ظهرت في السنوات القليلة الماضية العديد من الأفلام لمخرجات سعوديات وصانعات الدراما السعودية بعدسات لم تخطئ النظر إلى عمق قضايا المرأة أولا. وقد تفاوت محتواها في مدى التعبير ما بين الحالات الخاصة والقضايا العامة. وما يمكن أن يحسب للمخرجة السعودية انحيازها الشديد إلى قضايا المرأة ببساطة المعالجة وعمق الطرح وعلو قيمة الأفكار. وذلك دون الالتفات إلى أي شأن آخر.
يمكننا اعتبار انحياز المخرجات السعوديات لقضايا المرأة مظهرا لتأكيد تكريس ميلهن لتناول الإشكاليات التي تواجه المرأة. ويمكن النظر إليه على أنه أمر طبيعي بل واهتمام مطلوب لإبراز البعد الإنساني والاجتماعي الملامس لمواضيع تتعلق بمعالجة قضايا أعمق وأكبر تنوعا في الاهتمامات وأكثر ميلا إلى المواضيع ذات الحالات الفردية الخاصة ولكنها تمثل في الوقت ذاته، نموذجا في مجتمع يحوي العديد من المشاكل المشابه. ومن هذه الأفلام نعرض بعض من النماذج التالية:
كما شاركت المخرجة والكاتبة نورة المولد في إخراج فيلم "قوارير" 2022 إلى جانب المخرجات رغيد النهدي، ربى خفاجي، فاطمة الحازمي ونور الأمير. ويعرض فيلم "قوارير" خمسة قصص لبطلات نسائية يخاطرن بحياتهن في مواجهة تحديات مجتمعهن المحافظ؛ بسبب مواقفهن الجريئة من قوانين الوصاية، تخلي الآباء، الزواج بالإكراه، ترمل النساء والاعتداء الجنسي.
لم يتخلف بعض الشباب عن تناول قضايا المرأة في أعمالهم الدرامية واتبعوا في ذلك أساليب مختلفة. ومن ذلك فيلم "أربع ألوان" للمخرج توفيق الزايدي يصور حكاية أربع فتيات مختلفات في نمط التفكير وفي نظرتهن للمستقبل. ويخلص الفيلم إلى حقيقة مفادها أن المختلف عنا ليس دائما سيئا، وأن إصدار الأحكام المسبقة لا يؤدي بالضرورة إلى كشف الحقيقة.
وعلى المقعد الخلفي تجلس امرأة ومعها طفل رضيع، وترصد الكاميرا من داخل السيارة ردود فعل الشخصيات بدقة. وتصور حالة الريبة والحرج من وجود رجل وامرأة في مكان واحد مغلق في مجتمع محافظ.
إن دعم وتمكين المرأة السعودية هو أحد مرتكزات رؤية المملكة 2030 التي أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في منتصف عام 2016. كما أن الرؤية المباركة هي رؤية تنموية شاملة فإن النظرة العامة لدى أوساط المهتمين تأمل أن يكون دعم المرأة وتمكينها يفترض ألا يتوقف عند حدود معينة وعلى عتبة سياجات محددة.
ويعد قطاع المسرح من القطاعات التي تتطلع إلى إسهام المرأة السعودية في تنميته وجعله ضمن طليعة النشاطات الثقافية وكأحد المؤشرات الدالة على جودة الحياة خاصة بعد مبادرة الهيئة العامة للثقافة بتأسيس المجلس السعودي للأفلام كخطوة هامة لدعم السينما.
لقد أصبح المسرح بعد إعلان الرؤية فضاءً متسعًا لحضور جديد للمرأة السعودية في عطاءات المسرح المختلفة وتخصصاته المتعددة حضورا فعالا ينطلق من حيث انتهت إليه التجربة المسرحية وتجارب الآخرين على مستوى العالم. ولعل من قبيل الاعتراف بالفضل أن نذكر جهود وإسهامات كلا من الأستاذة والكاتبة رجاء عالم. والدكتورة الكاتبة والمفكرة والناقدة ملحة عبد الله سيدة المسرح السعودي في إثراء المسرح السعودي بنفائس النصوص المسرحية المتنوعة.
لقد حققت المرأة السعودية من خلال الممارسة المسرحية حضورا مؤثرا ومثمرا على أرض الواقع. ولعل تمكن الدكتورة ملحة عبد الله من الحصول على جائزة الهيئة العالمية للمسرح كأول امرأة عربية تنالها. بالإضافة على العديد من الجوائز الأخرى دليلا ملموسا على حجم التقدير العالمي لها تكريما لمجهوداتها.
المتفق عليه إن إسهام المرأة السعودية في فن المسرح ونجاح الكثير من برامجها يفترض أن يأخذ شكلا مختلفا ليحقق ما يتطلع إليه المجتمع السعودي. بمعنى أن هناك قناعة بضرورة تجاوز النظر إلى المرأة من وجهة نظر الممثلة فقط، أي ذلك الكيان الإنساني. وإن الفضاء المتاح في المملكة يفرض الالتفات إلى إسهام المرأة السعودية في مجالات عديدة كالإخراج والسينوغرافيا والديكور وهندسة الصوت والضوء والإسكريبت وغيره من التخصصات الفنية في عالم السينما. وهي مجالات عمل مشوقة ومحفزة على الإبداع ومستفزة للقدرات الفنية ومشجعة للمواهب المسرحية.
صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية
اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: التفكير الإبداعي والتفكير النقدي