوASTA، وشهادة الضخامة العضلية المعتمدة من GDL-UK، وتهدف إلى الجمع بين الجسد والروح لعيش حياة طيبة.

المنافسة الرياضية للسيدات أكبر وأقوى من السابق

وتوجهت “الجوهرة” إلى لينا المعينا؛ عضوة مجلس الشورى، التي تعتبر من أهم السيدات السعوديات في مجال الرياضة، خاصة لعشقها لها منذ الصغر، وكانت تحلم وتسعى لليوم الذي تشارك فيه المرأة السعودية في مجال الرياضة، وبلغت مرادها؛ فكانت أول مؤسسة لنادي رياضي في جدة، ويعتبر تاريخ 9 يوليو 2008 يومًا لا ينسى لديها، ففي هذا اليوم عقدت أول دورة لتدريب المدربات، ودورةً أيضًا لتدريب اللاعبات من خلال استقطاب مدربات من أمريكا الى جدة.

وعن رأيها تجاه التطور الكبير الذي تعيشه المدربات السعوديات، قالت: “ساهمنا على مستوى كبير في تطور الرياضة النسائية في السعودية، سواءً على المستوى الفني ومستوى اللاعبات والمدربات والحكام والإقبال كبير على الكليات الرياضية التي تم افتتاحها؛ لذلك أصبحت المنافسة الآن أكبر وأقوى من السابق، وأصبحت الكثيرات ممن تلقين التدريب وسافرن للخارج مؤهلات لفتح مشاريع خاصة بهم، وأصبح المجال خصبًا مفتوحًا، ويحتاج أيضا إلى تأهيل كوادر رياضية أكثر، فمن الصعب جدًا أن تكون لدينا ملاعب بدون موارد بشرية، لذلك يكمن دورنا في تدريبهم وتأهيلهم ودعمهم وزيادة نسبة ممارسي الرياضة من 13% إلى 40% بما يتوافق مع رؤية 2030.

برنامج الإدارة الرياضية يستقبل الدفعة الثانية للطالبات

وعن الأقسام الرياضية التي أصبحت الآن متاحة للطالبات في جامعة الملك عبد العزيز، أوضح الدكتور عمار الرفاعي؛ وكيل كلية الأعمال للدراسات العليا والمشرف على برنامج الإدارة الرياضية، أن برنامج ماجستير الإدارة الرياضية هو برنامج واحد وليس له أقسام، ويعد أحد البرامج التي تقدمها كلية الأعمال؛ حيث تتمثّل فكرته في إعطاء الطالب أو الطالبة المعلومات الكافية التي يحتاجها ليكون إداريًا أو إدارية مؤهلة في المجال الرياضي.

وأضاف الرفاعي أن البرنامج مقدم من خلال كلية إدارة أعمال، وبالتالي يؤسس لمفهوم أن الرياضة صناعة مرتبطة بالإدارة والأعمال والقوانين، فهو يشرح للطالبة مفاهيم القيادة في المجال الرياضي والتسويق، والقانون الرياضي والاستثمار والتمويل الرياضي وتنظيم الأحداث الرياضية والبحث العلمي في مجال الإدارة الرياضية وغيرها من عناصر الإدارة بشكل عام، مع ربط ذلك مع المجال الرياضي وتطبيقه في هذا المجال بأسلوب شيّق ومفيد للطلبة والطالبات.

وأشار الرفاعي إلى أن البرنامج حاليًا بصدد قبول الدفعة الثامنة للطلاب والثانية للطالبات، ويعد الإقبال كبيرًا من المتقدمين والمتقدمات.

وكانت الهيئة العامة للإحصاء “GASTAT” أصدرت نتائج مسح ممارسة الرياضة للأسر بالمملكة خلال عام 2018م، فبلغت نسبة السعوديين من الذكور والإناث الممارسين للأنشطة الرياضية 150 دقيقة فأكثر في الأسبوع (13.08%) من إجمالي سكان المملكة لمن أعمارهم 15 سنة فأكثر، حيث بلغت نسبة السعوديين الذكور منهم (10.14%)، في حين بلغت نسبة السعوديات الإناث (2.94%).

الرابط المختصر :