أصبح الاهتمام بالصحة النفسية وبلوغ السلام النفسي احتياجًا ضروريًا وجزءًا لا يتجزأ من صحتنا الشاملة، تمامًا كما نهتم بصحتنا الجسدية، فالطب النفسي يلعب دورًا حاسمًا في مساعدة الأفراد في التغلب على التحديات النفسية التي يواجهونها وتحسين نوعية حياتهم؛ فلا يمكن الحديث عن صحة المجتمع إلا بالتطرق إلى صحة أفراده النفسية. وفي حوار خاص للدكتورة صفاء حمودة استاذ الطب النفسي بجامعة الازهر الشريف، لمجلة وموقع “الجوهرة”، تحدثنا عن أكثر أمراض الاضطرابات النفسية انتشارًا، وما هي الأسباب؟
د. صفاء.. ما أهم أعراض الاضطرابات النفسية الشائعة؟ وكيف يمكن للفرد أن يميز بينها والتغيرات المزاجية الطبيعية؟
أكثر اضطرابات الصحة النفسية شيوعًا هي الاكتئاب والقلق. وتتجلى أعراض هذه الاضطرابات في تغيرات مزاجية مستمرة، وفقدان الشغف، وتدهور الأداء الوظيفي والاجتماعي والدراسي. عادة ما يتم تشخيص هذه الاضطرابات عندما تستمر الأعراض لأكثر من أسبوعين وتتداخل بشكل كبير مع الحياة اليومية.
ومن المهم التمييز بين هذه الأعراض الطبيعية التي قد تحدث استجابة للأحداث الحياتية الصعبة، وبين الأعراض المستمرة التي تتطلب تدخلًا علاجيًا.
وتتعدد العوامل التي تساهم في الإصابة باضطرابات الصحة النفسية؛ منها: “العوامل الوراثية، والبيئة الاجتماعية، والضغوط النفسية”.
وتلعب الشخصية دورًا مهمًا في الاستعداد للإصابة بهذه الاضطرابات؛ إذ يزيد بعض الأنواع الشخصية من خطر الإصابة. كما أن الأحداث الحياتية الصعبة؛ مثل فقدان أحد الأحباء أو فقدان الوظيفة، يمكن أن تؤدي إلى ظهور هذه الاضطرابات.
ما أهمية التشخيص المبكر للاضطرابات النفسية؟ وكيف يؤثر على مسار العلاج؟
إن التشخيص المبكر للاضطرابات النفسية له أهمية بالغة. فكلما تم تشخيص الحالة وعلاجها في وقت مبكر، قلّت الآثار السلبية على الدماغ. فالأبحاث العلمية تشير إلى أن النوبات المتكررة للاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب، قد تؤدي إلى تغيرات هيكلية في الدماغ. لذا، فإن التدخل العلاجي المبكر يساعد على الحد من هذه التغيرات ويحسن فرص الشفاء التام.
والتشخيص المبكر هو مفتاح التعافي من الاضطرابات النفسية. فكلما طالت مدة ترك الحالة دون علاج، زادت فرص تحولها إلى حالة مزمنة تؤثر سلبًا على جميع جوانب حياة الفرد. والعلاج المبكر يساعد على تقليل حدة الأعراض وتحسين جودة الحياة؛ ما يقلل من التأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية والعملية
هل هناك علاجات متاحة لاضطرابات الصحة النفسية؟ وما العوامل المؤثرة على اختيار العلاج المناسب لكل حالة؟
تتنوع خيارات علاج الاضطرابات النفسية بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي. ويشمل العلاج النفسي مجموعة واسعة من التقنيات؛ مثل: “العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الداعم، والعلاج القائم على الوعي”.
ويعتمد اختيار العلاج الأنسب على طبيعة الحالة وخصائص الفرد؛ فبعض الحالات تستدعي الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي، بينما قد يكفي في حالات أخرى العلاج النفسي وحده. كما أن رغبة المريض في نوع العلاج تلعب دورًا مهمًا في عملية اتخاذ القرار. فالعلاج النفسي عملية شاملة تتطلب تضافر الجهود بين المريض والطبيب النفسي والأسرة والمجتمع. كما يلعب الدعم الاجتماعي دورًا حاسمًا في مساعدة المرضى على التغلب على التحديات التي يواجهونها والعودة إلى حياتهم الطبيعية. يجب علينا جميعًا العمل على التخلص من وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي وتشجيع الجميع على طلب المساعدة المهنية عند الحاجة.
