قرية رجال ألمع.. لؤلؤة في جبال عسير

في قلب جبال عسير تتربع قرية رجال ألمع كلوحة معمارية ناطقة بتاريخ يتجاوز تسعمائة عام . هي منطقة أثرية موغلة في القدم يتوافد عليها السياح من كل البقاع. ليشهدوا ذاك السجل الحي لمنطقة وصل بين التجارة والفنون الشعبية. وإلمام ذويها بالأصول القيمة واحتفائهم بمعالمها.

تقع رجال ألمع في منطقة عسير غرب مدينة أبها. وكانت عبر القرون  أحد مراكز التي تربط طرق التجارة بين اليمن، الحجاز والشام. تعود جذور القرية إلى ما يقارب 700-900 سنة. ما يمنحها الوقار والأهمية البالغة التاريخية والأثرية.

تتميز بنايات قرية رجال ألمع بكونها مبنية من الحجارة المحلية غالبا البازلت والحجر الرملي. وبأدوار متعددة فبعض المباني يصل ارتفاعها إلى ستة أو ثمانية طوابق. وهو الأمر الذي جعل منظر القرية على الجبل يبدو كحصون شامخة من طبقات متراصة.

تعلو البنيان نوافذ خشبية ومزخرفة بنقوش مرصعة بلمسات من الطين والجبس إضافة إلى الأسقف الخشبية.

أما الأبواب والخشبيات فمعقودة بزخارف محلية. وكل ذلك يكسب الواجهات نفسا قديما. هذه الخصائص المعمارية مدعومة بتقاليد البناء المحلية التي جعلت من القرية نموذجًا فريدًا في المعمار الجبلية السعودية.

الفن الشعبي “القط العسيري”

واحدة من أهم ملامح قرية رجال ألمع هي الفنون الجدارية الداخلية، خاصة فن القط العسيري وهو تقليد نسائي  في عسير. تزخرف جدران الغرف بأنماط هندسية وزهور وألوان زاهية مثل الأحمر والأخضر والأصفر مرتبة بخطوط متناسقة.

هذا الجمال والتناسق البصري يحمل في خياشيمه رسالة ثقافية واجتماعية وتراثا نسائيًا موثقًا. لذا كان عاملًا مهمًا في ترشيح مناطق عسير للانتباه الوطني والدولي. وقد سجل عام 2017 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونيسكو.

متحف رجال ألمع وقصر العلوان

في قلب القرية يقع متحف رجال ألمع التي اتخذ قصر عائلة آل علوان كمقر له. تأسس بجهود الأهالي عام 1985. واحتضن مجموعات أثرية، مخطوطات، أسلحة قديمة، الأدوات اليومية والزراعية وقطع تعكس تاريخ المنطقة وحرفها.

ليسهم في توثيق الفن المحلية، وتحويل بعض القصور القديمة إلى معارض تحفظ المقتنيات. ومنصة ثقافية غنية تستضيف الزوار والمهتمين بتاريخ منطقة عسير.

كوخ العسل

كوخ العسل من المعالم السياحية الحديثة التي لفتت الانتباه. هي مساحة صغيرة تراثية مصنوع بنيانها من الطين والحجر ومغطاة سقوفها بالأخشاب وجذوع الأشجار. لتشبه في ذلك البيوت الجبلية العريقة وتمنح تجربة جلوس تقليدية. تقدم فيها منتجات النحل والمحليات، وجلسات تصوير مع مناظر القرية.

أبرز كذلك سكان رجال ألمع ارتباط الفرد بمحيطه من خلال الممارسات الزراعية والحرف اليدوية، فطوروا أساليب الزراعة لتتكيف مع تضاريس المنطقة في سفوح الجبال.

واعتمدوا على المدخرات لتخزين المحاصيل ومهارات تربية النحل لتشكل جزءًا من الاقتصاد المحلي.

الحفاظ والترميم والتنمية السياحية 

شهدت القرية برامج ترميمية وتوثيقًا بالتعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي، كما تم إدراج قرية رجال ألمع في القائمة المؤقتة للتراث العالمي لليونسكو تقديرًا لقيمتها الاستثنائية.

في السنوات الأخيرة ربطت خطط تطوير سياحي أكبر مثل “سودة بيكس” Soudah Peaks رجال ألمع بخريطة مشاريع التنمية الوطنية التي تسعى لوضع عسير على خارطة السياحة العالمية.

الثقافة الحية والفعاليات

تم إحياء فعاليات كبيرة في قرية ألمع ونبضت بمهرجانات ثقافية، معارض حرفية، وورش عمل في فن القط والسعفات التقليدية. ما أعاد ربط الأجيال الشابة بتراثها وفتحت بابًا للتسويق السياحي.

احتضنت القرية مهرجان “رجال الطيب” الذي يهدف لتعزيز حضور هوية القرية والتعريف بالموروث المتداول لعسير من خلال الفنون الشعبية كالخطوة والألوان، واستعراض الأزياء التقليدية و الأكلات الشعبية، والتعرف على الحرف اليدوية التي مارسها السابقون مثل صناعة الخناجر والنسيج والتطريز. وتعود تسميته تيمنا برائحة البخور والعطور الطيبة التي ارتبطت بالبيوت والمجالس القديمة وتزيين رؤوسهم بأكاليل النباتات العطرية.

قرية رجال ألمع الأثرية مزيج من الحجر، اللون والفن الشعبي الذي يقدم نموذجًا لكيفية تحويل التراث إلى مورد مستدام عند حسن إدارته. إن الحفاظ على مبانيها، فنونها واقتصادياتها المحلية سيظلان عاملين أساسيين في جعل رجال ألمع صفحة فخر في تاريخ المملكة السعودية الثقافي والسياحي.

الرابط المختصر :