مسلسل La Casa De Papel.. محاولة جديدة لقلب القيم

يُعرف المحققون في فلسفة القيم، أن أول محاولة جادة لقلب القيم؛ تلك التي قام بها فردريك نيتشه، وخاصة في كتبه «ما وراء الخير والشر، غسق الأوثان، وإرادة القوة»، لكن يمكن القول دون مجازفة، إن المحاولة الثانية لعملية قلب القيم تلك، تمت على صعيد سينمائي هذه المرة، وبالتحديد في مسلسل La Casa De Papel، والذي عرضت نتفليكس الموسم الخامس منه مؤخرًا، مع وعد بموسم سادس آخر.

ولعل ما يدعونا إلى اعتبار مسلسل La Casa De Papel، محاولة لقلب القيم أن أبطاله يدركون خطأ ما يفعلون ولكنهم على الرغم من ذلك يطعنون في الأسس المنطقية التي جعلت من الصحيح صحيحًا ومن الخطأ خطئًا، تلك هي بالضبط ذات المهمة التي انتدب نيتشه نفسه لها في الأعمال آنفة الذكر.

مسلسل La Casa De Papel

ما يعنينا هنا، أن المسلسل خطر من هذه الزاوية؛ إذ هو ينحو منحى تشكيكيًا واضحًا، يشكك في القيم والمُثُل والأفكار الراسخة في العقول، فمثلًا يقول «برلين» _ فيلسوف هذا المسلسل بحق _ «اللصوص هم الليبراليون الحقيقيون» إنه يرى ألا طريق للوصول إلى الحرية إلا من خلال السرقة والسطو، وهذا هو عين رأي «طوكيو» أيضًا، التجلي الأمثل لتنظيرات «برلين»، والنسخة المؤنثة من شخصية «باليرمو» ذاك الذي يقول إن ضميره نائم، ولا يخشى قتل «آرتورو رومان».

لكن البروفيسور؛ العقل المدبر لكل عمليات السطو التي شاهدنها طوال الخمسة مواسم السابقة يقول «نحن لا نسرق من أحد» يقصد أن لا مانع _ من الناحية الأخلاقية_ فيما يفعلون لأنهم لا يسرقون من آحاد الناس، وإنهم هم فقط يسرقون بنك أسبانيًا أو دار السك الملكية.

مسلسل La Casa De Papel

الذئب في ثوب الحَمَل

لو أنك أحببت أن تقرأ كتابًا _ غير كتب نيشته التي أشرنا إليه آنفًا _ على هدى هذا المسلسل أو في ضوءه، فما ثمة أنفع من كتاب غوستاف لوبون الموسوم بـ «سيكولوجية الجماهير»؛ فهذا الكتاب وإن كان قد شرّح القواعد الحاكمة للجمهور، والمتحكمة في سلوكه، وكيفية السيطرة على الجماهير العريضة تلك، فقد أحسن «البروفيسور» استخدام هذه القواعد جيدًا.

ولهذا، رأينا الجماهير تحتشد أمام دار السك الملكية ثم أمام بنك أسبانيًا لا لكي تؤيد الشرطة في القبض على هؤلاء المجرمين وإنما لمؤازرة المجرمين أنفسهم؛ الذين أفلح «البروفيسور» في أن يجعلهم ضحايًا ومظلومين. ولكي تتأكد من أن القائمين على هذا المسلسل كان يبغون فعلًا إجراء عملية قلب للقيم، وتحويل دفة العقول وتغيير مسارها، دونك هذا المشهد الذي قام فيه «البروفيسور» بتوليد المحققة السابقة أولييفا سيرا، والتي كانت معتقلة إياه في مخبأة، وقد كبلت كلتا يديه، وأطلقت النار على قدمه.

فلما داهما ألم الولادة، راح البروفيسور وهو مكبل ينصحها بتعليمات جمة لكي تتم عملية الولادة _ أحد مقاصد هذا المشهد أن يُظهر البروفيسور على أنه عليم بكل شيء وأنه قارئ غزير القراءة واسع الثقافة _ ولما لم يجد كل ذلك نفعًا؛ لأن وضعية الجنين في بطن المحققة تلك لم تسمح لها بأن تلده بنفسها، طلب منها البروفيسور أن تفك قيوده كي يولّدها بنفسه، وهو ما قد كان، وعلى إثره تحولت المحققة أولييفا سيرا من ألد أعدائه أو واحدة من أتباعه.

لا أخلاقية الأعداء

أحد مهارات «البروفيسور» أيضًا أنه تمكن، وعن قصد وبحنكة، من وصم أعدائه، وخلع الطابع الأخلاقي الذي يلتحفون به، وقد سار في هذا المسار منذ الموسم الأول من المسلسل، وكان يخطط دومًا ليكون هو ومجموعة أصحابه على أنهم الأكثر التزامًا بالقوانين والأخلاق من الطرمسلسل La Casa De Papelف الآخر.

فمثلًا تمكن من سحق «تامايو»؛ قائد عملية القبض على البروفيسور وأصدقائه، عندما أثبت له تورطه في الكثير من الأمور غير الأخلاقية، منها، على سبيل المثال، تزوير أدلة إدانة المحققة أولييفا سيرا.

بل كان «البروفيسور» واضحًا عندما قال لـ «تامايو» إنه لا يريد سوى حماية نفسه؛ لأنه متورط في الكثير من قضايا الفساد. وبهذا أكمل «البروفيسور» خطته المتمثلة في كسب الجمهور من جهة، ونزع الطابع الأخلاقي عن أعدائه.

اقرأ أيضًا: معرض الرياض الدولي للكتاب يطلق منصات ترويجية ثقافية