ماذا عن القلق والاكتئاب: وما أسباب انتشار هذين الاضطرابين في المجتمع؟ وكيف يمكن الوقاية منهما؟
يشهد عصرنا الحالي انتشارًا واسعًا للقلق والاكتئاب، ويعزى ذلك إلى العديد من العوامل الاجتماعية والنفسية. فالتسارع في وتيرة الحياة، وتزايد الضغوط اليومية، ووفرة المعلومات عبر الإنترنت، كلها عوامل تساهم في زيادة الشعور بالقلق والتوتر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار الأخبار السلبية والمعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من الشعور بالخوف والقلق، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أعراض جسدية غير مفسرة.
ومن ناحية آخرى، فقد غيرت التطورات التكنولوجية الحديثة، ولا سيما انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، من أنماط حياتنا بشكل جذري.
وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي توفرها هذه التكنولوجيا، إلا أنها ساهمت في زيادة معدلات القلق والاكتئاب. فالتعرض المستمر للأخبار السلبية، والمقارنات الاجتماعية، والمعلومات المضللة، كلها عوامل تساهم في زيادة الشعور بالتوتر والقلق.
بالاضافة إلى أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التفكير الكارثي؛ حيث يميلون إلى توقع أسوأ السيناريوهات في كل موقف. هذا التفكير السلبي، مدفوعًا بمعلومات مغلوطة أو تفسيرات خاطئة للأعراض الجسدية، يزيد من الشعور بالقلق والتوتر. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الشعور بألم بسيط في الذراع إلى قلق مفرط بشأن الإصابة بمرض خطير.
ما أسباب الإدمان وكيف يمكن علاجه؟ وما دور الوقاية في مكافحة الإدمان؟
الإدمان مشكلة معقدة تتأثر بعوامل متعددة، منها العوامل الوراثية والعوامل السلوكية. وتشير الدراسات إلى أن هناك استعداد وراثي للإدمان؛ حيث يزداد احتمال إصابة الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي بالإدمان.
وبالإضافة إلى ذلك، تلعب الشخصية دورًا مهمًا، فالأشخاص الذين يميلون إلى الاندفاعية والبحث عن الإثارة يكونون أكثر عرضة لتجربة المواد المخدرة والإدمان عليها.
ومن جانب آخر، يرتبط الإدمان بآلية عمل الدوبامين في الدماغ. فالمواد المخدرة تزيد من إفراز الدوبامين، مما يسبب الشعور بالمتعة والإثارة. مع مرور الوقت، يحتاج الدماغ إلى كميات متزايدة من المادة المخدرة للحصول على الشعور؛ ما يؤدي إلى الإدمان. وتلعب العوامل الوراثية دورًا في تحديد كيفية استجابة الدماغ للمواد المخدرة.
والوقاية من الإدمان تبدأ بتوعية الأفراد والمجتمع بأخطار الإدمان، وتعزيز المهارات الحياتية اللازمة لمواجهة الضغوط والتحديات.
كما أن علاج الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، يمكن أن يساعد في الوقاية من الإدمان. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأسرة دورًا حيويًا في حماية أبنائها من الإدمان من خلال توفير بيئة داعمة.
ما أنواع اضطرابات المزاج المختلفة؟ وكيف يمكن التعامل مع تقلبات المزاج؟
تتنوع اضطرابات المزاج بشكل كبير، وتشمل الاكتئاب الشديد، والاضطراب الثنائي القطب، والاضطراب المزاجي المستمر. ويتميز الاكتئاب الشديد بشعور بالحزن الشديد وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية. أما الاضطراب الثنائي القطب فيتضمن تقلبات حادة في المزاج بين نوبات من الهوس الشديد ونوبات اكتئابية. أما الاضطراب المزاجي المستمر فيتميز بمزاج منخفض بشكل مزمن، ولكنه أقل حدة من الاكتئاب الشديد.
وتختلف شدة اضطرابات المزاج وتأثيرها على حياة الفرد. فبعض الاضطرابات، مثل الاكتئاب الشديد والاضطراب الثنائي القطب، قد تتسبب في عجز كبير عن أداء المهام اليومية. بينما قد يكون الاضطراب المزاجي المستمر أقل حدة، ولكنه يؤثر بشكل كبير على جودة الحياة على المدى الطويل.
وتتعدد أسباب اضطرابات المزاج، وتشمل عوامل وراثية، وكيمياء الدماغ، وتجارب الحياة الصعبة. كما أن التغيرات الموسمية، والضغوط اليومية، قد تساهم في ظهور أو تفاقم هذه الاضطرابات.