السدو.. مصدر تميز ثقافي وتثبيت هوية

صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، يجلس وأحد ضيوفه في خيمة من السدو

كتبت- صبحة بغورة:

تظل صناعة النسيج “السدو” من الحرف التراثية الأصيلة وفخر الصناعة اليدوية الباقية عبر الزمان، تنتقل مع تعاقب الأجيال من زمن إلى زمن آخر، مهما اختلفت معايير التقدم، ومن منزل إلى آخر مهما تباينت القيم والعادات، وهي مهنة أو حرفة متوارثة جيلًا بعد جيل.

عملت فيها وأبدعت المرأة باقتدار إلى جانب صناعة بيوت الشعر وأغراض الجمال والخيل واحتياجات البيوت ومفروشاتها. يحرص كثيرون من الأجانب والسياح المغرمون به على اقتنائه طوال العام. والسدو يصنع من صوف الأغنام، وله مواسم أفضلها موسم الربيع؛ حيث يزيد الإقبال عليه.

السدو.. مصدر تميز ثقافي

يبقى “السدو” في المملكة العربية السعودية، مصدر تميز ثقافي وتثبيت هوية، وهو نسيج الصحراء التقليدي في كل أنحاء الخليج من الغزل السميك إلى النول البسيط والأدوات الصغيرة التي تحتاج إليها عملية النسج.

وتقدم مهرجانات التراث عملية تمشيط الصوف وغزله ونسج زخارفه الدقيقة على النول. وقد حظي باعتراف عالمي بمكانته بعد إدراجه بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي. وهو أمر حيوي للالتفات إلى أهمية هذه الحرفة وحماية مكانتها ضمن التراث.

يعتبر السدو “ثقافة نسيج الحركة”. فالمنسوجات ليست قابلة للكسر، ولا هي ثابتة في المكان، بل تتغير وفق الحاجة. كما أنها أسلوب تفكير وهندسة وعمارة.

صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وهو يجلس على منسوجات من السدو
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وهو يجلس على منسوجات من السدو

أثر التراث وملامح الهوية العربية السعودية

لقد أمكن للتراث، رسم وتأصيل ملامح الهوية العربية السعودية، فتجاوز بذلك طبيعته المادية وأثره في علاقة الإنسان مع الطبيعة والبيئة المحلية.

كما تعدت أهميته مجرد الجانب الجمالي. ويكمن سحر السدو في أنه بسيط ومعقد في آن معًا ، فحرفته تتطلب أدوات ومهارات أساسية إذ يبدأ بخيط، ويتحول إلى قماشة، فجدار ثم بيت.

وفكرته تبسط التحديات المعقدة، لإيجاد مأوى في الصحراء، فهو خفيف لكنه ذو شأن، ويجمع بين قصة يرويها، ومهمة يقوم بها. فهو يروي علاقة سكان صحراء السعودية الوثيقة بالنظام البيئي وفهمهم له. وقدرتهم على تسخير الموارد من أجل البقاء. وهو درس في الموازنة القائمة بين علاقة الطبيعة والإنسان.

الحديث عن”السدو” ذو شجون، ومفاهيم بعيدة المغزى، والشعر العربي والسدو كلاهما من ثمار الصحراء. فالشعر وهو ميراث ثقافي لا مثيل له إلا في العالم العربي، ثري بصوره، خفيف بكلماته ويتوارث شفاهة. وكذلك السدو يحمل كل ملامح نسبه الصحراوي، إنه عملي، ومتبدل، وقابل للحمل.

فمهمت في جوهرها هي تمكين البدوي وأسرته من الحركة وتسهيل تنقله وتوفير مأوى ظليل لهم من الحر القائظ والرياح الرملية.

“نسيج ثقافة متنقلة”

وعليه يمكن النظر إلى النساج البدوي، على أنه المصمم الأول للأدوات المنقولة. إذن السدو في جوهره “نسيج ثقافة متنقلة” الحركة والتحول. فالمنسوجات المرنة يمكن استخدامها بطرق متنوعة لبناء جدران الخيمة الخارجية أو لإنشاء قواطع داخلية مرنة لتشكيل المساحات الفسيحة، وفقًا لحاجة الأسرة.

العيش في بيئة الصحراء القاسية يعتمد أساسًا على العمل التعاوني داخل الأسرة الواحدة وفي صفوف العائلات والقبائل الكبيرة، حسب حجم وطبيعة العمل.

 

والنساء شريكات منتجات من أجل البقاء ومسؤولات عن توفير وصناعة وتجهيز المأوى، لذلك؛ ينظر بتقدير كبير لبراعة المرأة السعودية. فكلما كانت الخيمة أكبر وأجمل، كان يزداد تقديرها في عيون زوجها وأسرتها وجيرانها.

لقد ترسخ في صميم فكرة نسج السدو، الحذر، فلا إفراط في استخدام الموارد الطبيعية، بل الاكتفاء بالموارد المتاحة كشعر الماعز، والشياه والأبل، وبعض نباتات الصحراء.

إحدى السيدات تنسج السدو
إحدى السيدات تنسج السدو

وتمد منسوجات السدو، المرء بصلة وصل مع الصحراء، وتوفيرها يوميات بصرية لعيش البادية؛ لما حاكته كل امرأة في رحلتها مع الرموز الهندسية البسيطة: كثبان وأكوام تمر والنسج.

يعلمنا “السدو” أن ننظر بعين الاحترام إلى ثقافتنا العربية؛ لأن ذلك يعني الافتخار بإرثنا الثقافي والاستفادة من ثروته.

الرابط المختصر :