لا يقتصر الذكاء المطلوب للنجاح في الحياة على الجانب الأكاديمي فحسب، بل يمتد ليشمل الذكاء العاطفي، وهو القدرة على التعرف على المشاعر وإدارتها والتعبير عنها بشكل صحيح، مع احترام مشاعر الآخرين. إن تنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال ليس خيارًا، بل هو مسؤولية أبوية تضمن لأطفالنا صحة عقلية قوية وعلاقات مستقرة، بل وتؤثر بشكل مباشر على نجاحهم المستقبلي، حيث أثبتت الدراسات أن المهارات العاطفية المكتسبة في سن ما قبل المدرسة مرتبطة بالحصول على شهادات جامعية وبدء حياة عملية ناجحة في مرحلة البلوغ.
الخبر السار هو أن جميع الأطفال يمتلكون الاستعداد لتعلم هذه المهارات، وهم بحاجة فقط إلى التوجيه الصحيح. إليكِ استراتيجيات متكاملة لتربية طفل ذكي عاطفياً:
-
بناء المفردات العاطفية والتعاطف
تتمثل الخطوة الأولى في مساعدة الطفل على فهم مشاعره من خلال تسمية هذه المشاعر. يجب على الوالدين ترجمة سلوك الطفل إلى كلمة عاطفية، فبدلًا من تجاهل غضبه بالصراخ، يقال: “يبدو أنك تشعر بالغضب حقًا الآن”. هذا يبني مفردات يستخدمها الطفل للتعبير عن نفسه، مع التركيز على العواطف الإيجابية مثل الفرح والحماس.
كما أن إظهار التعاطف أمر بالغ الأهمية. بدلًا من استخدام عبارات رافضة مثل “هذا يكفي” أو “لا تبكِ”، يجب التأكد من شعوره أولًا ثم إظهار التفهم والتعاطف، بالقول مثلًا: “أنا أيضًا أشعر بالحزن عند الخسارة، من الصعب الشعور بهذه الطريقة”. هذا يقلل من اضطرار الطفل للتعبير عن مشاعره بالسلوك السلبي كالصراخ.
-
التوجيه نحو التعبير والتعامل الصحي
بمجرد أن يفهم الطفل عواطفه، يجب توجيهه لاستخدام طرق صحية ومناسبة للتعبير عنها. يجب أن يكون الوالدان هما القدوة الأولى، معبرين عن مشاعرهم بطرق مقبولة (مثل التعبير بالكلام أو الرسم)، مع توضيح أن الغضب بالصراخ أو تكسير الأشياء غير مقبول.
يحتاج الطفل بعد ذلك إلى تطوير “بروتوكول صحي” للتعامل مع مشاعره:
- لإدارة الغضب: يمكن تعليمه أخذ أنفاس عميقة لتهدئة انفعالاته.
- للتعبير عن التوتر: يمكن توجيهه للمشي في الهواء الطلق أو ابتكار “صندوق الهدوء“ الذي يحتوي على أدوات لتنظيم المشاعر (مثل دفتر تلوين أو معجون للعب).
- للمشاعر الإيجابية: يمكن التعبير عنها بالاحتضان أو الرقص.
- زاوية المشاعر: تخصيص زاوية في المنزل يمكن للطفل التوجه إليها عند الشعور بالاستياء للتنفيس عن مشاعره بهدوء، ويمكن للوالدين استخدامها ليكونوا قدوة.
-
تطوير مهارة حل المشكلات والتعاطف
الذكاء العاطفي لا يكتمل دون تطوير مهارة حل المشكلات التي ولّدت المشاعر السلبية. بعد وصف المشاعر والتنفيس عنها، يجب على الوالدين تبادل الأفكار مع الطفل لإيجاد حلول للمشكلة (كخوفه من النوم في الظلام). يجب توجيهه لتقييم الإيجابيات والسلبيات لكل حل واختيار الأنسب، مع التأكيد على مساعدة الطفل ليرى نفسه أهلًا لحل مشكلاته بهدوء.
كما أن بناء التعاطف يتم من خلال مساعدة الآخرين. إشراك الطفل في أعمال بسيطة مثل مساعدة الجيران أو مساعدة المحتاجين يجعله يرى ويفهم مشاعر الآخرين، وهذا هو أساس الذكاء العاطفي.
رحلة مستمرة ودعم لا يتوقف
إن تنمية الذكاء العاطفي هي رحلة مستمرة عبر الطفولة والمراهقة. يجب على الوالدين جعلها هدفًا مستمرًا، وتقبّل أخطاء الطفل واستخدامها كفرص للتوجيه نحو التصرف السليم. من خلال هذا الدعم والتوجيه المستمر، سيبني الطفل قاعدة قوية لقوته العقلية التي تدفعه نحو النجاح في المستقبل. وإذا كان الأمر شائكًا، فطلب المساعدة من مختص هو خطوة مسؤولة.




















