صَالِح الرِّيمِي يكتب: أليست نفسًا؟!

عن جابر رضي الله عنه قال: مرت بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا لها، فقلنا: إنها جنازة يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم:

(أليست نفسًا!! إذا رأيتم الجنازة فقوموا) رواه البخاري ومسلم..

جملة قالها النبي صلى الله عليه وسلم لتختزل حياة الإنسان، تعامله، سلوكه، ومواقفه تجاه الآخرين، جملة تلغي الحسد والتكبر والسخرية واللامبالاة.

جملة تجعل الغني والفقير، القوي والضعيف، العالم والجاهل، المؤمن والكافر سواء في ميزان الإنسانية، جملة توحد نظرة العين للأشياء، وسماع الأذن للأصوات، ومصافحة اليد للأيدي، وحديث اللسان للأنام.

أليست نفسًا؛ نحتاجها في تعاملنا مع الناس حولنا، ونحتاجها مع ذلك المخالف في العقيدة؟ أليست نفسًا ولدت وترعرعت في بيئة مخالفة، فرضت عليها مبادئ وقيم وعادات خاصة، أليست نفسًا؛ نحتاجها مع الحيوانات، أليست أنفسًا خلقها الله لتعيش وتؤدي وظيفتها في الحياة، أليست نفسًا؛ نحتاجها حتى مع أنفسنا..

أليست نفسًا؛ جملة يحتاجها كل فرد في المجتمع، يحتاجها القاضي حتى لا يسجن الضعيف ويصفح عن الشريف، يحتاجها الطبيب حتى يعالج الفقير والغني بنفس الطريقة، يحتاجها الأستاذ حتى لا يميز بين التلاميذ، يحتاجها الوالدين مع أبنائهم.

أليست نفسًا تلك الأم الطاهرة الصابرة الباذلة دون انتظار مقابل، والتي سهرت لتنام، وتعبت لترتاح، ألا تستحق إدخال الفرحة على قلبها؟!، وتمرير الابتسامة على محياها؟! أليس نفسًا ذلك الأب الصالح المثابر المعطاء الذي شاب ليشب أبناؤه، وعمل ليأكلوا، أليس جديرًا بالتكريم والتبجيل؟!..

أليسوا أنفسًا بعض البشر من ألجأت الأقدار بعضهم إلى افتراش الأرض لبيع ما زهد من السلع، وبعضهم إلى دفع العجلة لأخذ ما بخس من الثمن؟! وبعضهم إلى مسح الأحذية، وبعضهم إلى بيع الجسد، فننظر إليهم نظرة رحمة ومحبة وتقدير ممزوجة برغبة في رد الجميل؟!.

لكل من خالفنا أليسوا أنفسًا تستحق أن نلقي السلام عليهم؟! ونبتسم في وجوههم، ونمسح على رأس يتيمهم، ونتصدق على فقيرهم؟!..

والأهم هي نفسك، وأن تهتم بها، أليست نفسك تلك التي بين جنبيك حريٌ بها أن تعيش؟! ألم يخلقها الله لتعمل وتنتج، لتبتكر وتبدع، ألا تستحق منك العناية والتوجيه، والإبعاد عن المهالك والزلات؟!.

ترويقة

الحياة كلها أنفس، بغض النظر عن طبيعتها، جنسها، لونها، مكانها، شكلها، أنفسًا لم يخلقها الله عبثًا، بل خلقها لتؤدي وظيفة معينة، وليكمل بعضها بعضًا.

فكن أنت تلك النفس التي أدت وظيفتها على أكمل وجه، واترك الأنفس الأخرى لتؤدي وظائفها ناظرًا إليها لا نظر دين ولا عرق ولا شكل، بل نظرة نفس لنفس.

ومضة

أكد العالم النفساني الكبير وليم جيمس هذا المفهوم بقوله: (إن أعمق الرغبات الإنسانية عند البشر وأشدها إلحاحًا هي الحاجة للشعور بالتقدير والاحترام).

صَالِح الرِّيمِي كاتب سعودي

اقرأ أيضًا: