"لحن في ذاكرتي".. فيلم كوري يرصد براءة العاطفة وعفوية المشاعر

عرضت لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، مؤخرًا، الفيلم الكوري الكوميدي "لحن في ذاكرتي" للمخرج يانغ-جاي لي، والذي تدور أحداثه في بلدة صغيرة تقع بعيًدا عن العاصمة "سيؤول"، وتستمر الأحداث خلال فصل دراسي واحد فقط.

تخرج بطل الفيلم كانغ؛ وهو شاب في الحادية والعشرين من عمره، حديثًا من معهد المعلمين، يصل إلى القرية للعمل فيها كمدرّس للموسيقى واللغة؛ ولأن هذه هي وظيفته الأولى فهو يُقبل على العمل بكل حماس وإخلاص.

يتعامل المدرس الشاب بكل محبة مع تلاميذه وتلميذاته مختلفي الأعمار والمنتمين في معظمهم إلى أسر فقيرة ويعيشون في بيئة متخلفة، يعبر عنها الفيلم منذ البداية من خلال تصوير ما يحدث في غرفة الصف في المدرسة، وتصوير تصرفات التلامذة على نحو شديد الطرافة والواقعية في آن واحد.

ينشغل التلاميذ، من الناحية الأخرى ومنذ الصباح، بتدبير المقالب للأساتذة، الذين يتقبلونها، بدورهم، كجزء من واقع الحال، كما تتجرأ تلميذة صبية لجلب شقيقها معها إلى داخل الصف الرضيع، ولا تجد غضاضة في تبديل "حفّاضته" المتسخة أثناء قيام المدرس بعمله.

وتدخل تلميذة أخرى معاقة الصف متأخرة وهي تضحك، ويقتحم جد عجوز غرفة الصف بدون استئذان، ويتوجه نحو حفيدته معاتبًا ليسلمها "زوادة " الطعام التي نسيت جلبها معها، ولا يتورع ثلاثة من التلاميذ عن الدخول في معركة حامية الوطيس وسط الصف متجاهلين وجود المدرس.

تبدأ حكاية الفيلم، الذي تدور أحداثه خلال عام 1963، من لحظة وصول الأستاذ إلى مداخل البلدة؛ حيث يصادف في الطريق التلميذة في الصف السادس "يون"؛ والتي ستقع في غرامه منذ رأته، و"يون" صبية صغيرة شديدة الخجل، سنراها طوال الفيلم تعاني من الارتباك أمام أستاذها الشاب، فلا تعرف كيف تعبر له عن حبها، والذي سيبقى من طرف واحد، إلا عن طريق تصرفات رعناء لا تفيدها في شيء ولا تجلب انتباه المدرس لها بشكل خاص.

في حين تتجه عاطفة المدرس "كانغ" نحو مدرّسة جديدة مثله تكبره ببضع سنوات وتنجذب بدورها نحوه؛ إذ يجمع بينهما حب الموسيقى، دون أن يؤدي الانجذاب الذي بات محط الأقاويل بين الأهالي والتلاميذ إلى حب مقابل من طرفها أو تحقق علاقة حب فعلية، فيكون من نتيجة ذلك استقالتها ومغادرتها البلدة وعودتها إلى خطيبها في العاصمة.

يبني الفيلم، من خلال التلميذة والمدرّس والمدرّسة، حالة حب ثلاثية الأطراف، ولكن من دون أن يجعل من هذه الحالة قصة؛ فالفيلم بهذا المنحى يحكي عن الحب دون أن يحكي قصة حب، أو أن يطوّر علاقة حب، وهو فيلم عن العاطفة دون أن يكون فيلمًا عاطفيًا، كما أنه فيلم عن جمال الأحاسيس التي تبعثها الموسيقى دون أن يكون فيلمًا موسيقيًا.

والعواطف التي يقدمها الفيلم عواطف أناس بسطاء صادقين وعفويين، عواطف تتسم بالنقاء والبراءة، ولهذا يجد المتفرجون أنفسهم يتعاطفون مع اللحظة والحالة بغض النظر عن تشوقهم لمعرفة مصير العاطفة.

الأشخاص المتورطون في مشاعر الحب في الفيلم ثلاثة، مع ذلك يبتعد الفيلم عن الصيغة التقليدية في السينما التجارية التي تتحدث عن العلاقات بين رجلين وامرأة أو بين امرأتين ورجل ضمن ما يصطلح على تسميته بمثلث الحب.

أبرز ما في الفيلم من مشاهد وأكثرها تأثيرًا في العواطف، وبقاءً في الذاكرة مجموعة من المشاهد المرتبطة بتصوير جمال العواطف المرتبكة، وبمحاولات التلميذة التعبير عن هذه العواطف عبر مواقف مؤثرة وممتعة، ومن هذه المواقف المؤثرة والممتعة، في الوقت نفسه، قيامها بسرقة دجاجة حية من منزل والدتها وحمل هذه الدجاجة معها أثناء الرحلة المدرسية؛ بهدف جعلها غذاءً للمدرس، وهي محاولة تنتهي بهرب الدجاجة إلى داخل بحيرة قريبة، وتعرض التلميذة للغرق أثناء محاولتها الإمساك بها، ومن هذه المواقف أيضًا لحظة قيام المدرس بقرص ذراعها على سبيل المزاح، ما يجعلها تدخل في عالم من الأسئلة القلقة والأحلام والتصورات غير المؤكدة.

يُشار إلى أن الفيلم حصل على جوائز دولية عدة، مثل: جائزة أفضل ممثلة رئيسية ومنحت للممثلة جيول- دو يون في دور التلميذة، وجائز أفضل مخرج جديد للمخرج وكاتب سيناريو الفيلم يونغ – جاي لي، إضافة إلى جائزة أفضل فيلم من مهرجان فيرونا الدولي لأفلام الحب في العام 2000.