اتسم فن العمارة التقليدية في المملكة العربية السعودية قديمًا بتنوع ملحوظ في أساليب البناء، انعكاسًا لاختلاف المناطق الجغرافية وتباين الظروف المناخية والاجتماعية، ما أكسب العمارة السعودية بعدًا بيئيًا وإنسانيًا فريدًا.
بينما اختلفت أنماط البناء من منطقة إلى أخرى، ومن عصر إلى آخر، حافظت العمارة على طابعها المحلي المتميز. مستندة إلى مواد طبيعية متوفرة في البيئة، ومعبرة عن الذوق الفني والمهارة المعمارية لدى سكان تلك المناطق.
العمارة في المملكة
في جنوب المملكة، اتخذ نمط البناء طابعًا قريبًا من الكوخ الإفريقي. حيث شيدت المنازل من أغصان الأشجار التي تلتقي عند السقف. وغالبًا ما تكون دائرية الشكل بقطر يصل إلى 6 أمتار وارتفاع جدران يبلغ 3 أمتار.
وفي منطقة عسير، تميزت العمارة باستخدام “المداميك”. وهي صفوف أفقية متواصلة من وحدات بناء مثل الطوب أو الحجر. ما أكسب المباني طابعًا مميزًا. وبلغت المباني في عسير ارتفاعًا يصل إلى 5 طوابق، وتميل الجدران قليلًا إلى الداخل، اعتقادًا بأن ذلك يزيد من متانة البنية وصلابتها.
أما في المناطق الجبلية، فقد استخدم الحجر في بناء الجدران. مع مراعاة ضيق النوافذ لمنع تسرب الرياح الباردة والعواصف، وتضم المجالس مواقد مستطيلة الشكل للتدفئة أو إعداد القهوة. ما يدل على وعي تام بمتطلبات البيئة الجبلية القاسية.
في نجد، خصوصًا في منطقتي الرياض والقصيم، اعتمد البناء على الطوب اللبن المجفف تحت أشعة الشمس. ولم تتجاوز المنازل عادة طابقين، عدا القصور والقلاع الكبرى. وتميزت هذه المباني بوجود فناء داخلي واسع تحيط به الغرف، وجدران سميكة، ونوافذ مرتفعة وضيقة، مع زخارف قليلة.
قصر المربع في الرياض
كما يعد قصر المربع في الرياض، الذي بناه الملك عبد العزيز، نموذجًا معماريًا متميزًا يعكس النمط الأموي في التصميم. حيث يتمركز حول ساحة تتوسطها نافورة، وتزينه نوافذ بزجاج ملون. وأبواب منقوشة، وغرف واسعة وشرفات رحبة ذات حواجز مزخرفة.
في المنطقة الشرقية، وخصوصًا في واحات الأحساء والقطيف. سادت العمارة الدفاعية المتمثلة في القلاع والحصون ذات الأبراج العالية.
بينما استخدمت المواد المحلية مثل سعف وجذوع النخيل في تسقيف المنازل. والطين الغريني (الطمي) المخلوط بالتبن في تشييد الجدران، إلى جانب الجبس المحلي.
وغالبًا ما اقتصرت هذه البيوت على طابق أرضي. بمدخل ضيق يؤدي إلى فسحة نصف مغطاة. تستخدم كمجلس صيفي صغير. مع نوافذ ضيقة وطويلة لتقليل تأثير العواصف الرملية.
نمط البناء في المدينة المدينة المنورة
بينما في غرب المملكة، تميزت المدينة المنورة بنمطين من البناء: البنايات الشاهقة التي تتكون من 3 طوابق. وتحوي دهاليز واسعة ومجالس مزينة بـ”الرواشين” الخشبية متعددة النوافذ. والمباني البسيطة التي شيدت من اللبن أو الطوب المشوي بأساسات حجرية. الرواشين، المصنوعة من الخشب المشبك. كانت تمنح النوافذ جمالًا وظلالًا مع توفير التهوية.
وفي مكة المكرمة، تماثلت أنماط البناء مع المدينة المنورة. إلا أن المساحات الداخلية صممت لتكون أضيق لاستيعاب عدد أكبر من الغرف، خصوصاً في مواسم الحج. وفي جدة، على ساحل البحر الأحمر، كانت المباني من طابق أو طابقين. تتميز بواجهات مستوية ونوافذ صغيرة وسلالم ضيقة. مع استخدام جذوع “الدوم” القوية في تسقيف المساجد.
شهد فن البناء في المملكة تطورًا تدريجيًا في القرنين الثاني والثالث عشر الهجري. حيث بدأت الزخارف تدخل في العمارة بشكل أوضح. وتم استخدام مواد جديدة مثل الحجر البحري والطوب الملون. حتى بناء أول عمارة من الإسمنت المسلح عام 1347هـ، وهي قصر الحكم. تبع ذلك انتشار النمط المعماري الحديث بعد بناء بيت آل زينل في جدة بالإسمنت. ما أدى إلى تراجع استخدام المواد التقليدية كالرواشين والطين واللبن.
ورغم التقدم العمراني الكبير، ظلت المملكة محافظة على هويتها المعمارية، خاصة في تصميم المساجد والمباني التقليدية التي جمعت بين الرقي والبساطة، مثل وجود الفراغات الداخلية المسقوفة والمساحات الخارجية المكشوفة. وبهذا المعمار العريق، استطاعت المملكة أن تحافظ على تراثها الشعبي والإنساني الغني، وخاصة التراث العمراني الذي يعكس عمق التاريخ وتنوع التضاريس والظروف الاجتماعية والبيئية.
بينما لا يمكن إغفال الأهمية الرمزية والدينية للمملكة في السياق الحضاري. إذ تعد من أولى مواطن الاستيطان البشري ومهبط الوحي، ما أضفى على عمارتها التقليدية بعدًا تاريخيًا وروحانيًا زاد من قيمتها التراثية، وجعل من مبانيها شاهداً على عبقرية الإنسان في التفاعل مع الطبيعة والزمان.